ككل صباح وكجزء من الروتين اليومى لهذا المنبه المسكين الذى أطاحت به الأقدار إلى غرفة هذه الفتاة العشرينية ثقيلة النوم، فيظل يصرخ بأعلى صوته لإيقاظها من سباتها العميق ويود لو أن صانعه قد من عليه بذراع وكف متحركين فيساعداه فى إيقاظها بالطريقة التى يرغبها..!! وبعد عدة وصلات من الصياح والصراخ من المنبه المسكين تستيقظ الفتاة فيحمد ربه ويود أن يعتذر لجيرانها عن الإزعاج الذى يسببه لهم يوميا ولكن ما باليد حيلة. استيقظت الفتاة وكالعادة انتبهت أن النوم قد سرقها وأنها قد تأخرت عن الموعد المفترض لذهابها إلى العمل فتتحول بقدرة القدير إلى مكوك بشرى فى قمة السرعة والنشاط، وفيما قد يقل عن عشر دقائق تكون قد خرجت إلى الشارع لتستوقف تاكسى. ركبت التاكسى ليدور الحوار المتكرر فى أغلب الأيام - المكان الفلانى لو سمحت - هاخد خمستاشر جنيه يا أبلة - ليه يعنى!!...ده كتير. - مش كتير على الزحمة يا ابلة توافق وهى ممتعضة من جشع واستغلال بعض سائقى سيارات الأجرة. الشوارع مزدحمة بالفعل... السيارة تتحرك ببطء وبما يسمح لها بممارسة هوايتها اليومية المفضلة فى تأمل المارة وتخيل قصصهم... لكل منهم بالتأكيد قصة وحكاية. "جميلة مصر.... بالرغم من كل ما يمر بها لا تزال تنبض دفئا وحياة" هكذا قالت لنفسها بابتسامة رضا طيبة ارتسمت على وجهها وقلبها بالرغم من أنها متأخرة عن ميعاد إمضاء الحضور فى عملها، وبالرغم من أن هذه الزحمة التى ترى فيها جمالا قد لا تكون فى نظر أى إنسان عادى تمثل أى جمال على الإطلاق. ولكن شىء ما لفت انتباهها على الرصيف الموازى للسيارة... إلا أنها لا تزال أبعد من أن تتبين ماهيته بوضوح. يبدو وكأنه شخص نصف جسده العلوى سقط بحوض النباتات الموجود على حافة الطريق بينما نصفه السفلى خارج الحوض....... كذبت عينيها لأن أكثر من "ميكروباص" قد وقف بمحاذاة هذه النقطة تحديدا لينزل منه بعض الأشخاص ولم يقف أحد منهم أمام هذا المشهد .. فاقنعت نفسها أنها مخطئة فى تفسير ما يحدث فى هذا المكان... ربما خانها نظرها.... نعم ولم لا!! اقترب التاكسى أكثر وكلما اقترب ازداد الأمر وضوحا... لم تكن مخطئة.... بالفعل هو رجل مسن ساقط فى حوض النباتات نصف جسمه بالداخل ونصفه الأخر بالخارج، يلوح وينادى طلبا للمساعدة. لم تدر بنفسها إلا وقد فتحت باب التاكسى ونزلت متجهة إلى الرجل لتجده، فى سن جدها، ملابسا نظيفة ومهندمة. مدت يديها بسرعة لترفعه وبالفعل استطاعت أن تساعده .... ظل يشكرها ممتنا وهى لا تزال شاردة من هول ما رأت.... تفكر "هل وصل بنا الحال إلى أننا قد لا نلتفت إلى رجل مثل والد أى شخص من الذين مروا بجواره ولم يعبأوا باستغاثته..!!! أفاقت من شرودها وقد تجمع حولها بعض المارة وسائق التاكسى يطمئنون على سلامة الرجل المسكين. ولكن لماذا مر كل الأشخاص الاخرين بجواره ولم يعبأوا به...! هل خافوا منه؟ هل ظنوا أنه متسول ؟؟!! هل وقتهم كان أثمن من أن يضيعوا منه دقيقة فى مساعدة الرجل؟! هل "وأنا مالى" التى لم تعرفها مصر الجميلة يوما ما أصبحت قادرة أن تفرض نفسها بدرجة أو بأخرى على هذا الشعب؟! عادت إلى التاكسى مرة أخرى... وعادت تراقب وتتأمل المارة والشوارع من جديدو لكن عيناها لم تستطع أن تنسى ما شاهدت. وبينما كانت تنظر إلى الشارع من شباك التاكسى رأت سيدة مسنة تحاول عبور الطريق بصعوبة فهرع إليها أكثر من شاب من الواقفين فى انتظار الميكروباص لمساعدتها ليأخذ أحدهم بيدها و يعبر بها الطريق. ابتسمت مرة أخرى وقالت: "مصر الجميلة ميتقالش فيها وأنا مالى"