على امتداد تاريخ السينما العربية وبين طيات كتبها وفى حواشى الصفحات ومتونها الممهورة بالمجد والأضواء يحتل الفنان بشارة واكيم مكانة تليق برجل جمع كل الثقافات فى قالب واحد، فهو مسيحى الديانة إسلامى الهوى عربى الهوية فرنسى الثقافة وبتلك التوليفة كرس نفسه للفن تكريسا مطلقا، وأفنى زهرة أيامه من أجل أن يرى نشوة الإعجاب فى عيون الناس. ولد بشارة واكيم يوم 5 مارس عام 1890م فى حى الفجالة بالقاهرة، والتحق بمدرسة الفرير الفرنسية بالخرنفش، وفور تخرجه فى المدرسة التحق بكلية الحقوق، وكان مرشحًا لإحدى المنح الدراسية إلى فرنسا ولكن الأمر لم يكتمل بسبب قيام الحرب العالمية الأولى. بطل ثان فى فيلم صامت اتجه بشارة واكيم إلى العمل بمجال السينما، وقدم حوالى أكثر من 100 فيلم، وكان أول فيلم سينمائى قدمه هو «برسوم يبحث عن وظيفة» عام 1924 ويصنف الفيلم على أنه من الأفلام الروائية المصرية الصامتة فى تاريخ السينما المصرية وثانى فيلم صور على مستوى أفريقيا، ويدور الفيلم فى إطار كوميدى قصير بين ترابط المسلمين والمسيحيين، وهو نتاج ثورة 1919، والفيلم من إخراج وبطولة محمد بيومى المصرى. آخر ما قدمه بشارة هو مجموعة من الأفلام عرضت كلها فى عام 1948 مثل «خلود/ طلاق سعاد هانم/ المستقبل المجهول/ عنبر»، وما لا يعرفه الكثيرون أن بشارة واكيم كان يتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة، وهذا ما سهل عليه ترجمة العديد من الأعمال الأدبية الفرنسية إلى العربية، وبرغم أنه مسيحى إلا أنه حفظ القرآن وطالع كتب التفسير وكان دائما يردد «من يرد أن يتثقف فى اللغة يجب عليه أن يحفظ القرآن ويتفهم معانيه»، وقد ساعدته ثقافته الواسعة على ترجمة العديد من الروايات. الفنان العازب عرف بشارة واكيم بأنه زاهد فى الزواج وفضل الزواج من الفن فقط، ولكن الحب تملك قلبه قبل عزوفه عن الزواج حينما طلب يد الفنانة مارى منيب ورفضت بسبب وقوعها فى حب فوزى منيب الذى تزوجها وأنجب منها وحملت اسمه بقية مشوارها الفنى. فى أحد الحوارات الفنية، بعد ذلك أوضح أن سبب رفضه للزواج أن والدته كلما غضبت عليه، دعت عليه بقولها «روح إلهى يبتليك بجوازة تهد حيلك» ومنذ ذلك الحين، وهو يرى فى الزواج مصيبة أو نكبة يبتلى الله بها المرء لكى يودع معه أيام الهدوء والصفاء وراحة البال ويدخل فى دورة «العكننة والدوشة ووجع الدماغ». كان بشارة يخفى قلقا فى صدره وهو الخوف من أن يحدث له مكروه ولا يجد من يعاونه خاصة لأنه عاش وحيدا ولم ينجب ولم يتزوج، وبالفعل مرض وبدلا من أن يسكن للراحة والهدوء أخذ يقبل على العمل بشغف. حاول صديقه الفنان الراحل نجيب الريحانى إبعاده عن العمل حتى لا تتدهور صحته لكنه واصل عناده بالاندماج فى العمل، وأصيب بشارة بالشلل لتتضاعف آلامه مع الوحدة والعزلة ويضطر إلى ملازمة المنزل، ودخل المستشفى والتقط أنفاسه الأخيرة على أحد أسرتها البيضاء يوم 30 نوفمبر 1949.