كلما رأيت حشدا من النخبة السياسية، وتابعت وشاركت عن قرب فى تفاعلات قضايا التغيير تذكرت على الفور الدكتور على الدين هلال فيما رواه أحد المقربين من سيادته قيل إن المحاسب الشاب جمال مبارك كان غاضبا من جرأة النقد والهجوم الذى يتعرض له شخصيا من الحركات السياسية وصحف المعارضة، فحاول الدكتور على الدين هلال التخفيف عن السيد النجل. فقال له بطريقته الواثقة والمعروفة والمصحوبة دائما بابتسامة الخبير (أنت قلقان ليه يا جمال بيه فكل هولاء النخبة لا يتجاوز عددهم المائتين، وأنا أعرفهم بالاسم واحدا واحدا، ولا توجد منهم أى خطورة، ماتاخدش فى بالك ياجمال بيه، المسائل كلها تحت السيطرة) ولأنى أعرف الدكتور على الدين (ليست معرفة شخصية) وأعرف المائتين فبينى وبينكم صدقت الرواية، حتى لو كذبها الدكتور الخبير. ورغم أننى لم أتشرف بالتلمذة على يد الدكتور إلا أننى أتابع إنتاجه العلمى ومواقفه منذ الثمانينيات على الأقل، قراءة وتفاعلا من كتاب السياسية والحكم فى مصر لكتاب الاستعمار الاستيطانى الصهيونى فى فلسطين، وكتاب مستقبل الأمة العربية والإسلام والسلطة حتى كتابه الأخير (النظام السياسى المصرى بين إرث الماضى وآفاق المستقبل) وحضرت بعضا من مناقشاته لرسائل الماجيستير والدكتوراه فى العلوم السياسية واستمتعت بمداخلاته ولقاءاته فى الندوات والمؤتمرات العلمية، و بلغت ذروة الإعجاب والانبهار فى مشاركته ببحث وتعليق فى ندوة (يوليو وتحديات المستقبل) فى منتصف الثمانينات، حينما قاد هجوما عنيفا على من نسميهم رجال مايو، الذين أودعهم السادات السجون فى مايو 1971، وفى الندوة تجلى الدكتور وهو ينتقد ساخرا: كيف يقبض عليكم السادات وكان معكم الجيش والشرطة والتنظيم السياسى والوزارات السيادية؟ وصار جدلا عنيفا مع السيد على صبرى النائب الأسبق لرئيس الجمهورية. المهم أن الدكتور ظل يصول ويجول حتى تقلد عمادة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وبعدها بقليل دخل دائرة الحزب الوطنى والحكومة، فقلت وقال محبوه وتلاميذه، والله لابأس فالنظام بلا مشروع ولا يوجد فى دوائره قيادة راشدة، تستطيع أن تعدل من مساراته، وتنقل لصانع القرار حقيقة الأوضاع فى مصر، وكنا نتصور بسذاجة، لايعرف حجمها إلا المحترفون الكبار من أمثال الدكتور، أن على الدين هلال لن يكون فى خدمة نظام النهب العام وحكومات رجال الأعمال ونادى الفساد المالى والسياسى والأخلاقى لأننا يجب أن نفرق– برؤيتنا الساذجة طبعا– بين خدمة الدولة المصرية وخدمة نظام سياسى ساقط سقوط صفر المونديال، لكن الدكتور الخبير وضع كل خبراته وعلمه ومهاراته لا فى خدمة الدولة ولاحتى فى خدمة الحكومة، لكن للأسف فى خدمة عائلة الرئيس وتحديدا الابن، فتغيرت لغته من مستوى الرمز العلمى الأكاديمى إلى مستوى ( قانون الطوارئ ابن ستين كلب ..... واللى هيسألنى مين الرئيس القادم يبقى قليل أدب) وهكذا حتى صار من يرى صوره وتحركاته حول السيد النجل يقول: يا خسارة يا دكتور.. ولو كنا فى زمن (نص ونص) كان الطبيعى أن جمال مبارك هو الذى يكون فى خدمة الدكتور على، ويقف بين يديه كأصغر تلميذ، لكن الدكتور اختار مع سبق الإصرار والترصد أن يكون تلميذا "وابنا بارا" فى مدرسة عائلة مبارك، وهو ما جعله يبدو غريبًا تائهًا. وربما يحسد فى قرارة نفسه نخبة المائتين الذين يتحدث عنهم بهذا الاستخفاف، لأنهم الأقدر على فهمه والتفاعل مع تحليلاته وتنظيراته المهمة بعكس كوادر المخدرات والقمار والسيديهات الخليعة، وتجار الحديد والأسمنت وسماسرة الأراضى.