نشرت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية دراسة بقلم الكاتب "الوف بِين" إلى ما أسماه بالإنجازات الداخلية التى قطعها رئيس الوزراء الإسرائيلى "بنيامين نتانياهو" وحكومته قبل إتمام عامٍ على ولايته.. تلك الإنجازات التى تشمل الملف الأمنى للحدود وتحسين الاقتصاد واستقرار التكتلات السياسية. فقد كان شعارُ حملةِ نتانياهو الانتخابية فى 2009 مُنصباً على حمايةٍ مُحكمةٍ للحدود مصاحبة لإنعاش اقتصادى، ولم ينتهِ الحَوْل حتى كادت الحكومةُ أن توفى بوعودها، وأصبح المشهد السياسى - خلال العام- أشبه بدولةٍ أوروبيةٍ هادئةٍ – مثل فنلندة أو سلوفنيا – مقارنةً بالشرق الأوسط الذى يسوده الاضطراب ومظاهر الفوضى. فلم تنعم إسرائيل بأجواء الأمن كما نعمت به إبّان السنة الأولى لنتانياهو، إذ ْحُرمت منه طيلةَ عقدٍ مضى خاصةً فيما يتعلقُ بتأمين الحدود والتصدى للهجمات الإرهابية... كما أنّ الدولةَ نجحت فى تحقيق نقلةٍ اقتصاديةٍ جديرةٍ بالاحترام رغم الكساد الذى ساد العالم، فيما عدا ارتفاعاً طفيفاً بمعدل البطالة دون خسائر فى الأعمال. وتحول الصحفيون المنشغلون إلى مراسلين لأخبار الجريمة، كحوادث القتل التى تزايدت، وكأناسٍ – يغلبُ الشرف على سماتهم – يتحولون إلى مجرمين – كالإعلامى "دودو توباز"، وكمحاكمة رئيس الوزراء السابق بتهمة السرقة، وغير ذلك.. وذكر "الوف بين" أنّ نتانياهو أخبره قبل الانتخابات فى فبراير الماضى أنه تعلم من تجربته السابقة بأن يكون سياسياً بمعنى الكلمة، وهو أمرٌ لم يكن ليقنع الكاتب آنذاك، إلا أن النتائج الحاليةَ أكدتْ صدقَ كلامه، لقد وعد وحقق وعده. تبنى نتانياهو إقامةَ حكومةٍ مستقرةٍ بلا صراعاتٍ أو أزمات على الرغم من فوز حزب كاديما بمقعدٍ زائد بالكنيست عن حزب الليكود، نجح نتانياهو فى ذلك لأنه لم يكن شخصاً غشيماً "كإيهود باراك" ولم يكن شخصاً يرهبُ الناس مثل "إيرل شارون"، فطريقتهُ مختلفةٌ إذا، حيث يُعطى السياسيون قدراً من الأهمية ومنح حمايةً لكل منافسٍ محتمل.. فكلُ ما يعنيه فى المقام الأول هو فرضُ السلام والهدوء. قام نتانياهو بتحفيز حملتهِ بزيادةٍ من الوزراء ووزراءَ بالإنابةِ وذلك للحد من خطرِ ما قد يُحدثه الليكود من ضجرٍ ومشاحنات. كما عمل على تمرير ميزانيةِ عامين وكفَلَ الطمأنينة لشركائه. وقام بتأسيس "منتدى السبعة" للاستشارات الدبلوماسية والأمنيةِ مما قد يزيد من قوةِ ونفذ الوزراء. بالإضافة إلى أنه قد عيّن شخصياتٍ غير مناسبةٍ فى مناصبَ رفيعة المستوى، حيث أسند وزارة المالية ل"يوفال ستينتر" كما سلّم حقبة الخارجيةِ ل"أفيجدور ليبرمان" وبالتالى يمكن يتجاهلهما نتانياهو ويقوم هو بتولى الاقتصاد والسياسةَ الخارجيةَ. وعلى المستوى العملى، فقد تعلم نتانياهو من أخطائه السابقةِ عندما كان متولياً لمنصب من قبل، وتجنب أى خلاف مع الجيش أو النظام التشريعى. وعندما ثار المستوطنون على قرار تجميد الاستيطان، قام بتعويضهم. وعلى صعيد العلاقات الخارجية لإسرائيل، فقد كان نتانياهو مجبوراً على التعامل مع "باراك أوباما" ورؤيته المتحمسةِ للسلام الشامل بمنطقة الشرق الأوسط المتوقف على انسحاب إسرائيل من المناطق التى احتلتها، وإقامةِ دولةٍ فلسطينيةٍ مكان المستوطنات بالضفة الغربية. تلك الرؤية المتناقضة تماما لما عكف عليه نتاياهو طيلةَ حياته السياسية، مما صعّد من التوتر بينه وبين البيت الأبيض وباتت الأزمةُ فى العلاقات أمراًً لا مفر منه.. خضع نتانياهو لفكرةِ أوباما بإقامة دولتين لشعبين، وأعلن تجميدَ الاستيطان لعشرة أشهرٍٍ، وذلك يعدُ تسويةً على حساب حق اليهود الذى يقضى بعيش اليهود بأى مكان على أرض إسرائيل. ثم انسحب نتانياهو من مفاوضات التجميد ليرغم الأمريكان على التخلى عن مطلبهم الأساسى إذ ْ يشمل التجميد القدسالشرقية بطبيعة الحال. وانخفضت شعبيةُ أوباما فى الاستطلاعات، فى الوقت الذى لعب فيه الجمهوريون – أنصار نتانياهو – دوراً مدافعاً ناجحاً، ولايزال نتانياهو يستنزف الوقت حتى يفقد أوباما قوته. ويرى الكاتب أن قوةَ نتانياهو تكمن فى اهتمامه بالقضايا الأمنية، وليس اهتمامه بالمشاكل الاستراتيجية الأساسية لإسرائيل، ومع ذلك، فإن التهديد الإيرانى لم يتغير، فإيران تستمر فى تطوير السلاح النووى والتجييش، كما تشرعُ فى تسليح "حزب الله"و"حماس"، وما يقلقها هو الهياج الداخلى الذى قد يتزامن مع صحوةِ انتخابات الرئاسة الفلسطينية المزعومة. ومن ناحيتهِ، فإن نتانياهو يتحدثُ عن لغمٍ موقوت، ويُعد الترتيبات لعمليةٍ عسكريةٍ مرتقبةٍ، وإن لم تتغير سياسته العامةُ عن سياسة سابقيه، فهو يفضل التعاون مع الإدارة الأمريكية فى حالة المواجهةِ مع إيران. فالأمرُ هو إما الحرب.. أو القبول بتهديد إيران.. ذاك هو القرار الأعظم! ويتطرق "الوف" إلى تأجيل قراراتٍ صعبة كتلك المتعلقة بالجندى الأسير "جلعاد شاليط" وإبقاء الحال لأطول فترةٍ ممكنة، مما دفع السلوك الإنسانى لنتاياهو وزوجته "سارة" إلى وضع خطوط عريضة نهائية. أم التحالف السياسى بين نتانياهو ويهود باراك باتَ متصدعاً، فطيلة الأسبوعين المنصرمين وباراك يحاول أن يكون بمنأى عن رئيس الوزراء. هناك قضيتان رئيسيتان لابد أن يواجههما رئيس الوزراء فى سنته الثانية وعليهما سيتحدد مصيره السياسى، فأولاهما هى إيران والتعامل مع الأزمة الأمنية بالمناطق الشمالية والثانية هى المستوطنات، فإذا شرع فى البناء بعد انتهاء فترة التجميد فقد نفّذ نتانياهو وعدهُ لليهود وفى هذه الحالة سيشتبك مع أوباما، وإن لم ينفذْ وعده فسوف يخاطر بخروج حزب اليمين من الائتلاف وقد تنشب نزاعاتٌ داخلية.. بعد إبحاره فى مياهٍ سياسيةٍ هادئةٍ مضى عليها عام.