الدفاع الألمانية تستعين بأسراب «صراصير» للتجسس والإستطلاع    سعر الذهب اليوم السبت 26 يوليو 2025.. الجنيه الذهب ب37040 جنيها    أجندة البورصة بنهاية يوليو.. عمومية ل"دايس" لسداد 135 مليون جنيه لناجى توما    سعر الحديد اليوم السبت 26-7-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    الجيش الإسرائيلي يتلف 1000 شاحنة من المساعدات الإنسانية المخصصة لغزة    ستارمر: بريطانيا ستعترف بالدولة الفلسطينية بعد وقف إطلاق النار في غزة    مراسل إكسترا نيوز: معبر رفح لم يُغلق يومًا منذ بدء الحرب    جوتيريش: ما يحدث في غزة أزمة أخلاقية تتحدى الضمير العالمى    الأهلى يزاحم الهلال على ضم نونيز من ليفربول    اختتام جولة مفاوضات "النووى" فى إسطنبول.. محادثات طهران والترويكا الأوروبية للمرة الثانية عقب حرب ال12 يوما.. إيران: مشاورات جادة واتفقنا على استمرارها.. الهجمات قوضت أمن المنشآت النووية    كريم فؤاد يرد على شائعة إصابته بالصليبى: "حسبى الله ونعم الوكيل"    رابطة الأندية توجه الدعوة لأبو ريدة لحضور قرعة الدوري    جثة و23 مصابًا.. الحصيلة النهائية لحادث ميكروباص قنا    قرار جديد من النيابة بشأن والد «أطفال دلجا المتوفيين»    بشرى لطلاب الثانوية الأزهرية.. مؤشرات النتيجة مرتفعة ونطمئن الطلاب وأولياء أمورهم وإعلانها قبل نهاية يوليو.. رئيس قطاع المعاهد: لا نستعجل فى إعلان النتيجة لضمان حصول كل طالب على حقه فى الدرجات    إصابة شاب في مشاجرة وتسمم مزارع بحوادث متفرقة في سوهاج    خدمة جوجل فوتو تضيف أدوات لتحويل الصور القديمة إلى مقاطع فيديو متحركة    نقابة الموسيقيين تتخذ إجراءات قانونية ضد الناقد طارق الشناوي    حظك اليوم السبت 26 يوليو وتوقعات الأبراج    ليلة أسطورية لعمرو دياب في الرياض .. والجمهور يغني معه «خطفوني»    حقوق الإنسان والمواطنة: المصريون يعلمون أكاذيب الإخوان ودعواتهم للتظاهر مشبوهة    التليفزيون هذا المساء.. جمال شقرة: الإخوان لم تقدم شيئا لفلسطين    دعاء الفجر.. اللهم إنا نسألك فى فجر هذا اليوم أن تيسر لنا أمورنا وتشرح صدورنا    "الحشيش حرام" الأوقاف والإفتاء تحسمان الجدل بعد موجة لغط على السوشيال ميديا    3 مكاسب الأهلي من معسكر تونس    اليوم، انطلاق امتحانات الدور الثاني لطلاب الابتدائي والإعدادي والثانوي    بالأسماء.. مصرع طفلة وإصابة 23 شخصًا في انقلاب ميكروباص بطريق "قفط – القصير"    7 جنيهات للشاي والأرز أقل من 30، انخفاض أسعار السلع الغذائية في الأسواق    بعد أزمات فينيسيوس جونيور، هل يتحقق حلم رئيس ريال مدريد بالتعاقد مع هالاند؟    «هيسجل إمتى بعيدًا عن ضربات الجزاء؟».. تعليق مثير من الغندور بشأن زيزو مع الأهلي    وزير الأوقاف يحيل مجموعة من المخالفات إلى التحقيق العاجل    موعد إجازة المولد النبوي 2025 الرسمية في مصر.. كم يومًا إجازة للموظفين؟    أسعار الفراخ اليوم السبت 26-7-2025 بعد الانخفاض وبورصة الدواجن الرئيسية الآن    زيلينسكي: أوكرانيا تحتاج لأكثر من 65 مليار دولار سنويًا لمواجهة الحرب مع روسيا    مينا مسعود لليوم السابع: فيلم فى عز الظهر حقق لى حلمى    عبد الواحد النبوي يطالب هيئة الكتاب بسحب أحد إصداراتها والاعتذار للمصريين    موعد مباراة ليفربول وميلان الودية اليوم والقنوات الناقلة    رحيل نجم بيراميدز بسبب صفقة إيفرتون دا سيلفا (تفاصيل)    الأوقاف تعقد 27 ندوة بعنوان "ما عال من اقتصد.. ترشيد الطاقة نموذجًا" الأحد    «بالحبهان والحليب».. حضري المشروب أشهر الهندي الأشهر «المانجو لاسي» لانتعاشه صيفية    «جلسة باديكير ببلاش».. خطوات تنعيم وإصلاح قدمك برمال البحر (الطريقة والخطوات)    5 طرق بسيطة لتعطير دولاب ملابسك.. خليه منعش طول الوقت    "الجبهة الوطنية": دعوات التظاهر أمام السفارات المصرية تخدم أجندات مشبوهة    «الداخلية» تنفي «فيديو الإخوان» بشأن احتجاز ضابط.. وتؤكد: «مفبرك» والوثائق لا تمت بصلة للواقع    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    الإسماعيلية تكشف تفاصيل مهرجان المانجو 2025.. الموعد وطريقة الاحتفال -صور    رسميًا.. دي باول يزامل ميسي في إنتر ميامي الأمريكي    "مستقبل وطن دولة مش حزب".. أمين الحزب يوضح التصريحات المثيرة للجدل    مستشفى الناس تطلق خدمة القسطرة القلبية الطارئة بالتعاون مع وزارة الصحة    «لو شوكة السمك وقفت في حلقك».. جرب الحيلة رقم 3 للتخلص منها فورًا    روعوا المصطافين.. حبس 9 متهمين في واقعة مشاجرة شاطئ النخيل في الإسكندرية (صور)    سعر الذهب اليوم السبت 26 يوليو محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير (تفاصيل)    الجمهور على نار والأجواء حماسية.. انطلاق حفل تامر حسني بمهرجان العلمين الجديدة    تنسيق الثانوية العامة 2025.. التعليم العالي: هؤلاء الطلاب ممنوعون من تسجيل الرغبات    رددها الآن.. أفضل أدعية لاستقبال شهر صفر 1447 هجريًا    برلماني: الدولة المصرية تُدرك التحديات التي تواجهها وتتعامل معها بحكمة    جامعة دمنهور الأهلية تعلن فتح باب التسجيل لإبداء الرغبة المبدئية للعام الجديد    شائعات كذّبها الواقع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سليمان فياض.. المجاور الأزهرى الذى جعل النميمة أدبا
نشر في اليوم السابع يوم 08 - 02 - 2010

من اللحظة الأولى التى رأيت فيها "سليمان فياض" انبهرت به: فى النصف الأول من سنوات الصعود والمد الناصرى للستينيات دخل علينا مدرس اللغة العربية الجديد فى مدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية بملابسه الأنيقة ووسامة وجهه الأبيض وشعره الناعم الذى ينسدل على جبهته فيمد أصابعه بين لحظة وأخرى ليزيح خصلة الشعر المنسدلة، ولم يكن هذا الشكل "المودرن" لمدرس اللغة العربية الجديد عكس كل تصوراتنا المراهقة عن مدرس اللغة العربية كما تصوره أفلام السينما كما "عبد المنعم إبراهيم" فى فيلم "السفيرة عزيزة"، فقد كان فى الخامسة والثلاثين من العمر فقط، ومنذ اللحظة الأولى لرؤية تلاميذ الصف الثانى للأستاذ "سليمان فياض" تم ضرب الصورة التقليدية عن مدرس اللغة العربية، كانت حصة إنشاء "تعبير" وكتب الأستاذ الجديد على السبورة اسم "عدنان المدنى" وطلب أول التلاميذ فى الصف الأول أن يقف وأن يقول جملة واحدة عن استشهاد الطيار العربى على أن يقف التلميذ الذى يليه ويلقى بجملة واحدة تكمل الجملة السابقة وهكذا إلى أن نصل لنهاية الفصل على أن يكتب كل التلاميذ كل الجمل، وما إن انتهت الحصة حتى كان مع كل التلاميذ موضوعا للتعبير سوف يكمله كل تلميذ بطريقته على أن يصححه لنا الأستاذ "سليمان" فى أول حصة قادمة للغة العربية، ثم اختار ناظر المدرسة الأستاذ "سليمان فياض" ليكون رائدا لفصلنا وعليه أن يقف أمام فصلنا فى طابور الصباح، وبعد شهرين من وجوده كرائد لفصلنا تأخر خمس دقائق عن الحضور والوقوف أمامنا فى الطابور مما استرعى نظر الأستاذ "السلكاوى" ناظر المدرسة فسأل عليه فأجابه التلاميذ بأنه لم يحضر بعد لكن الأستاذ سليمان حضر مسرعا ليتخذ مكانه أمام فصلنا فاقترب منه الأستاذ "السلكاوى" ناظر المدرسة وزعق فيه فى عنف يلومه على تأخره فظل "سليمان" واقفا فى هدوء إلى أن انتهى ناظر المدرسة من تعنيفه تماما واقترب منه "سليمان" ومال على أذنه وهمس له بكلمات لم يسمعها أحد إلا ناظر المدرسة الذى رأيناه يقفز عاليا وهو يسرع فى الابتعاد عن "سليمان فياض" صارخا فى غضب عارم آمرا الأستاذ "عبد الرحمن" المسئول عن الإذاعة المدرسية بتأدية تحية العلم وإنهاء الطابور فورا، وكانت الحصة الأولى لفصلنا فى اللغة العربية ونوه التلاميذ على سؤال الأستاذ "سليمان" عن الكلمات التى قالها فى أذن ناظر المدرسة الذى اشتهر عنه العنف فى معاملة الجميع، لكن الأستاذ لم يحضر الحصة فى هذا اليوم ولم يحضر أية حصة بعد ذلك ولم يحضر أيضا أى يوم فقد تم نقله من المدرسة نهائيا، ودارت الأيام دورتها وقابلته فى عام 68 على مقهى "إيزافيتش" فى ميدان التحرير وأهديت له أول قصة نشرها لى الشاعر الكبير "صلاح عبد الصبور" فى مجلة "الكاتب" وأصبحت صديقا له ألعب معه الطاولة فى مقهى "زهرة البستان" وكان كثيرا ما يحكى قصته مع ناظر المدرسة ويشهدنى علها.
بعد سنوات من الإبداع الأدبى الرائع تنشر "دار الهلال" كتابه "أيام مجاور" والذى يسترجع فيه "سليمان فياض" فترة هامة فى بواكير حياته عندما كان طالباً بالمرحلتين الابتدائية والثانوية بالمعهد الدينى فى مدينة الزقازيق، وعن بداياته ككاتب وأديب منذ ارتدائه العمامة وعن المشايخ وعن السنوات التى كان فيها مجاورا فى الأزهر فى سنوات الأربعينات، وهو اللفظ الذى كان يطلق على الطلاب بوصفهم يجاورون الأزهر الشريف، وقيل حيث كان طالب العلم الذى يدرس بالأزهر يعتمد على شيخ يجاوره الطلاب ويحصلون منه على إجازة علمية فى آخر الصف الدراسى.
فكانت هذه السنوات "العجاف" هى التى صنعت منه هذا الروائى الكبير، يقول "الأستاذ": "أنا قاص حتى وأنا أكتب سيرتى، فلم أقدم تأريخا ببليوجرافيا مثل سيرة أحمد أمين، ولم أبد الرأى فى التجربة المعاشة مثل طه حسين فى كتابه الأيام، ولكنى عبرت عن الحياة التى عشتها، وقدمت رواية عن المكان، ورواية العائلة، رواية تسير فى خط طولى تتفرع منها خطوط عرضية وهى الحكايات، وحاولت أن أعطى صورة عن الحياة المغلقة فى مجتمع أزهرى شبابى، فأنت تعيش فى زمن وتتلقى ثقافة وهوية زمن آخر مضى، أعيش سبع سنوات كمراهق يبحث عن نفسه وهويته، وينمو جسديا وروحيا، حائر بين ثقافتين".
ويقول الكاتب الكبير "أبو المعاطى أبو النجا" صديق سليمان عن كتاب "أيام مجاور" الذى حصل على جائزة الدولة التقديرية أن الكتاب هو نوع من النميمة و السيرة الذاتية فهو تكلم عن بعض الشخصيات التى عرفها فى حياته يعرفنا بنفسه من خلال معرفته بغيره، شخصيات حية وأدبية ومعروفة وبعضهم غير معروف، أعطانا فكرة قوية عن الحياة الأدبية فى نميمة ويشرح "أبو المعاطى" ما يقصده بكلمة "النميمة"، فقال إنها نميمة لأنه تكلم عن بعض من كتب عنهم بذكر اسمه وبعضهم ذكر الحروف الأولى من أسمائهم وبعضهم ذكر صفاتهم، بعض هؤلاء الناس كانوا مهمين فى الدولة، وأن معنى كلمة "النميمة" من الناحية اللغوية منها هو الصوت الضعيف الذى يكشف عن السيرة، والأصوات الخافتة التى تخفى أشياء خطيرة هى مزيج من الأوهام والحقيقة التى تصل لها من خلال هذه الأشياء فالحقيقة دائما نستخلصها سواء من الكلام الواضح أو من الكلام النميمة وكتاب "أيام مجاور" قدم هذه المعلومات فى شكل قصصى ممتع.
عاش "سليمان فياض" طوال حياته كمجاور فى الأزهر طالبا للعلم مهتما باللغة العربية فعمل كخبير لغوى فى مشروع تعريب الحاسوب لبعض البرامج العربية بشركات الكومبيوتر العالمية فهو متخرج من "كلية اللغة العربية" وكتب عشرات السير الذاتية عن علماء وأدباء العرب فكتب كتبا عنهم مثل كتبه عن ابن النفيس، ابن الهيثم، البيرونى، جابر بن حيان، ابن البيطار، ابن بطوطة، ابن سينا، الفارابى، الخوارزمى، الإدريسى، ابن رشد، وغيرهم الكثير كما كتب عن قضايا تهم اللغة العربية كثيرا وكتب معاجم فى اللغة العربية منها "معجم الأفعال العربية المعاصرة" و " الدليل اللغوى" و"أنظمة تصريف الأفعال العربية" و"الأفعال العربية الشاذة" و"جموع التكسير" وكتب المجموعات القصصية الجميلة مثل مجموعات قصص "عطشان يا صبايا" و"وبعدنا الطوفان" و"أحزان حزيران و"العيون" و"زمن الصمت والضباب" و"وفاة عامل مطبعة" وغيرها من الروايات الهامة فى تاريخ الرواية العربية مثل "أصوات" و"الصورة والظل" ونال الكثير من التكريمات لكنه ظل طوال عمره- أمد الله فى عمره- عازفا عن التكريمات التى غالبا ما تكون لها علاقة بالتقريظ بين المكرم ومن يتفضل عليه بالتكريم، ومن جلس دقيقة واحدة مع سليمان فياض فسوف يكتشف فيه للوهلة الأولى نماما عظيما استطاع بموهبة فذة أن يحول النميمة إلى أدب عظيم، ومازلت أحلم بأن أغلبه فى الطاولة ولو مرة واحدة فى حياتى.
* كاتب وروائى مصرى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.