تم إحكام السيطرة على مصر ولكنه خطأ تاريخى ودهاء مفضوح، فعلى مر سنوات مضت فقد تم بناء منظومة متدرجة للسيطرة، عنوانها الدهاء ولكنه مفضوح، ومع اكتمال هذه السيطرة تم سد كل منفذ للتغيير وتداول السلطة سلميا ولم يفلت إلا منفذ واحد خارج الحسابات بطبيعته، وهو منفذ العنف الجماعى غير المنظم الذى يمكن أن تشعله شرارة من الأحداث فتندفع مئات الآلاف لتشارك بتلقائية، وهذا الخطأ التاريخى سيتحمله حينها أصحاب الدهاء المفضوح ومن وافقوهم، لأن النتيجة ستكون مدمرة على مصر وعلى كل منا. قامت منظومة السيطرة على فكرة محورية وهى أنه لا مشيئة إلا المشيئة الرئاسية، وأن يتم الالتفاف حول منظومة توازن السلطات وتفريغها من كل محتوى تم رص مكونات هذه المنظومة بدءا من الدستور نفسه التى ركزت سلطات هائلة فى يد الرئيس وحده وحصرت فرصة الترشح لرئاسة الجمهورية فى حدود مشيئة الرئيس ولعدد المرات التى يحددها هو. لتنفيذ المشيئة الرئاسية تم تأمين الأدوات الآتية وهى الأغلبية الساحقة بمجلس الشعب ويقوم الحزب الوطنى بتأمين ذلك بأسلوب ميكيافيللى بحت وبدون خجل من أى وسائل تستخدم لتأمين الهيمنة المطلقة للرئاسة، وثانيها الاستحواذ على الإعلام الحكومى، خاصة التليفزيون الأرضى الذى يدخل إلى كل منزل فى مصر، وثالثها جهاز مباحث أمن الدولة والأصح أمن النظام. لا يسعنا إلا التعجب من عدم الحياء عندما يتم الإشارة لنظام مصر بالديمقراطى ولعدد الأحزاب كعلامة على ذلك، والمضحك أن الجميع داخل مصر وخارجها يعرف الحقيقة وهى أن كل عناصر الحياة السياسية هى ديكور فى الأساس وأن الحقيقة الوحيدة الفاعلة حقا هى المشيئة الرئاسية بأدواتها. يحاول الناشطون من أجل الحرية من المصريين فى سبل شتى الفكاك من هدا الحصار، هذه المحاولات يجب ألا نسمح بأن يوقفها اليأس أو روح الانهزام، بل يجب أن نشجعها ونشجع المبدعين بدلا من السخرية من محاولاتهم وأفكارهم. لنقف مترابطين ندفع معا جهود بناء الديمقراطية الحقيقية، لابد من إيجاد الطريق نحو إنقاص السلطات الهائلة لرئيس الجمهورية التى هى أساس للسطوة الشاملة للمشيئة الرئاسية التى تحرك كل الخيوط من أمام الستار أو من خلفه التى فرغت مبدأ توازن السلطات من معناه. إن تجميع هذه السلطات الجبارة فى يد رئيس الجمهورية قد تأسس بمواد الدستور وبمقتضى هذه الصلاحيات أصبحت بلدنا بلد الرجل الأوحد ومن حوله ديكور ديمقراطى ومؤسسات تدور فى فلك الرجل الواحد، وضاع التوازن بين السلطات ووصلت أحوالنا كشعب إلى ما نحن فيه وبدلا من أن تنهض مصر نعرف جميعا أنها تخسر السباق. إن التقدم والانطلاق يعتمدان على شعب يشارك فى بناء النهضة ويختار حكامه ويراقبهم ولا مشاركة ولا مراقبة إلا بالديمقراطية وأكبر عائق أمامها هى المشيئة الرئاسية المهيمنة على كل الخيوط التى ترسم تفاصيل أوضاعنا الحالية. فلنطالب بتغيير الدستور الذى يؤسس لهذه المشيئة المهيمنة ولنبدع فى سبيل هذا الهدف ولنتسلح بالعزيمة ولنرفض الانهزام فمن معى على هذا الطريق. * أستاذ بطب القاهرة