نقلاً عن العدد اليومى.. بألوان شديدة النصاعة والقوة بين الأزرق والأخضر والأحمر والأصفر والتى تتراوح بين الكثافة والشفافية ازدانت جدران قاعة الباب فى دار الأوبرا المصرية بلوحات الفنان التشكيلى الكبير محمد الطراوى الذى افتتح معرضه مساء الاثنين 18 نوفمبر 2014م، بعنوان «هى»، فى تعبير واضح الدلالة على مكونات المعرض التى أبرزت دور المرأة فى التكوين الفكرى للطراوى، والتى ظهرت ماثلة أمام أعين الرواد بشكل يوصل المآقى إلى ذروة النشوة عبر أعبد الطرق وأقصرها. مع دخولك المعرض ينتابك شعور بأن المرأة هى الوجود فى حد ذاته لدى الطراوى، وهى الملهمة الرئيسية له، وأنها أصبحت نموذجا أصيلا لدى ألوانه وريشته للتعبير عن الجمال والافتتان. الشىء المهم الذى تلحظه الأعين للوهلة الأولى طاقة الحب المنبعثة من ألوان متداخلة تحيطها جدران أربعة من الخشب، وكأنها سور أحاط القلب وحماه من وحشة الفقدان ولوعة الاشتياق. سألتُ الطراوى: هل تعمدت أن تغرق لوحاتك فى المحلية؟ أجابنى بقوله: المحلية هى التى توصل إلى العالمية، وهى تأكيد على فكرة هويتى وفكرة ارتباطى بمحليتى التى تفتح لى الآفاق؛ لأسبح فى عالم أكثر ثراء وربما أنجح فى الوصول نحو العالمية. سألته: ما مدلولات الظلال فى اللوحات؟ فقال: الظلال موجودة بشكل ينبثق من داخل العمل وليس من عوامل خارجية والمدلولات تومئ ولا تفصح؛ لأنى أعرض مجموعة من النساء السامقات يرفعن هاماتهن ويطلقن العنان لخيالاتهن، كما أن أغلب الأعمال الموجودة غير صريحة لكن لها مدلولات فى الموضوع والألوان، وبها غموض يطرح نصا افتراضيا يوازى نصا واقعيا، وأعتبر أن المرأة الجنوبية هى الأصل فى المرأة المصرية. الطراوى عاد وبادرنى بقوله إن كثيرا من النقاد يقولون إن المرأة القاهرية غير موجودة، وهو ما يجب الإشارة إليه بالفارق بين المرأة الحضرية القاهرية التى تصدرت المشهد سياسيا واجتماعيا وأصبح لها دور لا يمكن إغفاله خاصة فى السنوات الأربع الأخيرة، والمرأة الجنوبية التى لعبت دورا رأيت أن أثمنه وأحببت أن أوضحه فى المجتمع. فجأة دخل قاعة الباب كالجواد الأشهب شاعر الفصحى الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى ولما توجهت إليه وسألته عن انطباعاته الأولى عن «هى» طلب منى إعطاءه فرصة حتى يدقق فى كل اللوحات المعروضة وبعد قرابة نصف الساعة تأكدت أنه قد طاف على الجدران وأخذ فسحته فى عالم الزمان والمكان؛ فسألته عن النتيجة، فأكد لى أن «ريشة الطراوى لا تختلف عن نقر بيتهوفن على أزرار البيانو». غير أن صاحب «مدينة بلا قلب» حاول الربط بين اللوحات وموسيقى عبدالوهاب، موضحا أن الطراوى ترجم النغمات المصرية المتأصلة بألوانه إلى جسد مفعم بالكبرياء ومثقل أيضا بهموم الحياة تماما كما فعل موسيقار الأجيال فى تلك الحقبة الممتدة بين 1927 و1954. هنا امتطيت الفرصة وسألت حجازى عن الألوان المائية فى فن الطراوى وأسلوبه ومنهجه فى إيقاع اللون وتعبيراته، فقال بالحرف الواحد «تجربة الطراوى المائية والممتدة عبر كل تلك السنوات تجعله بحق متفردا فى فن تصعب فيه السيطرة على الريشة كما يصعب معه ترويض الأدوات وإخضاع الألوان للفكرة وتسخيرها للدلالات المرادة». مقبل غير مدبر دخل الفنان التشكيلى الكبير عز الدين نجيب إلى قاعة العرض وقبل أن أسأله عن الطراوى بادرنى بالحديث عن التحولات التى يواجه بها الطراوى تحديات اللحظة المضطربة التى يمر بها الوطن، فضلا عن تحديات الحداثة التى تلهث خلفها أجيال الفنانين المصريين، مقتفين آثار الحركات الفنية الحداثية فى الغرب، وعلى هذا الأساس حاول الطراوى التخلص من تلك الموجة واتجه إلى المرأة البدوية كبطلة للحن أنثوى ناعم وصادم فى تعارض نغمى مع خط الأفق الصحراوى والكثبان الرملية، ونجح الطراوى فى استعادة ألحانه القديمة التى وزعها بمهارة تحسب له على معارضه الفائتة، خاصة تلك التى تصور مشاهد البحر والنيل والبحيرات والقلاع وقوارب الصيد.