إن دور الإعلام على اختلاف أساليبه وتنوع وسائله فى حياة البشر أوسع وأعمق بكثير من أن يسعه الوقت أو الكلمات التى لابد ألا يتجاوزها مقالى.. لذا فسأحاول جاهدًا أن أصيب عمق الهدف الذى أنشده دون مقدماتٍ كثيرة . ولعلى أقفز سريعاً من مراحل التطور الشكلى والتكنولوجى للإعلام لأن جوهر الفكرة كان مازل واحداً – " إيصال الناس ما يهمهم " - . ثم دعونى أصل إلى أن تطورت الصحافة ليصبح هناك تحليلات ورؤى وأفكار تناقش .. فلم يعد الإعلام مجرد إعلان فلقد أصبح يخاطب العقول والقلوب ثم تطور لنصل إلى الصحافة التلفزيونية فوصلنا إلى علامة فارقة حيث أصبح الإعلام يأخذ منحى يصل إلى ما يصفه البعض بصناعة الوعى.. وهنا أرفض ما يطرحه البعض من أن المتلقى فارغ العقل وعيهُ قطعة طيعة يمكن فى المطلق تشكيلها خاصة مع تنوع مصادر الإعلام . إن الإعلام لا يصنع عقل ولا فكر البشر الذى وهبه الله لهم لكن الإنسان بعقله هو من يفكر ويختار بين الأفكار التى تطرح عليه.. وما يتوافق مع توجهاته بل وأحياناً أهوائه يستمع إليه ويستقى منه ويجنب الأخر .. ولا يتقبل الإنسان العاقل كل ما يصدر إليه من أى وسيلة أياً كانت مصداقيتها فيما سبق إن وجد شذوذاً عن النسق المتسق مع فكره وهذا ما يفسر تقلب الناس واختلاف آرائهم فى نفس المصدر بين كل فترة وأختها . لكن دعونى أقولها – بكل الصدق – إن وضع السم فى العسل يحدث إما جهلاً أو عمداً فى الإعلام عن طريق إعلاميين بلا وعى أو بلا أخلاق . فكما أشرت أن عقل المتلقى لا يستقبل إلا ما يتسق مع قناعاته لذا تجده يتابع مصادر ويثق بها ويعزف عن أخرى ويشكك فيها .. لكن الخطورة الحقيقية هى فى التزييف عند طرح مقدمات مزيفة والبناء عليها لنصل إلى نتائج خبيثة .. فنطرح أفكار تتعلق بإتجاه وتوجه المشاهد ثم ندس أكاذيباً ونهول تارةً ونهون أخرى ونلقى الضوء على شىء نريد أن نبرزه ونغض الطرف عما نريد أن نخفيه ولا مانع من الإشاعات والتفسيرات المغلوطة للأحداث بما يخدم التوجه .. فيقع المتلقى صريع هذا الكذب المدعوم بالتدليس المحبك .. فالفكرة وافقت هواه وتوجهه لذا يتقبلها وينخدع بها ويصدقها ثم يتحول هو إلى مروج للكذب عن عمدٍ أو جهلٍ عن طريق النشر على مواقع التواصل الاجتماعى التى هى نقمة ونعمة كشأن كل شئ فى الحياة هو على محك استخدام الإنسان له . فى نهاية المقال لن أخاطب واهماً خيرية من يصنع إعلاماً ليخدم توجهاً .. إنما أخاطب آملاً عقلَ المتلقى " تحقق من كل ما تسمع فى زمن الزيفِ والتدليسِ وابدأ بما وافق هواك ".