نقلاً عن اليومى.. ليس مصادفة أن نرى اليوم فى كثير من معارض الفنانين التشكيليين بعد ثورة 25 يناير 2011 عودة قوية إلى استلهام واقع الحياة الشعبية، وإلى استرجاع روح الحضارة المصرية القديمة وملامح فنونها العبقرية فى أعمالهم الفنية.. لقد فجرت الثورة ينابيع الانتماء الوطنى فى جوانحهم، كما فجرتها فى جوانح ملايين المصريين فى كل مكان، ورأينا المظهر الرمزى لهذا الانتماء فى تسابقهم على اقتناء العلم المصرى والتلويح به فى المظاهرات بكثافة منقطعة النظير، وتثبيته على شرفات بيوتهم وعلى ملابسهم. وهذا النهل من روح الشعب وروح الحضارة المصرية ليس وليد ثورة يناير فحسب، بل إنه لصيق بكل الثورات المصرية منذ ثورة 1919 فهو يتجلى فى أعمال النحات محمود مختار والرسامين محمد ناجى وراغب عياد وغيرهم، كما يتجلى - بعد ثورة 1952 - فى أعمال كوكبة رائعة من فنانى الخمسينيات والستينيات، عاشوا حقبة التحرر الوطنى والعدالة الاجتماعية وشموخ العزة والكرامة، مثل أعمال الرسامين عبدالهادى الجزار وحامد ندا وحامد عويس وتحية حليم وإنجى أفلاطون وعفت ناجى وجاذبية سرى، وحامد عبدالله، والنحاتين أنور عبدالمولى وجمال السجينى وأحمد عثمان وغيرهم. ويستمر استلهام روافد الروح المصرية من ينابيع الحياة الشعبية والحضارة القديمة مع مسيرة أجيال الحركة الفنية، عبر أعمال عشرات المبدعين فى كل مجال، ثم يخفت ذلك حتى يكاد يتلاشى فى فترات الركود الوطنى وما يلازمها من شحوب روح الانتماء والاعتزاز بالهوية المصرية والحنين إلى منابعها الأصيلة، وقد تجلى ذلك فى أعمال النسبة الغالبة من الفنانين الشباب منذ الثمانينيات من القرن الماضى، فامتلأت معارضهم وصالونهم السنوى بالتجارب الفنية النيِّئة، وهم يلهثون لمحاكاة أساليب الفن الغربى المأزومة، والصادمة للأبصار والمشاعر، إلى حد التلذذ أحياناً بممارسة الصدمة والسخرية واللامعنى والعبث، من خلال استخدام أحط الخامات وأغرب الأساليب، وقد تلاشى لدى بعض الشباب الحس بالتراث الحضارى والشعبى وبالقيم الإنسانية، بل تلاشى لديهم حتى الاكتراث بآراء الجمهور الذى تقدم إليه هذه الأعمال، وكان ذلك يحظى بتشجيع هائل من المسؤولين الرسميين عن الثقافة والفن، بجوائز تصل قيمتها إلى أضعاف قيمة جوائز الدولة التقديرية فى الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية! من هنا سعدت للغاية بمعرفة الرسام - المصور ومعرضه عادل ثروت «48 سنة» المقام حالياً بقاعة «الباب» بساحة دار الأوبرا، الذى تتوهج لوحاته بنور مدهش ينبع من داخلها، ومن وراء شخصياتها التى تبدو وكأنها بعثت من فوق جدران المعابد والمقابر المصرية القديمة، لكنها اكتست بأزياء عصرية ونفذت بتقنيات حديثة، وبألوان مبهرة ناصعة وإن لم تتخل عن طابع الجدران الأثرية العتيقة، صفوف الفتيات سامقات الأجسام قصيرات شعر الرأس واقفات أو جالسات، باذخات الأنوثة فى احتشام، يعكسن طابع البيئة الشعبية، تقابلهن صفوف ضاربى الدفوف وعازفى الرباب، فى مواجهة ثور أسود مسنون القرون يحاول هدم الفرح والحضارة، لا أريد إجراء إسقاطات سياسية لذلك الرمز على ما تشهده البلاد اليوم من إرهاب، فليستقبل المشاهد ما يراه كيفما شاء. هكذا أفلت أحد نجوم صالون الشباب فى عهد مبارك من غيبوبة الفنان عن واقعه وميراثه الحضارى فى زخم الثورة الجياش، وها هو يشارك فى بناء ما انقطع من جسر التواصل بين الفنان والشعب.