لا سبيل لمصر إلا النهوض. هذه مقولة فى قناعة كل مصرى يؤمن بجذور القدرة الموجودة فى أعماق هذا البلد. تعتمد هذه الإستراتيجية على مبدأ أن ما لا يدرك كله لا يترك كله، بل إن هذا البعض المدرك قد يكون القاطرة لإدراك المزيد. هذا المبدأ ينطبق على حالنا فى مصر عندما نقارنه بأحوال الأمم الناهضة فى العالم. أصابت أنواع عديدة من الخلل كل مناحى الحياة على أرض مصر، وضج المصريون بالشكوى من تشابك أنواع العطب الذى أصاب إدارة هذه الحياة. هل يعنى هذا التشابك أن ننتظر متوقعين أنه سيحل نفسه بنفسه أم أن الحل سيأتى جملة ومرة واحدة، على الرغم من ضخامة المهمة؟. هناك فى حياتنا مواقع قائدة تمسك بدفة نظام حياتنا وتخطط لمستقبلنا وتضبط جودة الأداء، وهناك مهام لها من المحورية ما يميزها عن مهام أخرى كثيرة، وهناك مواقع جغرافية هامة للأمن القومى وجب البدء بها، وتحويلها لمنارات للتميز تشع أملا لباقى المناطق. يلزم لتحقيق هذه الإستراتيجية إيمانا بضرورة الإبداع والخروج من ضيق النمطية إلى آفاق الفكر الحر، حتى يتسنى لنا كدولة إنجاز ما نريده بجدية شديدة. لاشك أن النظام الإدارى المصرى متخلف إذا قورن بأنظمة الإدارة فى الدول المتقدمة. ولاشك أيضا أن هذا النظام كفيل تماما بإفشال أى محاولة للانطلاق. يقينا لابد من الخروج من عباءة هذا النظام إلى نظام إدارى حديث يضاهى أرقى الدول. إن مصر ولا شك بها من علماء الإدارة الحديثة من هم قادرون على وضع تفاصيل النظام الإدارى الحديث الدى تختص به المناطق الجغرافية والمراكز المحورية للقيادة والتخطيط المشار إليها. يلزم أيضا لنجاح هذه الإستراتيجية قرارا سياسيا واضحا بتفعيل جدى وواقعى لسياسة اللامركزية بصلاحيات خاصة تمكن من أحداث التغيير المنشود. لاشك أيضا أن انتقاء نوعية جديدة من الموظفين المدربين المتحمسين هى ضرورة أساسية للنجاح فى ظل كادر مالى خاص يضمن حياة كريمة، ومقابل ذلك تقييم متواصل وتفعيل لسياسة الثواب والعقاب بحيث يرقى الأكفأ بغض النظر عن الأقدمية، ويعاقب المقصر وصولا لإنهاء خدمته حتى ولو كان أكبر رأس. هذه الفعالية المنشودة من هذه النوعية المختارة من القوى البشرية ذات الفكر الحديث والتدريب المتطور، خاصة عندما تعمل فى أجواء إدارية متقدمة ليس بها أثر لأمراض الواسطة والمحسوبية والشللية وتسيد الأقدمية، وفى ظل صلاحيات واسعة بإرادة سياسية واضحة للتغيير الجذرى ونسف الروتين هى بالضبط ما نحتاجه للنجاح. إن انضباط الشارع المصرى بل وانضباط حياة المصريين عامة هو فى أمس الحاجة لتحويله إلى منارة تميز مشعة بكل معنى الكلمة، لتقود هذه المنارة عملية التحول وإرساء الانضباط. نفس المعنى ينسحب على مسألة بطء التقاضى التى جعلت البعض يلجأ إلى أخذ حقه بالقوة بدلا من انتظار حكم يأخذ وقتا طويلا. ينسحب هذا المعنى أيضا على مركز قومى لإدارة الكوارث والأزمات وينسحب على جامعة حديثة كتلك التى اقترحها دكتور زويل، وينسحب حتى على مؤسسة المنتخب القومى لكرة القدم التى تستحق منا جعلها قلعة للتميز تشع أملا كما تشع بهجة على المجتمع المصرى كافة. عندما ننظر بجدية لشبه جزيرة سيناء على أنها قضية أمن قومى تتضح أمامنا الأهمية القصوى لتحويلها بكل جدية إلى منارة للتميز، بما لها من مميزات سياحية وثروات تعدينية وإمكانات زراعية وقابلية لتنمية وسطها صناعيا وإقامة منطقة حرة على الضفة الشرقية لقناة السويس قد تنافس منطقة جبل على بالإمارات، مازالت سيناء بكرا من الناحية التنموية والسكانية أيضا، فلماذا لا ندفع وبالطريقة الصحيحة المتقدمة كل هذا للأمام وقبل فوات الأوان، ينسحب ما قيل عن سيناء على كل المدن الجديدة، فلتكن هذه المدن منارات تعطى الأمل والقدوة لباقى مدن مصر. هل من الطمع أن نحلم أن إدارة وتطوير التعليم الأساسى الذى يتلقى أطفال مصر فى سن الخامسة ليخرجهم فى سن الرابعة عشرة قد قام عليها نظاما ذا وضعا إداريا خاصا على نسق منارات التميز، فتتخرج للمجتمع أجيالا قد ترسخت فى عقولها قيم النهضة وأصول الأداء. هل نطمع أن نخرج هذه المنظومة من عباءة البيروقراطية وقيود الأقدمية وترقيع القديم إلى الانطلاق الخلاق فيندفع المجتمع المدنى للدعم والمعونة. إن النجاح يأتى بنجاح ومنارات التميز ستثبت قدرتنا على تحقيق هذا النجاح وستشع الأمل فى مصر. أستاذ بطب القاهرة.