تابعت بكل أسى خلال الفترة الماضية قضية النقاب وما أثير حولها من جدل كبير ومناظرات، وأقول بكل أسى لأننى أعتقد، وقد يتفق معى البعض، أن هذه القضية لم يكن هناك داع أن تأخذ كل هذا البعد، ولكن كما هو متبع ومعتاد فى مصرنا المحروسة، نحن نعشق الكلام والجدال والنقد ....الخ وفى النهاية بعد أن ننهل ونشبع من الكلام ينتهى الموضوع وكأن شيئا لم يكن، ثم نذهب لموضوع آخر أشد إغراءً ليكون موضوع الساعة... أما عن الموضوع القديم فيوضع فى طى النسيان إلى أن تأتى حادثة ما تظهره على السطح من جديد لتبدأ الدورة مرة أخرى بالصياح والجدال والخلاف والمناظرات على القنوات الفضائية...الخ ثم لاشىء!! لا أحد يسمع للآخر، لا أحد يستفيد من هذه الحوارات حقاً، كل فى واديه مقتنع تماماً برأيه وليس عنده أدنى استعداد أن يغير من موقفه أو يعدله حتى تتقارب وجهات النظر ولو قليلاً، والأدهى من ذلك أن كل طرف قد ينظر للآخر بمنتهى الرفض كأنهم أعداء لا سمح الله! والنتيجة هو المزيد من العند والإصرار لتبقى المشكلة كما هى بل قد تزداد الامور سوءاً فى بعض الأحيان، يا لها من حياة ... وحقيقة أنا لست مع أو ضد النقاب، اعترف أننى ربما ينتابنى شعور بعدم الراحة قليلاً لعدم رؤية وجه من تحدثنى أو من تتواجد معى فى نفس المكان بهذا الزى و كنت لا استسيغه حينما بدأ فى الظهورلنفس السبب، ولأنه كما قال العلماء ليس فرضاً أو لعله أصبح الآن من الأمور الخلافية التى كثرت فى هذا العصر لتزيد من صعوبة الحياة، ولكننى كنت وما زلت فى نفس الوقت أشعر بنوع من الحب والاحترام تجاه المنتقبة لأننى أتصور وأتوسم فيها أن تكون أشد منى قوة وإيمانا ولأننى أتصور أن من ترتدى هذا الزى من المفترض أن تكون مثالا يحتذى فى الأخلاق والعبادات فإذا كانت كذلك فطوبى لها ... وبغض النظر عن كل ما سبق وعن مشاعرى المتضاربة تلك، فأنا أحترم كل المنتقبات كما أننى مع الحرية بوجه عام، حرية الملبس وحرية المعتقد ... الخ ولكن بشرط ألا تكون ممارسة الحرية قد تضر من قريب أو بعيد أى مخلوق أياً كان على وجه الأرض. وعلى هذا فحينما أعلم أن بعض السيدات (غير المنتقبات) والرجال أيضاً يستغلون هذا الزى ويرتدونه لإخفاء هويتهم وخطف الأطفال الأبرياء مثلاً أو لارتكاب أى عمل آخر غير أخلاقى أشعر بالقلق و الانزعاج الشديدين ... لأنه فى هذة الحالة تصبح عندنا ببساطة مشكلة أمنية... وعليه، فإن التعامل مع مثل هذا الموضوع يجب أن يكون بمنتهى الحكمة والحرص حتى لا نؤذى ونحن نتخذ الإجراءات الأمنية التى من شأنها أن تحمى المجتمع ككل مشاعر وإنسانية وآدمية قطاع من المجتمع أصبح اليوم له تواجد وحضور وهو فى تزايد مستمر ومن يتخيل عكس ذلك فلينزل إلى الشارع ليرى بنفسه. وأعتقد أن تناول هذا الموضوع بعصبية وهجومية وتشدد لن يأتى إلا بنتائج عكسية، كما أعتقد أن الدعوة إلى أى فكرة أو موضوع يجب أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة القوية تأسيا بالرسول عليه أفضل الصلاة و السلام، وهذا هو الدور الذى يجب أن يلعبه رجال الدين فى مصرنا الحبيبة، فإذا كان رجال الأزهر يعتقدون أن النقاب ليس فرضاً فعليهم أن يسألوا انفسهم، لماذا هذه الفجوة بينهم وبين المجتمع (كل المجتمع سواء من المتشددين أم من المتساهلين)، لماذا هم منفصلون عن الناس؟ ما السبب فى انتشار هذة الظاهرة، وأين كانوا وغيرهم يروج لها؟ لقد جرتنى تلك القضية جراً إلى التفكير فى قضية أخرى ليست عنها ببعيد وإن كانت أكثرشمولية، وهى قضية الخلاف فى الرأى وعدم قبول الآخر، وللحديث بقية...