وعت عيناى منذ الصغر على مشاهد فى الشارع المصرى تتكرر تكراراً لا تغيير فيه حتى يومنا هذا.. ضمن هذه المشاهد: أن نكون سائرين فى أمان الله فنجد فجأة حالة هرج ومرج وأناس تجرى فى كل اتجاه وبائع يترك بضاعته فى عرض الشارع ويسرع عدوا وكأنه يسابق الريح.. وقبل أن نستوعب ما يحدث، وقبل إجابة سؤالنا المرتعد: "هو فيه إيه؟".. نجد الإجابة أمامنا متجسدة فى مجموعة من العسكر ومعهم أحد الضباط يمرون بعربة نقل كبيرة يلتقطون فيها سريعاً كل ما تطاله أيديهم سواء بشر أو ممتلكات لهؤلاء الباعة الجائلين.. ثم عدة دقائق أخرى وتهدأ الحالة ويعود الشارع إلى حركته العادية ولكن تظل جمل السخط تتردد، والدعاء إلى الله بأن ينتقم من الظلمة.. ومن الحكومة ال........... مشهد آخر.. أن نكون راكبين "الميكروباص" الذى لا يزال يقف فى الموقف وإذا ببعض العسكر أيضاً يأتون إلى السائق الذى يعرفهم جيدا.. فيأخذ فى "البرطمة" حين يلمحهم متجهين نحوه يطلبون منه أن ينزل الزبائن أى "نحن"، وهنا تتعالى صيحات الاستجداء من السائق ويأخذ فى ترديد كل أنواع "الحلفان" بأنها أول "فردة" له.. بمعنى أنه فى بداية يوم عمله ولكن مهما تعددت "الحلفانات" والاستجداءات فإن "الباشا" أو سيادة الضابط يأخذ الميكروباص فى مهمة رسمية للحكومة.. وننزل من جديد لنعانى الأمرين حتى نجد ميكروباص آخر.. أيضاً وسط سباب الأفراد أو لنقل المشاهدين الذين فرض عليهم هذا المشهد اليومى المتكرر.. ذلك السيناريو الذى يتكرر بحذافيره يدفعنى دفعاً للتساؤل عدة أسئلة بريئة جداً.. والله وهى: بعد كل هذه السنوات لم يتب الباعة الجائلون عن وقفتهم الممنوعة ولم تمل الحكومة من مطاردتهم.. ألم يتفتق ذهن أى شخص داخل هذه الحكومة أو وزارة الداخلية بالتحديد عن وسيلة ما.. ترضى جميع الأطراف سواء البائع أو المشترى الذى بالتأكيد وجوده هو الذى يدفع هؤلاء الباعة إلى مغامرة المطاردة اليومية وليكن ما يكون.. أم أن هناك أسبابا أخرى تجعل من منع تكرار هذا المشهد أمرا مستحيلا؟ هل كل هذه السنوات لم يتوفر فى جيب الحكومة أو وزارة الداخلية ثمناً لميكروباص أو حافلة تستطيع من خلالها نقل عسكرها ليقوموا بحملتهم المطلوبة منهم بدلا من ضياع هيبة الحكومة أمام سائقى الميكروباص وأمامنا نحن الراكبين.. فحتى لو تصوروا هم أنهم بهجمتهم الجريئة على الميكروباص يشيعون الخوف والفزع وهذا يحدث بالفعل، لكنه لا يصنع هيبة أو احترام للدولة وأمنها وأخيرا.. هل تحدث المعجزة ذات يوم.. ونجد أناس يتعاطفون مع أجهزة الدولة ويتعاونون معها دون أن تصدر منهم عبارة: منك لله ياحكومة؟!