لم يعد التعليم، كما عهدناه، من قبل يرتكن لمدى نبوغ الطالب وتفوقه، بمرور الوقت أصبحت «المكانة الاجتماعية المرموقة» هى مفتاح الدخول لمدارس «الطبقة الراقية» والتى وضعت لنفسها شروطا خاصة لا تسمح فيها إلا بدخول أبناء الذوات والنخبة للحصول على أرقى مستويات التعليم طبقا للمواصفات الدولية. وحول ماهية هذه الشروط الصارمة والخاصة بالمكانة الاجتماعية التى يتم تطبيقها على أولياء الأمور قبل السماح لأبنائهم بالالتحاق بهذه المدارس أكد هانى إبراهيم، ولى أمر أحد الطلاب بإحدى المدارس الدولية، أنه يوجد شروط أساسية لا يمكن أن تتغاضى عنها المدرسة قبل أن يتقدم الطالب للالتحاق بها وبعدها يتم تصفية عدد المتقدمين، بحسب ما تقرره المدرسة من أعداد الطلاب الجدد حتى ولو انطبقت عليك كل الشروط وتبقى المكانة الاجتماعية والمركز المرموق هما المحدد الرئيسى للانتقاء بين المتقدمين وتلعب «الواسطة» الدور الرئيسى فى كشف الهيئة النهائى. وأضاف إبراهيم: هناك تقارب فى الشروط بين تلك المدارس وكلما ارتفع المستوى زادت الشروط والاختبارات سواء لولى الأمر أو للطالب، وأهمها أن يكون الأبوان حاصلين على مؤهل عال، وعلى معرفة جيدة بإحدى اللغات الأجنبية وبالأخص الإنجليزية ويخضعان لاختبار المدرسة لمعرفة درجة الإجادة، بالإضافة إلى اجتياز مقابلة شخصية « انترفيو» يتم على أساسها تحديد مستوى العائلة ومدى قدرتهم على مساعدة أولادهم على التحصيل. وتشير الدكتورة مريم سيد، رئيس مجلس إدارة جمعية دار الحنين لرعاية الأيتام، إلى أن كثيرا من المدارس الدولية واللغات ترفض قبول أولاد دار الأيتام بحجة أنهم أيتام، وكانت لى تجربة خاصة مع إحدى مدارس اللغات المعروفة عندما تقدمت الدار بطلب الالتحاق بأحد فروعها وقوبل الطلب بالرفض على الرغم من أن الأطفال الموجودين بالدار تتم رعايتهم على أعلى مستوى والأسر التى تتكفل بهم بالتعاون مع الدار أصحاب مستويات عالية ومراكز مرموقة فى المجتمع وقد لا يحصل بعض الأولاد الآخرين ممن يعيشون مع أبويهم على نفس القدر من المميزات، مضيفة: وما زلت أعانى حاليا مع إحدى مدارس اللغات التى قبلت بالفعل بعض أولادنا منذ عدة سنوات، حيث قاموا هذا العام بطرد الأولاد بحجة أنهم أيتام والوزارة لم تستطع إرجاعهم للمدرسة منذ بداية العام الدراسى حتى الآن، ونبحث عن مدارس بديلة تقبلهم فى هذه الفترة. «ليس كل من تنطبق عليه الشروط يتم قبوله بالفعل بمدارس اللغات الراقية أو الدولية والواسطة مهمة جدا» هكذا تحدثت إلينا أمانى محمد وهى مدرسة، مؤكدة أنه على الرغم من تطابق الشروط واجتياز الاختبارات للطفل والابن المتقدم لا يتم قبول جميع الملتحقين لأن العدد المطلوب غالبا ما يكون محدودا فى مقابل أعداد كبيرة من المتقدمين، وكلما ارتفع المستوى التعليمى للمدرسة زاد الإقبال عليها، وعندما يتساوى المتقدمون يتم الانتقاء عن طريق المكانة الاجتماعية المرموقة والأولوية لمن يشغلون مناصب عليا، بالإضافة إلى رجال الأعمال ويزيد على ذلك الواسطة، فكلما كانت هناك صلة بأصحاب المدرسة أو من يستطيعون التأثير عليهم من أصحاب النفوذ، كانت الفرصة أكبر فى الالتحاق. واستنكر المهندس على عبدالباسط رفض إحدى المدارس الدولية قبول بعض الطلاب بسبب ما يسمى بالموقع السكنى للطفل حيث الأولوية لساكنى الكومباوند والمناطق الراقية، مضيفا: مكان سكنى قريب من أحد المناطق الشعبية، وعلى الرغم من أنى أسكن فى منزل خاص أنا وأسرتى ورثته عن العائلة وأعمل بإحدى الشركات الكبرى فإن إحدى المدارس المشهورة للغات رفضت قبول ابنى بها رغم اجتيازى لاختبارات المدرسة الخاصة بالوالدين ونجاح ابنى فى اختبار القبول الذى تقيمه المدرسة وإجادتى الإنجليزية أنا ووالدته بحكم أعمالنا، حيث تعمل زوجتى طبيبة بأحد المستشفيات الخاصة، إلا أن هذا كله لم يشفع لنا أمام شروط المدرسة الطبقية التى تقسم أولياء الأمور بحسب المنطقة السكنية وتابع قائلا: قررت الإدارة أن تكون الأولوية لساكنى الفيلات ويفضل أن تكون الفيلا فى كومباوند وهذا ما أكده لى أحد موظفى المدرسة وقال لى: «متتعبشى نفسك شوفلك مدرسة تانية لأنك ساكن فى منطقة شعبية» ولفت مصطفى السيد، محام، إلى أن شرط حصول الوالدين على مؤهل عال يصعب أن تتنازل عنه بعض مدارس اللغات الكبيرة والدولية منها على الأخص مضيفا: لأن زوجتى صاحبة مؤهل متوسط فقد مررنا بهذه التجربة عندما قررنا أن نتقدم بطلب التحاق بإحدى هذه المدارس المشهورة وعند أول مقابلة بالمدرسة ومعرفتهم بمؤهل زوجتى فوجئت برفض الطلب بحجة هذا الشرط على الرغم من أن زوجتى تجيد الإنجليزية أحسن من خريجى الجامعات والحاصلين على الدكتوراه والماجستير. وفى محاولة لتبرير هذه الشروط رغم مخالفتها للقانون يقول «م س» أحد المساهمين فى ملكية مدرسة دولية شهيرة والذى يشغل منصب إدارى كبير بها : كلما ارتفع مستوى الخدمات التعليمية داخل المدرسة ارتفعت تكلفة المصروفات ولضمان الاستمرارية كان لابد من انتقاء مستويات معينة من المجتمع صاحبة المكانة المرموقة والمنصب العالى حتى نضمن قدرتهم على الالتزام بدفع قيمة هذه المصروفات وتحقيق خدمة متميزة، بالإضافة إلى سمعة المدرسة ومستواها بالمقارنة بالمدارس الأخرى، كما نسعى دائما للتفوق الذى لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال أسرة مستقرة يستطيع الأبوان فيها رعاية أولادهم، مضيفا: «المسألة عرض وطلب كما أننا لا نستطيع أن نستقبل كل المتقدمين لأن الأعداد عندنا محدودة وهناك الكثير من المدارس التى تتغاضى عن كثير من الشروط مقابل الحصول على مكسب سريع». «هذه الشروط مجحفة وتتناقض مع مبدأ تكافؤ الفرص» هكذا وصفها الدكتور كمال مغيث، الخبير فى مجال التعليم، وأضاف بقوله: هذه الشروط شكل من أشكال الفوضى والعشوائية التى تسود منظومة التعليم المصرى بعد نكوص السادات عن الاستمرار فى المشروع الناصرى الذى كان يدعم تساوى الفرص بين الغنى والفقير وفتح الباب على مصراعية لتنامى رؤوس الأموال الخاصة على حساب الفقراء ومهد لظهور مدارس الأغنياء التى لا يشعر معها الطالب بالعدالة. ولفت الدكتور مغيث إلى أهمية رقابة وزارة التربية والتعليم على المدارس الخاصة والتأكد من تدريس مواد «الهوية» كمكون أساسى ضمن مناهجها. وعن دور وزارة التربية والتعليم فى مواجهة مثل هذه الأوضاع والشروط المجحفة داخل مدارس اللغات والدولية وما يحدث بالفعل من تعنت تلك المدارس مع أولياء الأمور عند التقدم بطلبات التحاق أولادهم نفى رضا مسعد، المساعد السابق لوزير التربية والتعليم، وجود أى علاقة بين الوزارة وهذه الشروط التى وضعتها بعض مدارس اللغات لقبول طلابها وقال ل«اليوم السابع»: التعليم كالماء والهواء والطفل أيا كان وضعه يأخذ حقه فى التعليم، الفقير والغنى والمعاق، وسياسة الانتقاء ضد دستورية الحق فى التعليم، كما أقره الدستور، وكل الأطفال من سن 6 سنوات لهم الحق فى الالتحاق بالتعليم وكذلك سن ال4 سنوات فى مرحلة رياض الأطفال بغض النظر عن أى ظروف وما تقوم به بعض المدارس الخاصة من تطبيق اشتراطات معينة يعد مخالفا للقانون، مؤكدا أنه ليس للوزارة أى علاقة على الإطلاق بهذه الاشتراطات وكلها قرارات خاصة تنتقى من خلالها المدارس الخاصة أحسن العناصر فى الأسر لضمان حصولها على مستحقاتها من المصروفات والتى تصل إلى 100 ألف جنيه فى العام الدراسى الواحد. وكشف مسعد أنه من حق أى ولى أمر التقدم بشكوى رسمية إلى إدارة التعليم الخاص أو إلى مكتب الوزير للتحقيق فى هذه المدارس المخالفة وتحقيق أقصى عقوبة والتى تصل إلى حد وضعها تحت الإشراف المباشر من الوزارة واستبعاد مجلس إدارتها لحين تحسين الأوضاع.