النهار هنا كما الليل، والبرد والحر سواء.. والحلم هنا كالحقيقة، أغمضت عينينك أو أغلقتها، تنفست هواء أو اختنقت، تكلمت أو صمتت، أكلت أو صمت، شربت أم ظمأت، تعريت أو تغطيت.. كل شىء هنا سواء. فى هذا المكان حيطان باردة، وأرض عارية، ووجوه لا يربطك بها نسب ولا دفء، ولا ذكريات.. هنا.. قد تمتد إليك يد تسعفك ليلاً إذا ما داهمتك أزمة صحية، أو لا تعبأ على الإطلاق . هنا دموع غزيرة تسكب فى كل لحظة، هنا سكون يقتلك فى اليوم ألف ألف مرة، سكون تخترقه ذكرى صدى صوت بكائك رضيعاً، وزغرودة انطلقت من القلب عند نجاحك، وعند زواجك، وضحكاتك عند أول خطوة خطيت بها العتبة، هنا ألقيت بمن أعانتك فخطيت العتبة. هنا القدمان لم تعد تقوى على تحمل شىء، فقد أثقل البدن ، الهموم، والعجز، والضعف، ومرارة حزن على نهاية الأيام.. هنا. هنا.. كل شىء متغضن، كل شىء ملأته التجاعيد، كل شىء هنا يذكرك بالنهاية، وما أشد ألم انتظار مجىء النهاية.. هنا تمتنع البهجة، وتحظر الحيوية، كما حظرت الحياة، هنا لا أشرعة ، فقط أمواج يأس لاطمة، متلاطمة.. هنا الهجير، والخريف، والزمهرير، هنا الموت يزأر. هنا من ولدتك نجماً كى تكون دليلا فى الكبر، فغدوت ناراً تحرق من يقترب. هنا أبواب الجنة المفتّحة، فى زمن مواهب العقوق.. من جوار سرير الحاجة نجوى، والحاجة عزيزة، والحاجة شهد، والحاجة زكوات، والحاجة أمينة، و.. ، و.. من جوار الأسرّة، والمشايات، والعكازات، من جوار الألم، والضعف، من أحد دور المسنين، أحدثكم، حيث المقر الدائم ، الكائن بعدد لا يستهان به من أحياء مصر، ومحافظاتها، بطول البلاد وعرضها، من مقر أوجاع الأمهات أحدثكم، فهنا ألحان الحياة لا تعزف، هنا مقرات انعدام البر، والفضل، هنا لا شىء كما الله أمر.