الثقة تبنى على مر سنين، وتفقد فى أيام أزمات إعلامية أفضت إلى أزمة ثقة بين الوسيلة والجمهور، مشكلة كبيرة تواجه الممارسات الإعلامية العربية فى ظل عصر التخبط الإعلامى، فقد تحول الأداء الإعلامى إلى تصرفات عشوائية لا يحكمها ضابط مما يفقد الوسيلة ثقة الجمهور فيها، وخاصة فى وقت اشتداد الحاجة إلى المعلومات والوضوح والدقة. مابين إعلام متوتر وآخر متشنج أو متعصب، وقد يصل إلى إعلام كاذب أو فى انتظار التعليمات الحكومية، مابين صراخ وضجيج وتصفية حسابات شخصية فى بعض الأحيان تنحرف الاتجاهات للجمهور، وتحشد ويفقد قدرته على تكوين رأيه. معظم وسائل الإعلام فى العالم العربى تتخذ شكلين أولهما وسيلة بيروقراطية تابعة للحكومة، وغالباً تعمل وفقاً للأقدمية والولاء وثانيهما وسيلة تجارية خاصة هادفة لتعظيم الإيرادات، ولكن الأداء الإعلامى شىء آخر مختلف عن أى من الأشكال السابقة حيث يبدأ برؤية واضحة معلنة تحدد المكانة التى تسعى إليها الوسيلة، ورسالة توضح سبب وجودها، والمهام التى توكلها لنفسها، وتدعو جمهورها إلى محاسبتها فى شأن وفائها بها من عدمه. ولكن فى ظل فقدان الرؤية والرسالة والإستراتيجية واللاتنظيم، والتخبط الواضح فى كثير من الوسائل الإعلامية من عدم قدرة على تقييم المزايا والعيوب وللنتائج المتوقعة وغياب للاحتراف والمهنية والمعايير المنضبطة من جهة أخرى، اعتذارات على الهواء مباشرة فكثيراً ما نسمعها ونشاهدها من القائم بالاتصال مابين الخروج عن الأعصاب أو الإفصاح برأيه والضحية هو الجمهور الذى بنى سياسته واتخذ القرار الخطأ، وفى يوم سيكتشف أنه يستسلم لوسيلة إعلامية تخدعه عن جهل أو عن عمد، وهو أمر شديد الكلفة وهو حتماً سيتركها ويبحث عن وسيلة أخرى أكثر رؤية وتنظيماً وثقة. شهد الإعلام جدلا حامياً بين سلطة تضع قيوداً وأخرى تزيل القيود إلى أقصى حد، فى ظل هذا النضال من أجل الحرية، انطلقت الأزمة، و انتشر التخبط والتجاوز فى كل أشكاله وأخطائه، أن الحرية المطلقة لا تعطى أفضل إعلام فى العالم فمخاطر الحرية الكاملة هى نفس مخاطر القيود الصارمة. وربما ليس أنفع للإعلامى فى ممارسته لعمله من الاهتداء بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع" فى هذا القول الكريم مايرسى القاعدة الأهم بين قواعد العمل الإعلامى على مر الأزمنة.