يستغرق العرب والمسلمون فى الاستسلام "لنظرية المؤامرة"، فسقوط آخر خلافة إسلامية بإنهاء حكم الدولة العثمانية إنما هو فى نظرهم مؤامرة كبرى شارك فيها "مصطفى كمال أتاتورك" القادم من "سالونيك" اليونانية حينذاك، كما أن سقوط "الاتحاد السوفيتى السابق" جاء هو الآخر نتيجة مؤامرة كبرى شارك فيها البابا "يوحنا بولس الثانى" ولعب فيها "ميخائيل جورباتشوف" دوراً محورياً، كما أن اغتيال "جون كنيدى" الذى جرى قتله فى إطار عمل مخطط ومحكم هو أيضاً مؤامرة، بل إن مصرع الأميرة "ديانا" و"دودى الفايد" فى نفق "بباريس" هو الآخر مؤامرة. ونحن لا نجادل كثيراً فى الوصول إلى هذه النتائج فالمؤامرة موجودة دولياً وإقليمياً ومحلياً ولكن ذلك لا يعنى أبداً الاستسلام لمنطق التفسير التآمرى للتاريخ الذى يقودنا إلى نتائج خاطئة ومواقف غامضة وتفسيرات ليست بالضرورة سليمة ولا صحيحة، وقد كنا نتندر دائماً بأن الأطباء حين يعجزهم تشخيص مرض ما فإنهم يقولون إنه نوع من الحساسية، ونفس الأمر يحدث بين الساسة عندما يعوزهم التفسير الصحيح والتوصيف الدقيق لحدث معين أو موقف ما فإنهم يقولون إنها مؤامرة، فعلى وزن "الحساسية الطبية" تأتى "المؤامرة السياسية"، ونحن مغرمون فى هذا الجزء من العالم بإلقاء التبعة دائماً على ذلك التفسير الغامض للتاريخ والذى نراه فقط سلسلة من المؤامرات فى إطار متغير تستعيد فيه الأحداث سياقها مرة بعد أخرى، ونحن نردد فى ارتياح (إنها مؤامرة كبرى) دون أن نفطن إلى أن مثل هذا التفسير النمطى يعدم روح المبادرة وينفى القدرة على تغيير مسار الأحداث، والاكتفاء فقط بالبكاء على الأطلال والحزن على اللبن المسكوب.. إن المؤامرة موجودة، ولكن ذلك لا يبرر التفسير التآمرى لكل الأحداث.