لا شك أن الدعاة اليوم فى حاجة ماسة إلى إعادة تدريب وتثقيف حول ثلاث قضايا رئيسية كالتالى: موضوع الدعوة، وأخلاق الداعية، وثقافة الداعية. فأما موضوع الدعوة فهو مطابقة المقال لمقتضى الحال، بمعنى إعمال فقه الواقع، خاصة فى المسائل الخلافية التى كثر فيها الجدل، مع التمسك بعرى الإسلام ووسطيته والالتزام بمنهجه السمح فى القول والفعل والأخذ والعطاء، وبالتالى فلابد من التركيز على الموضوعات التى تبين سماحة هذا الدين ووسطيته، فعن عبد الله بن عتبة أن أبا هريرة رضى الله عنهما قال: "جاء أعرابى وبال فى المسجد، فثار الناس إليه ليقعوا به، فقال لهم رسول الله (ص) " دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ"، ثم أردف (ص) ذاك المعنى بقوله "إن الله رفيق يحب الرفق فى الأمر كله" وقوله "ما جُعل الرفق فى شىء إلا زانه وما نُزع منه شىء إلا شانه". تلك الروح الوسطية هى التى تفتح الآذان والقلوب، وهى التى تجذب غير المسلمين إلى احترام روح ومبادئ الإسلام، فالجميع يعلم مثلما يقول سانتهيللر أن النبى (ص) نشر الإسلام بروح وأخلاق الإسلام، وليس بالدرع والسيف، وبالتالى فموضوع الدعوة ينبغى أن يسير وفق هذه الوسطية التى تغزوها السماحة ويعلوها حسن الخلق كذلك ينبغى التركيز على أساسيات الإسلام فى الأحكام والمعاملات، لأن الكثير من المسلمين يذهب إلى الصلاة عادة وليس عبادة، بل قد لا يحسن الوضوء وقد لا يعلم الفرق بين الركن والسنة فى الصلاة، وقد لا يعرف مصارف الزكاة، وقد لا يعرف كيفية الاغتسال من الجنابة، وغير ذلك من القضايا الأساسية التى تدخل ضمن موضوع الدعوة. أما القضية الثانية والرئيسية أيضًا فهى أخلاق الداعية، إذ أن النبى (ص) كان سيد الدعاة ولم يجد القرأن ما يمدحه به أفضل من أخلاقه فقال سبحانه "وإنك لعلى خلق عظيم" ووصفه القرآن بأنه رءوف رحيم بالمؤمنين حريص عليهم، ووصفه بأنه لين القلب رقيق الفؤاد، وتلك هى الأخلاق العملية التى ينبغى أن يتحلى بها الداعية، لا أن يكون فظا أو غليظا أو ضيق الأفق أو سريع الغضب أو غير ذلك من خصال تنفر منه الناس. وثالثًا، لابد للداعية من سعة ثقافة، فيكون ملمًا بما يجرى حوله من أحداث سياسية، ويكون على وعى تام بما يحيط بوطنه من أخطار بحيث يبصر الناس بتلك الأخطار وبما يحاك لبلده من مكائد، فحب الوطن والدفاع عنه جزء لا يتجزأ من الإيمان والدعوة، وفى المقال القادم نتحدث عن كيفية تحقيق ذلك بإذن الله.