بدت سوءات الحكومة للناظرين فى أزمة رغيف الخبز، وقد جاء رد فعلها حيال هذه الأزمة مرتبكاً وشبيها بتصرف الذى تتخبطه الشياطين من المس! لا بأس، فنحن أمام حكومة من المستشرقين، لا ينقص أعضاؤها إلا أن يضعوا قبعات فوق رؤوسهم، بعدها يصبح طبيعيا إذا نزل أحدهم نجعاً من النجوع، أو كفراً من الكفور، أن يلوح له المواطنون بأيديهم وهم يهتفون: هالوا يا خواجة! القوم سعوا ليعلقوا فشلهم فى رقبة من يبيعون سنابل القمح غير الناضجة، ولم يكد يسربون هذه المعلومة الخطيرة، حتى تحولنا نحن إلى خواجات مثلهم! فقد عرفنا "الفولة"، وتتمثل فى أن أزمة رغيف الخبز المستحكمة، لا ترجع فى الأساس إلى عجز حكومى، وإنما إلى مؤامرة دولية، يشارك فيها أعداء الأمة، الذين يقومون بشراء السنابل غير الناضجة، حتى يتسببون فى مجاعة للشعب المصرى الأبىَ، وبعدها تتمكن الصهيونية العالمية من إقامة المستوطنات فى فلسطين، ومن العبث بملفات الأقليات، وربما يهدف المخطط الإمبريالى المحكم، إلى دفع القاعدة العريضة إلى الخروج فى ثورة تمكن أصحاب المخطط من إزاحة النظام، وهو لمن لا يعلم، يقف حجر عثرة فى وجه الأطماع الصهيونية والإمبريالية فى المنطقة! لقد قرأت فى الصحف السيارة، حواديت شبيهة بحدوتة أبو رجل مسلوخة، فقد أجرى المراسلون فى المحافظات المختلفة استطلاعات عن هذه المؤامرة، وروى الفلاحون أن أناساً غير معروفين لهم نزلوا القرى، يلبسون أبيض فى أبيض، أو " طواقى الإخفاء"، فى عز الليل البهيم، واشتروا السنابل غير الناضجة، ثم تسللوا قبل أن تطلع الشمس. ولزوم الحبكة الدرامية، فإنهم دفعوا فى هذه السنابل الشئ الفلانى! فلاح قرارى قال – حسب المنشور - إن الفلاح معذور عندما يقبل على هذه الصفقات المربحة، وهو لا يعلم أنه يؤذى وطنه، وعليه فقد طالب الحكومة بأن تقوم بعملية توعية بخطورة هذا على الأمن القومى المصرى، فتجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، ربما يكون من المنطقى أن تأكل بثدى واحد، إنما الموت دون الأكل بالثديين معا! بعدما تحقق المراد من غواية العباد، طالعنا وزير الزراعة المفدى بتصريح يهون من ظاهرة بيع السنابل غير الناضجة، فقال إن المباع ليس أكثر من 200 فدان فقط. وهو تصريح من النوعية التى تعمق من النظرة التآمرية، فالحكومات المتعاقبة درجت على ألا تقول الحقيقة، وهى وحسب السوابق التاريخية متخصصة فى التهوين من الكوارث بما فى ذلك الكوارث الطبيعية، ألم تر كيف أنها تعاملت عندما ضرب الزلزال مصر كما لو كانت مسئولة عنه، وعليه فقد أخفت عن الشعب أن هناك توابع، وكلما حدث تابع نفته، مما افقدها كلام المسئولين الثقة والاعتبار! خالد الذكر عبد الرحيم الغول رئيس لجنة الزراعة فى البرلمان، هون أيضاً من عملية بيع السنابل غير الناضجة، فمجمل المباع هو 150 فداناً فقط لا غير! هذا التضارب بين تصريحات الوزير، وتصريحات النائب، لابد وأن يؤكد أن هناك مؤامرة دولية كبرى، ويبدو أن هذا ما يهدف إليه القوم! الغول قال إن القمح غير الناضج يستخدم فى صناعة مستحضرات التجميل، وتصريحات أخرى قالت إنه يستخدم فى صناعة مستحضرات دوائية ولم تفسر، كما لو كان يتم استخدامها فى صناعة المفاعل الذرى فى إيران مثلا، وكل هذا يصب فى اتجاه المؤامرة! والكلام قيل فى سياق يوحى كما لو كان ما يتم شراؤه من سنابل يتم إحراقه، حتى تحدث المجاعة، وننقلب على حكومتنا الرشيدة. والوطنية تحتم علينا أن نفوت الفرصة على المتآمرين علينا، فنحب حكومتنا أكثر، ولا نحملها من البلاء مالا تطيق. إذا كان هناك من لم يصدقوا قصة استخدام القمح الأخضر فى صناعة الدواء، فإنهم نظروا للأمر على أنه مؤامرة كبرى وتساءلوا مندهشين: ما هى قيمة سنابل القمح غير مكتملة النضج؟! تساؤل منطقى ولا شك، لكن فات الجميع أن يعرفوا أن هذه الحبوب الخضراء يتم تحويلها إلى فريك، والفريك يا معشرالمستشرقين هو ما ورد عنه فى الأثر: " إن الفريك لا يحب شريك"، و"هو يستخدم فى حشو الحمام ، فتأكل أصابعك معه، وتستعيض بعض المطاعم الصغرى والكبرى عن ندرته وغلاء سعره بالذى هو أدنى وهو الأرز، وشتان بين هذا وذاك"! واستخدام سنابل القمح غير الخضراء فى هذه الصناعة التاريخية، يحدث منذ قديم الأزل، وأذكر على أيامنا وقبل ربع قرن من الزمان أن " كيلة القمح" الناضج كانت تباع بثلاثة جنيهات، فى حين أن " كيلة القمح" غير الناضج كان سعرها تسعة جنيهات.. انظر إلى الفرق. ومع هذا لم تحدث المجاعة من قبل، وإنما حدثت الآن، ليس بسبب مؤامرة دولية، ولكن بسبب سياسات حكومية خاطئة، نتجت عن حكومة المستشرقين من صنف رجال الأعمال، كإفراز طبيعى لزمن الفكر الجديد. إن من المنطقى أن تتصرف حكومتنا على هذا النحو، لكن من الغريب أن نسايرها فى مثل هذه التصرفات، فنحن لسنا خواجات، أو مستشرقين.