ظلمات صنعتها بنفسك لنفسك.. لأنك لا تحب الضياء ولا الوضوح تحب الانكماش داخل الغرفة المظلمة. فى وحدتك لا أحد يعرف حقيقتك سواك ولا أحد يستطيع أن يقلق حضرتك سوى صوت همسك أو صندوق المياه المعطل، الذى يسرب المياه.. نق.. نق.. نقطة.. نقطة .. الذى يعزف لك لحنا آخر غير صوتك.. يروى لك قصة غير التى تسمعها كل يوم فكل قطرة يرتد صداها عندك بمعنى تفسره كل يوم تفسيرا مختلفا. صوت "تزييق" الباب.. الذى تسمعه عند انغلاقه أو انفتاحه.. أو عندما تبعث إليه الريح سمفونية تقتحم عليك سكونك .. صوت الباعة الجائلين الذى ينادون الفاكهة بأجمل أسمائها ويصفونها بأجمل الصفات وكأنها عروس تزينت يوم زفافها. ماذا لديك اليوم من الضوضاء.. أصوات صراع المعلقة مع أنيابك الجائعة ووشوشة الشوكة مع السكين ونميمتهم على قطعة اللحم الصريعة على طبق لا يطيق رائحتها ولا يحتمل ثرثراتهم وخلاصة أن تضعه بلطف داخل غسالة الصحون يتطهر من شقوق يديك، التى لم تخذلها يوما لكنها خذلتك عندما ارتفعت ذات يوم على وجه ضعيف لا يملك حق الدفاع عن نفسه ولا الصراخ عليك لا يملك إلا أن يحنى لك رأسه أكثر فأكثر حتى لا يرى انعكاس عجزه فى عينيك. وحتى لا تزايد على ردة فعله ولا يعدك بما لا يستطيع أن يفعله ذات يوم .. ذات يوم.. بطرت معيشتك فكدت لها وتأففت حالتك وتكبرت عليها لتخرج من النور الى الظلمات ومن الاستقرار الى الاضطراب ومن رغد العيش الى ضنك الحياة .. سرت بسرعة تراود حياتك عن نفسها حتى تخلت عنك أنت وتركت ما بين يديك رغبة فيما ليس بين يديك فأمسكت الوهم بيديك تحدثه ويحدثك وهاهو اليوم يؤنسك.. هل حقا يؤنسك؟ ستكابر.. نعم يؤنسنى.. ولأن لا عودة الى الوراء.. ولا شىء يعود كما سبق.. توقفت إلى، حيث وصلت وإن لم يكن يوما وجهتك.. توقفت إلى حيث أدركت الخسارة والفقد.. ماذا فعلتُ ولم فعلتُ؟ كالمجنون أحطم كل العقبات وأزيف كل الحقائق لأصل الى غاية ظننتها السعادة .. وعندما ظننتُ أننى وصلت لم أر فى الكواليس سواى.. أنا وحدى.. والألم .. تخلصتُ دون أن أشعر بكل أسباب سعادتى.. بكل ما ظننته عبئا.. بكل ما وصلت اليه .. لأصل إلى الكمال فى حياتى والسعادة التى لا يشوبها أى شىء هذه هى الخدعة العظيمة.. والكذبة الكبيرة .. أن تأخذ كل شىء دون أن تفقد أى شىء حاول كثير ممن سبقك.. فما أفلحوا.. فلم تظن نفسك صاحب القوة الخارقة والحظ الوفير.. لا بأس عليك حياتك الجديدة استمتع بالذكريات مع فنجان الندم على موسيقى الماضى وضحكات الأحبة التى حال بينك وبينهم ما قد صنعت .. فتحولت كل المشاعر الى الجمود.. والسكون .. أنت تعيش بالندم وهم بخيبة الأمل والرجاء .. قد فقدت حقك المشروع فيهم.. عندما تركتهم فى منتصف الطريق .. فى نقطة لا تستطيع الجزم إن كانوا يستطيعون العبور بأمان دون أن تصيبهم فادحة كل ما كان يهمك أن تعبر أنت وحدك.. وهم سيتدبرون أمرهم .. طمئنهم عليك.. هل نجحت فى تدبر أمرك بدونهم؟