- السيد المستشار.. رئيس محكمة النقض.. ورئيس مجلس القضاء الأعلى.. - القضاة الأجلاء.. - السيدات والسادة.. "يسعدنى أن أتحدث إليكم من منبر دار القضاء العالى.. صرح عريق لقضاء مصر وقضاتها.. ورمز شامخ لسيادة القانون وهيبة القضاء، تشهد قاعات هذا المبنى على المكانة الرفيعة لسدنة العدل والرسالة السامية التى يحملون أمانتها، تتردد فى جنبات هذا المبنى أصداء تاريخ مشرف لقضاة أجلاء لا سلطان عليهم غير القانون، ولا رقيب عليهم سوى الله والضمير، تقيم أحكامهم العدالة وترفع المظالم وتعيد الحقوق لأصحابها. "وكما تذكرون فقد تحدثت من منبر المحكمة الدستورية العليا شهر مارس الماضى بمناسبة الاحتفال بمرور أربعين عاما على إنشاء قضاء مصر الدستورى، وقد حرصت اليوم على مشاركتكم الاحتفال باليوبيل الفضى لعودة مجلس القضاء الأعلى إدراكا لما تحمله هذه المناسبة من دلالات مهمة للقضاء المصرى الشامخ، وتأكيدا لما نحمله جميعا من مشاعر التقدير والتوقير لصروحه العظيمة وقضاته الأجلاء". الإخوة والأخوات.. "لقد حاز القضاء المصرى - مصداقيته ومكانته - عبر مسيرة طويلة وتاريخ عريق منذ بدء التقاضى أمام المجالس الأهلية عام 1875، وإنشاء المحاكم الأهلية عام 1883."شهد عام 1931 علامة هامة على طريق هذه المسيرة عندما أنشئت محكمة النقض لتوحيد المبادىء القانونية وتحرى الدقة فى الأحكام النهائية، تعاقبت على هذه المحكمة الجليلة أجيال من خيرة القضاة علما وعملا وأكملهم خلقا وأحسنهم تقديرا، كما تعاقب على رئاستها نخبة من أبناء مصر كان أولهم القاضى الجليل المغفور له عبد العزيز باشا فهمى الذى تحمل اسمه هذه القاعة تخليدا لعطائه وذكراه. "سيبقى هذا التاريخ العريق للقضاء المصرى رمزا لما حققته مصر المعاصرة منذ القرن التاسع عشر، وسيظل محلا لمشاعر المباهاة والاعتزاز الوطنى لشعبها، وكما تعلمون فلقد حرصت منذ تحملى المسئولية على استقلال القضاء وتمسكت بأن أنأى به عن أية شبهة للتأثير على أحكامه أو مظلة للتدخل فى شئونه وأعماله". "وإننى إذ أشارككم احتفال اليوم أعتز كل اعتزاز بالقانون الذى صدر فى سنوات ولايتى الأولى عام 1984، فأعاد مجلس القضاء الأعلى بعد غياب استمر خمسة عشر عاما وأزال آثار المحنة التى تعرض لها القضاء المصرى عام 1969، عاد هذا المجلس بتشكيل خالص من شيوخ القضاة دون مشاركة من أية سلطة أخرى ليضع أمور القضاء بين أيديهم ولتكون شئون القضاة مسئولية شيوخهم. "كنت مدركا - آنذاك - لمطالبة قضاة مصر بعودة هذا المجلس الموقر وكنت مؤمنا - ولا أزال - بأن عودته هى انتصار لاستقلال القضاء وضمان لحصانات القضاة. "نعم إننى إذ أعود بالذاكرة لخمسة وعشرين عاما مضت أعتز كل الاعتزاز بأن مجلس القضاء الأعلى لم يعد لممارسة دوره فحسب، وإنما عاد باختصاصات تفوق ما كانت عليه فى ظل القوانين المتعاقبة للسلطة القضائية، عاد المجلس بحصانات أقوى للقضاة امتدت لتغطى أعضاء النيابة العامة ولأول مرة منذ إنشائها عام 1883. "حرصت على ذلك آنذاك إيمانا بأن النيابة العامة تمثل شعبة أصيلة من السلطة القضائية لا ينبغى التأثير عليها أو المساس بحيدتها، كما حرصت على أن تمتد حصانة عدم جواز عزل القضاة لتشمل النائب العام باعتباره الأمين على إقامة الدعوى العمومية نيابة عن الشعب فى خطوة لا نكاد نرى لها مثيلا فى أعرق النظم القضائية بالدول المتقدمة، تضفى على هذا المنصب الرفيع الصفة القضائية الخالصة، تضمن استقلال النيابة العامة، وتستكمل دعائم سيادة القانون. "وكما تذكرون فقد واكبت عودة مجلس القضاء الأعلى عام 1984 عودة المجلس الخاص لمجلس الدولة وعودة مماثلة لمجالس سائر الهيئات القضائية ترسيخا لاستقلالها وحماية لحصانة أعضائها". " لم تكن عودة هذا المجلس الموقر نهاية المطاف، فلقد خطونا خطوة كبيرة عام 2006 نحو المزيد من تدعيم استقلال القضاء بتعديل مهم لقانون السلطة القضائية عزز من قوة هذا المجلس واختصاصاته، جعل رأيه إلزاميا - وليس استشاريا - فى كل ما يتعلق بشئون القضاء والنيابة العامة، كما قرر - ولأول مرة - ميزانية مستقلة للقضاء والنيابة العامة يتولاها المجلس ويباشر بشأنها صلاحيات الوزراء. القضاة الأجلاء.. الإخوة والأخوات.. "لقد أرسى الدستور المصرى مبادىء الفصل بين السلطات وخضوع الدولة للقانون واستقلال القضاء وحصانته، وقد عززت التعديلات الدستورية عام 2007 هذه المبادئ فأكدت مفهوم المواطنة، وتساوى المواطنون أمام القانون فى الحقوق والواجبات بما فى ذلك الحق فى التقاضى. "إن استقلال القضاء ليس منحة من أحد أيا كان، وإنما هو ركيزة أساسية من ركائز دستورنا ومجتمعنا، ومنهج فى الحكم ألتزم به عن إيمان ويقين، وأقول لكم بكل الصدق، إننى حريص كل الحرص على استقلال القضاء، إلا أن الحفاظ على استقلال السلطة القضائية، لا يكون فى مواجهة غيرها من السلطات فحسب، وإنما يتعين الدفاع عنه فى مواجهة أى تهديد لحياد القضاء ونزاهته وأى تصرف ينال من تجرد قضاته ومصداقيتهم. "إننى أستحضر المعانى العظيمة لكلمة عبد العزيز باشا فهمى فى احتفالية افتتاح محكمة النقض عام 1931، وأثق أن القضاء المصرى بتراثه القانونى الراسخ وخبرات شيوخه وفقهائه، قادر على التفاعل مع معطيات مجتمعنا دون التعرض لما ينال من هيبة قضاتنا ورصانتهم ومكانتهم الرفيعة وبعيدا عن أية انحيازات عقائدية أو سياسية، أو أية مصالح ضيقة لأفراد أو جماعات. "إن الحكمة تقتضى أن تظل شئون القضاء بيد القضاة، ولا يصح أن تكون محلا لتناول الإعلام، أو مسرحا للتنابذ والاختلاف خارج نطاق مجالس القضاة وهيئاتهم القضائية، بالمخالفة لتقاليد عريقة وراسخة تحفظ للقضاء هيبته وللقضاة كرامتهم ووقارهم، وتعزز ثقة الشعب فى هذا الصرح المصرى الشاهق وأبنائه الأجلاء. "أقول ذلك من موقع الاعتزاز بقضاء مصر وقضاتها، وما أحمله من التوقير والاحترام للمنصة العالية للقانون بهيبتها وجلالها. القضاة الأجلاء.. "سيظل قضاء مصر حصنا للعدالة والدستور، وسيظل قضاته - موقعهم الرفيع - موضع فخر واعتزاز المصريين. "لقد أسعدنى - بحق - أن ألتقى بكم اليوم وأن أشارككم هذه الاحتفالية المهمة.. تكريما لهذا المجلس الجليل وشيوخه ولقضاء مصر الشامخ وقضاته. "إن قضاة مصر يحملون رسالة العدل، يبذلون قصارى الجهد بوحى من ضمائرهم مستلهمين ما أرسوه من تقاليد راسخة وقيم ومبادئ رفيعة يأتمنهم أبناء الشعب على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، ولا يزالون مضطلعين بهذه المسئولية بصدق وأمانة، يستوى أمامهم الغنى والفقير والقوى والضعيف فالكل سواسية أمام منصات قضائهم وأمام القانون. تحية لمجلس القضاء الأعلى.. ولدوره ورجاله. تحية لمحكمة النقض.. وشيوخها الأجلاء.. من رحل منهم ومن تقاعد.. ومن يواصل العطاء. تحية لقضاء مصر العظيم.. وتحية لقضاته.. سدنة العدل والقانون. لكم جميعا صادق تقديرى وتمنياتى،، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،