نقلا عن اليومى.. للفنون الجميلة فى نفوس المصريين أثر كبير ممتد منذ العصور القديمة حتى اللحظة، فالمعابد الفرعونية تضج بلوحات وتماثيل تؤكد أن الشعب المصرى مفتون بالفن وقادر على صناعة الخيال الساحر. لذا لا عجب أن يسعى المصريون بعد أن تخلصوا من الإرث المتخلف للعثمانيين والمماليك، ومع انطلاق عصر النهضة على يد محمد على، إلى الاهتمام بالفنون بجانب العلوم والآداب، فبادر الأمير يوسف كمال – أحد أفراد الأسرة المالكة – إلى إنشاء مدرسة للفنون الجميلة فى عصر الخديو عباس حلمى الثانى، إذ تم افتتاحها فى 12 مايو 1908 فى شارع درب الجماميز بالسيدة زينب، أى قبل افتتاح الجامعة المصرية بوصفها جامعة أهلية فى 21 ديسمبر 1908. وفى أكتوبر من العام نفسه ألحقت المدرسة بإدارة التعليم الفنى التابع لوزارة المعارف حتى عام 1923، ثم نقلت من درب الجماميز إلى مكانها الجديد بميدان السيدة زينب واستقر الأمر حتى عام 1927، حيث أنشأت وزارة المعارف العمومية المدرسة التحضيرية للفنون الجميلة وألغت مدرسة الفنون الجميلة المصرية. وبشروق شمس 1928 تطورت مدرسة الفنون الجميلة وظهرت بثوبها الجديد واختير لها مقر مرموق يليق بمنزلة الفن والفنانين فى فيلا بشارع خلاط بشبرا رقم 11، وأطلق عليها اسم مدرسة الفنون الجميلة العليا وسرعان ما تغير اسمها إلى المدرسة العليا للفنون الجميلة، ثم نقلت فى أغسطس 1931 إلى 91 شارع الجيزة، وفى سبتمبر 1935 نقلت إلى مكانها الحالى بشارع إسماعيل محمد رقم 6 بجزيرة الزمالك بالقاهرة، وكانت سنوات الدراسة بها أربع سنوات دراسية حتى عام 1937 حين صدر مرسوم بإضافة سنة إعدادية لتصبح مدة الدراسة خمس سنوات. وكان القبول مقتصرا فقط على حاملى شهادة إتمام الدراسة الثانوية أو المدرسة التحضيرية، وذلك بعد اجتياز اختبارات القدرات بنجاح، وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 تعدل اسمها إلى كلية الفنون الجميلة، وضمت إلى وزارة التعليم العالى سنة 1961 بعد أن كانت تتبع وزارة التربية والتعليم، ثم ألحقت بجامعة حلوان فى أكتوبر 1975. فى البداية كان المدرسون والمحاضرون الأوائل للفنون الجميلة من الفرنسيين والإيطاليين وظل العميد أجنبيا حتى معاهدة عام 1936 التى نصت على تمصير الوظائف ليحل محلهم مدرسون مصريون، وكان لخريجيها الأوائل الفضل على السينما المصرية والمسرح وتصميمات الديكور، فأحدثوا طفرة مذهلة فى عالم الفنون من الديكور والنحت والرسم بالألوان والتصوير الضوئى. الرائد مختار جاء محمود مختار صاحب تمثال نهضة مصر باعتباره أبرز خريجى الكلية، والذى ولد بقرية طنبارة بالمحلة الكبرى فى 10 مايو 1891 وعشق الفن منذ نعومة أظافره حيث تأمل الحقول والترع والجداول واستطاع أن يرسمها ولكن سرعان ما لفت انتباهه الطين فأخذ يجسد منه مناظر من البيئة المحيطة مثل الدواب والجرار الزراعى حتى أتم تعليمه، وفى عام 1908 التحق بمدرسة الفنون الجميلة وكان أول طالب بها وفى سنة 1911 بعد أن كانت موهبته ساطعة للأساتذة الأجانب قرر الأمير يوسف كمال سفره إلى باريس لإكمال مشواره الفنى فى التعليم، وأعجب «جيوم لا بلانى» بموهبته وتميزه الفنى، فدخل مختار مدرسة الفنون الجميلة الفرنسية (Ecole des Beaux Arts)، واللافت للانتباه أنه تفوق على زملائه الفرنسيين فعين مديرا لمتحف جريفين، والمثير للدهشة أن هذا المنصب لم يتقلده من قبل أى شخص عربى. وفى معرض الفنانين الفرنسيين 1920 عرض مختار نموذجا لتمثاله الشهير نهضة مصر ونال عليه شهادة الشرف من القائمين على المعرض، ذلك التشريف جعل بعض المفكرين البارزين يحثون على إقامة التمثال فى أحد ميادين القاهرة الكبرى، حتى تحقق الحلم وأزيح الستار عن تمثال «نهضة مصر» يوم 20 مايو 1928 أمام محطة السكك الحديدية بالقاهرة ليكون فى استقبال الداخلين إلى العاصمة ثم انتقل عام 1955 إلى مكانه الحالى مطلا على نهر النيل قريبا من جامعة القاهرة أمام حديقة الحيوان بالجيزة ليخلى مكانه لتمثال رمسيس.