قصة نجاح وكفاح، كسرت كل التابوهات والتقاليد البالية التي ترسخت منذ عشرات السنين، ينطبق عليها المثل القائل "بنت بمائة راجل"، لم تنتظر الوظيفة الميري، أو الزواج لتبدأ حياتها بمساعدة الآخرين، بل اعتمدت على نفسها وأسست عملها الخاص، وغيرت من حياة عشرات من فتيات قرية المحمودية، ولكن رياح عاتية هذه المرة وقفت أمام طموحها، مرتدية ثوب الدين والحلال والحرام، حتى قضوا على مشروعها. أجرت البديل حوارًا مع "فاطمة رزق" سيدة الأعمال الصغيرة في السن ولكنها تمتلك من العقل والإرادة ما نفتقده فى رجال دولة يتولون أعلى المناصب. - حدثيني عن نشأتك ودراستك؟ تخرجت من بكالوريوس تجارة قسم اقتصاد جامعة الزقازيق، وأنا بنت قرية المحمودية مركز ههيا محافظة الشرقية، من أسرة متوسطة الحال والدتي لا تعرف القراءة، لكنها أذكى إنسان قابلته ورغم بساطة الحال فكان همها الأول والأخير إتمام انا وأخوتي الستة مراحل التعليم المختلفة. - ماهو مشروعك وكيف بدأ حلمك في قريتك بالشرقية؟ لقد عايشت مشكلات القرية كلها، من فقر وجهل رغم انتشارالتعليم العالي والمتوسط ولكن فى نفس الوقت كانت المرأة على وجه الخصوص تعاني من القهر الاجتماعي ومشكلات التمييز بشتى الصور سواء في التعليم أو قدرتها في الحصول على فرص عمل متكافئة مع الرجل، وقررت وأنا في الجامعة تحقيق حلمي بالتغيير لكن كيف؟؟ - وماذا فعلت لتحويل الحلم إلى واقع؟ كانت الخطوة الأولى الحصول على الخبرة بالنزول للعمل بالقاهرة والبحث عن فكرة يمكن البدء منها وبعد عدة سنوات عدت للقرية ولحسن حظى أن زوجى كان يعمل فى مرحلة سابقة من حياته في الصناعة التي اخترتها للبدء في القرية وهو أحد أقارب شيوخ الصنعة (كما نسميهم) وبعد العمل في القاهرة لعدة سنوات شملت تخطيطًا لما أريده في البدء الذي يجب أن يكون من الصفر ماديًّا. - ماطبيعة عملك في الفترة التي اغتربتيها في القاهرة؟ جئت إلى القاهرة منذ 1998 إلى 2006، عملت كمحاسبة وفي نفس الوقت أحصل على التدريب المستمر في الحرفة والتمكن منها، فصناعة الجلود الطبيعية والحقائب، تحتاج إلى أيادٍ موهوبة. - ماذا حدث في رحلة العودة من القاهرة إلى القرية بعد تخطيط الرؤية ووضوحها؟ عدت إلى قريتي وبدأت بتدريب اختي الصغرى وهي حاصلة على "بكالوريوس تجارة جامعة الأزهر" وفي غرفة إيجارها 75 جنيهًا، بدأ المشروع وقبل تأجيرها ببضعة أشهر بدأنا عملنا في المنزل لشراء اول ماكينة وكانت مستعملة. - ومتى انتقل حلمك من الخاص إلى العام أي إلى فتيات قريتك؟ في بداية 2007 بدأت الانطلاقة الحقيقية للمشروع اقتصاديًّا واجتماعيًّا، فقد بدأنا بخطى حثيثة لجمع نساء القرية وفتياتها حولنا وفي 2009 أصبح المصنع 4 أدوار وأصبحت امتلك مشروعي الصغير ووصل عدد العاملات إلى 65 عاملة وبدأنا في عمل اجتماعي أصبح ملموسًا.. ونظمنا رحلات لقناة السويس وغيرها، كنا نستهدف منها زيادة الانتماء والندوات والدعم القانوني لهن ودراسة أحوالهن الاجتماعية وتعليمهن.. و إخراجهن من العزلة النفسية والإحساس بالضعف وانعدام القيمة التي تساعد في قهرهن و لا اسمي النتائج بتمرد من هؤلاء السيدات بل مطالبة بالحقوق. هل الفتيات بالقرية كانوا مقبلين في البداية على مشروعك أم كانوا مترددين؟ وكيف تم إقناعهم بأهمية العمل؟ وردود أفعال أهلهم؟ فى الحقيقة كان أغلب الفتيات الذين ينضمون إلى المصنع، ظروفهن المادية سيئة جدًّا، إلى أن انتشرت الفكرة، وبدأ الفتيات يتناقلونها بين بعضهم البعض خاصة بعدما أدركوا أن المكان آمن، ويحصلن على مرتبات جيدة، حتى المتدربات كان لهن راتب شهرى 150 جنيهًا، والأساسي كان يحصل على رواتب ما بين 300 إلى 700 جنيهًا. - كيف كان شعورك وأنت ترين مشروعك يحقق نجاحًا بعد آخر؟ كان لدى شعور بالفخر فمع كل تقدم اقتصادي وتغير إنساني واجتماعي للأفضل، كان لدى إحساس ويقين بأن ما يحدث ليس مجرد مشروع هدفه الربح المادى بل هو بمثابة ثورة على الأوضاع استخدمت فيها الحافز المادي بشكل متوازٍ ومرتبط بالتوعية الاجتماعية والإنسانية للحقوق والواجبات. - متى بدأ التحرش بمشروعك من قِبَل المتشددين؟ لم يكن هناك أي مشكلات في البداية، ولكن الموضوع قلب رأسًا على عقب عندما بدأنا نفكر في التوسع في المشروع، وتم تشغيل سيدات بمنازلهن ممن لا تسمح لهم الظروف بالتواجد بالمصنع، وفى نفس الوقت البحث فى محيط القرى المجاورة لنا؛ لشراء قطعة أرض مناسبة لبناء مصنع أكبر يوازي توسعنا في التسويق والإنتاج ويضم الأنشطة الاجتماعية المختلفة، ورغم كل توقعاتي المسبقة بأننى لن أتمكن من شراء قطعة أرض؛ لأننى ابنة لأبوين فقيرين فلاحين، إلَّا أنني عرضت مشروعي على وزير التضمان الاجتماعي من خلال عرض الصندوق الاجتماعي لمشروعي وجديته وأهدافه في إحدى المعارض وحصلت بعدها على خطاب باختيار الأرض المناسبة التي أريدها سواء في قريتي أو القرى المحيطة ويتم تخصيص قطعة أرض من الدولة للسماح لبناء مشروعي وإعطائي فترة سماح 3 سنوات عن طريق الأقساط. وهنا بدأت المشكلات. - لماذا؟ فالأمور تسير بشكل قانوني حتى الآن وحصلتي على دعم من الدولة لمشروعك. المشكلات لم تاتِ من الدولة بل جاءت من مواطنين مثلي تمامًا، بدلًا من أن نكون جميعًا متساوين أمام القانون، لا فرق بين مواطن وآخر فبعد اختيار الأرض وبدء الإجراءات بدأت جماعة أنصار السنة بدعم وتضامن من جماعة الإخوان المسلمين في أواخر 2010 بالقرية، وبدأت بالتهديد اللفظي بحجة أن الجماعة تحتاج للأرض التي تم تخصيصها للمصنع لعمل مسجد أو مجمع إسلامي، ثم أعقبتها تهديدات عنيفة مباشرة وغير مباشرة وفجأة توقفت الإجراءات وعندما ذهبت للمحافظ المستشار يحيى عبد المجيد، رد على قائلًا: "إن جماعة أنصار السنة والإخوان زاروه فى مكتبه وهو لا يريد وقوع مشكلات في المحافظة"، بل قال لي بالنص: "مش انت يعني اللي هتغيرى الدنيا روحى خدي أرض في بلبيس و لا في أي حته تانيه". وعندما قلت له:المشروع له هدف اجتماعي خاص بالمرأة في الريف أساسًا وليس مجرد فرص عمل فقط، رد عليَّ بمنتهى اللامبالاة قائلًا: "مش هتسلكي معاهم وبعدين هما عندهم جمعية أهلية مقدمين على الأرض بها". - ولكن هل ما قاله المحافظ من أسباب أقنعك؟ لم يقنعني؛ لأنني عرفت بعدها السبب الحقيقي، فعلى الرغم من حجابي والتزامي الذي يشهد له الجميع بالقرية، ورغم أن المتأسلمين في منزلة أهلي؛ لأننا في القرى كلنا تقريبا أقارب، لم يمنعهم أن يقولوا للمحافظ "دى بتلبس بنطلون ورايحه جايه بيه" وكلام من هذا النوع الحقير ورغم أن هنا كثيرًا منهن يلبسن مثلي، وأني كنت قبل ذلك بنفس الملابس". - وما تفسيرهم لما قاموا به هؤلاء السلفيين والإخوان بعد تحالفهم مع بعض؟ في رأيي كل ما حدث من تعنت مع مشروعي يعود إلى أنهم أدركوا أهمية التغير الذي حدث لفتيات القرية؛ لأنهم بدأوا يروا التغيير والقوة في كل النساء اللائي يتعلمن أو يعملن بكرامة عوضا عن الخمسين جنيهًا التي يوزعونها شهريًّا من صدقات وفي مقابلها ترتدي الفلاحة البسيطة نقابًا. وأنا لا أعترض على النقاب فهو حرية شخصية لمن ترتديه، فهم يحاولون تظليم عقول الفتيات، بعد أن تعلموا وأدركوا أن الطريق إلى الله لن يكون إلَّا أن تتعلم وتعمل، ومن ثم سيكون التزامي ووصولي لله أسرع وعلاقتي به أمتن وأقوى وسأكون إنسانة لي رأي قوية أستطيع مواجهة الحياة وتحقيق الذات. - وكيف تعاملتي مع الموقف السلبي للمحافظ؟ المحافظ تخلى عن دوره وواجبه الوطني الذي يجب عليه من حماية جميع المواطنين، فهو يمثل الدولة وهيبتها وقانونها، بل كان موقفه سلبيًّا حيث تركنا فريسة لهم ولقوتهم في المحليات وغيرها "فكانوا حقًّا أقوياء في عهد مبارك وكانوا يسيطرون على المحليات وغيرها وعلى البسطاء باسم الدين والصدقات المجهولة المصدر، بل كانوا يحررون الشكاوى ضدي. - هل تشعرين بانكسار مما حدث؟ لا ولكنى اضطررت فى النهاية لترك القرية والذهاب إلى العاشر من رمضان وظللت فترة أعمل في القرية والعاشر من رمضان، ولكن أغلقت في النهاية مصنعى في القرية في 8/2010 و تحمل مشروعي النقل إلى العاشر من رمضان، وكانت مغامرة غير مدروسة. في الحقيقة قاومت على قدر ما استطعت، وأحزن كثيرًا عندما أرى قطعة الأرض التي حلمت بها مصنعًا يكون مصدر رزق وخير لسيدات القرية، يوجد به حتى الآن مسجد مهجور كما تحجج الإخوان والسلفيون، حتى إنني اضططرت إلى بيع منزلي في أواخر 2012 الذي كان مصنعًا والذي اشتراه في النهاية إخوان مسلمون، وكان لابد من بيعه فليس لدى أي سيولة مادية. - وما الحالة التي وصل إليها مشروعك الآن؟ استطعت البدء من جديد بعدما جئت للقاهرة، وتوسع المشروع نحو فتح أسواق بالخارج حيث أعددنا خطة للتسويق بالخارج وبدأنا التنفيذ إلى أن قامت الثورة وما أعقبها من انفلات أمني، وخسارة في مجال السياحة، التي كان المشروع يعتمد على توريج بضاعته من خلالها. ونظرًا لسوء التخطيط في إدراة البلاد، فقد مشروعي توازنه وبعد تعيين الرئيس المنتخب لم أجد من يسمعني أيضا فلا أستطيع الوصول لمسئول لتفادي ذلك وكان يعمل بالمصنع آنذاك 150عاملًا وإداريًّا، وتبدأ الخسائر وبعد خسارة أخرى في أواخر 2011 قررت الإغلاق منذ بداية 2012 هل تشعرين بقهر الآن.. ذلك الإحساس الذي حاربتِه طوال حياتك؟ إن كنت خسرت مصنعي أو توقفت مؤقتًا عن العمل فلم أخسر حلمي أو حبي لبلدي أو رغبتي في التغيير للأفضل للحرية، فعندما عملت السيدات معي ومع بعض التقدير لهم و التوعية عن الحقوق والواجبات بل والتوعية الدينية الصحيحة، ومحاولة غرس مفاهيم جديدة مغايرة لذلك الدين التي تصدره جماعة الإخوان المسلمين أو السلفيون، تولدت الرغبة لديهم في التعلم والتقدم في العمل وبعضهن أراد حقه في الطلاق أو في رفض من لا يناسبهن للزواج أو أن تكمل تعليمها بعد توقف أو حتى أن تخلع النقاب ولكن في نفس الوقت تحافظ على حرمة جسدها. كيف كان دعم أسرتك لحلمك ومشروعك؟ وجدت منهم كل الدعم والمساندة، حيث انضم لي أخوتي الرجال وزوجي للمشروع ولم يتضرر أحدهم أنه كان يعمل تحت إدارة سيدة و بالأحرى قريبة له؛ لأنهم تعلموا الدرس بأنني امرأة ولكني مثلك بل يمكن وأستطيع أن اكون أفضل لو أعطيتني الفرصة. وبعد كل هذه الصعوبات لم أيأس بل ستكون بداية أقوى لثورة أخرى على الأوضاع التي لا تليق ببلد مثل مصر وسأبدأ من جديد وبقوة أكبر لكني الآن أرفع يدي وأقول أحتاج صديقًا يؤمن بكل تلك الأفكار والمبادئ؛ ليضع يده في يدي ونبدأ من جديد رحلة التغيير "ثورة على التخلف والفقر والجهل والتمييز".