تعانى الأمة العربية من فوضى رهيبة. لقد كثرت الفتن الداخلية فى الأمة، فكل إنسان عربى يشعر بغصّة، وقد ننحدر مادمنا نرفض التربية والثقافة والتاريخ والحضارة والترابط والتلاحم بيننا، فإذا سمحنا لأنفسنا بالتفرقة أن تنال منا، فلا مستقبل لنا، لأننا لن نكون. فلن نكون عرباً أصلاء، إذا تنكرنا من وطنيتنا وخدعنا عروبتنا، وحمايتنا لأوطاننا التى دمرت وسالت الدماء على أراضيه. فنهضتنا العربية الصحيحة تقوم أولاً وآخراً على ميثاق أمة عربية واحدة وثيقة الصلات بجيرانها وثيقة الصلات بالله وأمره ونهيه، باديه التوكل عليه. بلا شك إن هؤلاء فى الغرب لا يهمهم استقامة أمن وأمان أوطاننا، ولا يبالوا بمقاييس الأخلاق ولا حدود الدين. فعلاً الغاية تبرر الوسيلة (كما يقولون)، فهذا هو منطقهم، لكننا تعلمنا وفهمنا أن الغاية الشريفة لا يوصل إليها إلاّ بوسيلة شريفة. هذا هو مرادنا وهدفنا. إن بنى إسرائيل ومن معهم ويساندهم لا يبيتَّون للوطن العربى إلا السيف والفتنة والعار، فإنهم يريدون الحياة الدنيا وحدها، وينطلقون مسعورين وراء أطماعهم فى خيرات أوطاننا. وليس لهم طريق إلا التفرقة والفتنة فى الأمة العربية. فنعلم جميعاً أن أسلافنا وأجدادنا وقفوا أمام التتار والصليبيون، لكنهم اتحدوا وترابطوا أمام هؤلاء واستطاعوا بتوحيد صفوفهم أن يكسروا السيل الجائح فهزموهم، وبقيت حضارة ومنارة العالم العربى الشرقى آمنة فى ربوعها ووديعة يحتفظ بها الأسلاف للأخلاف. فنحن إذا بنينا نهضتنا وأمتنا على العروبة والقومية الإسلامية، فعلينا أن نلتزم بالأساليب الشريفة فى أعمالنا مهما لقينا من متاعب ومضايقات، فعروبتنا ليست تعصباً لدم من الدماء أو أى لون من الألوان، أو تعصباً ضد دين أو مذهب، فالإسلام جاء ليكافح ويمنع الفتنة والإكراه والاستبداد . إن قوميتنا العربية هى واقع تاريخى وجغرافى وحقيقة إنسانية ، فلقد أراد الله لكل قومية تسير على الطريق السوى أن تحسن الصلة والمنافع والإعمار وتحرى المصلحة العامة للأفراد والمجتمعات، فهى إرادة الخير للناس مادامت تسلك الطريق السوى الذى يعود بالسعادة والنفع للإنسانية وأن يكون خيرها لشعوبها. فإن خيرات عروبتنا وأمتنا يريد العدو استلابها، وكان يجب علينا أن نتملكها وننتفع بها، فهنا شعور وإحساس بين العرب أنهم تخلفوا وكان ينبغى أن يتقدموا. علينا أن نتحرر من هذه القيود وهذا الاتباع، لكى يتم تنظيم أمتنا ومجتمعاتنا وتوحيد الصفوف والكلمة ، وهذا لا يتم إلاّ أن نستقى من رحيق الوحى الأعلى ما يروى ظمأنا فى تلك الساحات والأوجاع كلها. إن الانتماء الحقيقى لأوطاننا وأمتنا هو شرف وقدر ممتد الأثر ، وموصول بأعظم الصلات بين الإنسان ووطنه . الأمة العربية هى فى أشد الحاجه إلى الروح والأمل والتاريخ والمنهج والترابط والتلاحم ، فكلها أهدافاً واحدة ، فعندما تكون الأمة فى خطر، فكلنا جنود فى خدمة أمتنا.