بيد خشنة، ووجه طفولى، مدت لنا فاطمة يدها بالسلام، محدثة حالة من الصخب، هى وصديقاتها الصغار، أخذن يتأملننا، بملابسنا الغريبة، ولهجتنا القاهرية، ذلك المكان البعيد عن واقعهن اليومى، المرحب به دائما، فى القرية المنسية. فاطمة فتاة صغيرة، من سكان قرية الديابية، إحدى القرى التابعة التى تتشابه فى عشوائيتها وتكوينها الجبلى، مع منطقة الدويقة، فاطمة تذهب إلى المعهد الأزهرى الإعدادى بالقرية، ولا تعرف شيئا عن الفيس بوك، والموبايلات الحديثة، ترتدى الحجاب منذ تعلمها المشى، وتسمى الحجاب على طريقة الاسبنش «لاسة»، تشبه تلك التى يرتديها الرجال. حلم الوصول إلى الجامعة تقضى فاطمة وقت فراغها فى العمل فى مزارع الموز، لجلب مصاريفها، كما تؤكد الفتاة، التى لا تفارق البسمة وجهها الأسمر، ربما يفسر عملها خشونة يدها، وكبر حجمهما عن مثيلاتها من فتيات القاهرة. «بشتغل 6 أيام، وباخد 120 جنيه، بتحوشهم لى أمى»، هكذا تؤكد فاطمة، التى تنتهى مدرستها فى ال12 ظهرا، كعادة المدارس فى القرى الريفية، ولم تستطع قوانين الطفل منع عمالة الأطفال بقرى الريف، وذلك بسبب تأثير العامل الاقتصادى فى ذلك، والذى يصل إلى نسبة %67، من أسباب لجوء العائلات بالقرى إلى تشغيل أطفالها، وفقا لدراسة حديثة بعنوان «دراسة اجتماعية لعمالة الأطفال فى الريف المصرى». وتحلم «فاطمة» بالالتحاق بالجامعة، ودراسة الطب، أسوة بأطباء الوحدة الصحية بالقرية. صابرين، صديقة فاطمة، التى تكبرها بعام واحد، تحلم أيضا بأن تصير طبيبة، رغم تأكيدها لنا أن عائلتها لن تمهلها كثيرا فى التعليم، فقريبا ستتزوج الفتاة، لتكون أسرة مستقلة بالمنزل. «منى» أيضًا، صديقتهما الثالثة، تجيد الطبخ، وخاصة الملوخية، وقد ذكرت منى تركها للتعليم، بعد المرحلة الابتدائية، تنطق العبارة السابقة فى خجل، وبصوت منخفض، فقد كانت تتمنى الاستمرار فى مراحل التعليم، «فالعلم حلو»، كما تقول منى، التى تجيد الرقص أيضًا، لكنها لا تستطيع الحديث عن الأمر فى طرقات القرية، دون أن تمتلئ وجنتيها بحمرة الخجل، وتغطى وجهها بطرف طرحتها، على طريقة جدتها الفلاحة المصرية، التى ينتسب إليها، أعظم الشخصيات فى التاريخ المصرى المعاصر. الفقر لا يمنع الشقاوة «الحنديلة» و«الكتسانية» و«التريكو»، من أهم الألعاب التى تقضى فيها الفتيات بالقرية وقت فراغهن، فتشبه «الحنديلة» لعبة معروفة بالمناطق الشعبية، وهى عبارة عن رسم مربعات مرتبة بطريقة معينة على الأرض، التى تفضل أن تكون رملية، لتجنب الجروح الخطيرة، فى حالة السقوط، والقفز بينها على قدم واحدة، والفوز يكون للفتاة التى تصل إلى أبعد المربعات، على قدم واحدة. أما «الكتسانية»، فهى عبارة عن إلقاء الحصى الصغير فى الهواء من على ظهر اليد، التقاط أكبر عدد ممكن من الحصى. أما «التريكو»، فهى عبارة عن عصا خشبية، وقالب طوب، يتم دحرجته على الأرض، على طريقة رياضة الهوكى. ورغم فقر قرية الديابية، فإن فتياتها يحرصن على ارتداء الألوان الزاهية، التى تخالف الطبيعة الصحراوية للقرية، وكذلك فإن نظافة الملبس، مهما بلغ تواضعه، من السمات التى يسهل ملاحظتها على الهيئة الخارجية لأهالى القرية بوجه عام، ولا يعترف الأهالى بضرورة تنظيم عدد الأسرة، فكثرة الأطفال يعنى لهم أيدى عاملة، تضيف إلى دخل الأسرالمعدمة.