أكد الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجرى، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة –إيسيسكو- أن الحفاظ على اللغة العربية واجبٌ ومسؤولية ورسالة وضرورة تحتّمها طبيعة المواجهة مع التحديات المختلفة التى تستهدف الهوية الوطنية من الأساس، كما تفرضها متطلبات دعم التنمية الشاملة المستدامة التى من شروطها الموضوعية سلامة الجبهة الداخلية، بإشاعة روح الانسجام والتناغم والتوافق والتلاؤم والتوازن، ونشر ثقافة التعايش والحوار والاحترام المتبادل للخصوصيات الثقافية والحضارية، وقبل ذلك كله، الاحترامُ للمقتضيات القانونية الواجبة النفاذ. وقال فى كلمة له ألقاها فى افتتاح المؤتمر الوطنى الأول للغة العربية صباح اليوم فى المركب الثقافى فى حى أكدال فى الرباط، إن العناية باللغة العربية من الجوانب كافة لا تعنى عدم الاهتمام باللغات الحيّة وتجاوزها، ولا تهميش اللغات الوطنية وإهمالها، مشيرًا إلى أن تعليم اللغات الحيّة ضرورة حياتية ومعرفية، والحفاظ على اللغات الوطنية واجبٌ ومسؤولية وغنىً ثقافى ومصدرٌ كبير من مصادر الإبداع والإمتاع، موضحًا أن توهّم الصدام بين اللغة العربية وغيرها من اللغات، أمرٌ لا يستند إلى فهم سليم لوظيفة اللغة وعلاقتها بمحيطها المباشر والعالم من وراء ذلك. وقال إن الانتصار للغة العربية ليس تعصبًا قوميًا ولا انغلاقًا حضاريًا، فكل الأمم والشعوب تحتفى بلغاتها وتهتم بها وتحوطها بكل عناية ورعاية. ومشيرًا إلى الحديث الذى رُوى عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليست العربية بأحدكم من أب ولا أم وإنما هى اللسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي". وقال إن هذا الحديث وإن كان فى سنده ضعف، هو دليل واضحٌ على عالمية اللغة العربية وبُعدها عن القومية الضيقة والتعصب المذموم. وذكر أن الهدف السامى الذى وضعه الائتلاف الوطنى من أجل اللغة العربية لهذا المؤتمر، وهو: (نحو استراتيجية وطنية للنهوض باللغة العربية) ينسجم تمامًا مع المبادرة التى أطلقتها الإيسيسكو منذ سنوات، والهادفة إلى عقد مؤتمر قمة عربية يخصص لقضايا اللغة العربية دون غيرها من القضايا. مشيرًا إلى أنه جدد باسم الإيسيسكو فى الملتقى العالمى لخدمة اللغة العربية الذى عقد فى الأسبوع الماضى فى العاصمة التونسية، توجيه النداء إلى جامعة الدول العربية لتبادر بالدعوة إلى عقد مؤتمر قمة عربى يخصص للغة العربية، وليس لأى قضية أخرى. وقال بهذا الخصوص: « لقد بُنِى هذا النداء على أساس أن اللغة العربية تواجه اليوم تحديات كثيرة، خصوصًا من بعض أبنائها الذين يناصبونها العداء ويحاربونها ويعملون بشتى الوسائل على إقصائها، والإساءة إليها، وهى لغة القرآن المجيد والتراث الثقافى الضخم للأمة العربية الإسلامية». وذكر أن مبادرة الإيسيسكو قد انطلقت من الشعور المخلص بأن بعض هذه التحديات ناشئ من الداخل، وليس آتيًا من الخارج، وصدرت عن الاقتناع العميق بأن المواجهة الصحيحة لهذه التحديات تتوقف على الإرادة السياسية الواعية والمصمِّمة والمؤمنة بأهمية اللغة الوطنية فى تقوية اللحمة الوطنية، والحفاظ على أحد مقومات الهوية، وفى تحقيق الاستقرار اللغوى الذى هو من دعائم استقرار المجتمعات على جميع المستويات. واستطرد المدير العام للإيسيسكو قائلا ً: « وبعد أن تَنَامَى الوعى العام بأهمية التحرك لمواجهة هذه التحديات، خصوصًا بعد أن أصبحنا نحتفل كل سنة مع العالم كله، باليوم العالمى للغة العربية، أرى أن الظرف مناسب تمامًا لأجدد، وباسم الإيسيسكو، ومن فوق هذا المنبر، وانطلاقًا من هذا البلد الكريم الغنى فى ثقافته، العريق فى حضارته، هذا النداءَ المخلصَ لعقد قمة عربية حول اللغة العربية، يصدر عنها توجّه صادق بإرادة سياسية عليا لحماية اللغة العربية بالتشريعات واحترامها بالسياسات والاختيارات، وتجديد دمائها لتواكب مستجدات العصر وتقاناته». وأكد أن الهدف الذى حدّده المؤتمر بوضع استراتيجية وطنية للنهوض باللغة العربية وجعله شعارًا له، يعبّر أَوْفَى ما يكون التعبير، عن عمق الإدراك للمسألة اللغوية فى أبعادها ودلالاتها، التى باتت تشكل اليوم أحد التحديات الكبرى التى تواجه المجتمعات العربية.، موضحًا أن النهوض باللغة العربية يقتضى حمايتَها وتحصينَها بالوسائل التشريعية والنهوضَ بها وترقيتَها وتنميَتها. وقال: « وفى جميع الأحوال، فإن الأمر يتطلب الإرادة الواعية المدركة للأهمية القصوى التى تكتسيها المسألة اللغوية، بصورة عامة». وقال الدكتور عبد العزيز التويجرى: « لقد سبق لى أن أعلنت فى أحد المؤتمرات السنوية لمجمع اللغة العربية فى القاهرة، الذى يشرفنى أن أكون عضوًا مراسلا ً فيه، أن اللغة العربية قضية استراتيجية فى المقام الأول، لا تمسّ الأمنَ الثقافى والحضارى للأمة العربية فحسب، بل هى تمسّ سيادة الدول العربية وأمنَها العام واستقرارها واستقلالها الوطنى. وهى الفكرة المحورية التى عبرت عنها، وبالوضوح الكامل، فى عديد من مؤلفاتى. ذلكم أن اللغة ليست لسانًا فحسب، ولكنها وعاءٌ للفكر وللثقافة وللحضارة، وعنوان ٌ للهوية وللشخصية، وأحد مقوّمات الكيان الوطنى لكل مجتمع من المجتمعات الإنسانية». واختتم كلمته بقوله: « إن المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، إذ تدعم هذا المؤتمرَ وتحيى فى القائمين عليه غيرتَهم وإخلاصهم والعَملَ المنظم الذى يقومون به، تتمنى له كامل النجاح، وتتطلع إلى أن يكون فاتحة لسلسلة من المؤتمرات السنوية الهادفة إلى تعزيز مكانة اللغة العربية وتطويرها وإغنائها، فى إطار المواطنة الجامعة، والهُويّة الراسخة، والمنهج العلمى الرصين».