بحضور السفير الفرنسي.. افتتاح المكتب الفرانكفوني بجامعة القاهرة الدولية ب 6 أكتوبر    محافظ الغربية يطمئن على جاهزية المدارس قبل امتحانات الثانوية العامة    «الزراعة»: رفع درجة الاستعداد في 300 مجرز لاستقبال عيد الأضحى    «رجال الأعمال» تبحث تعزيز مشاركة القطاع الخاص في خطة وزارة الزراعة    أسعار السمك البلطي والبياض اليوم السبت 8-6-2024 في محافظة قنا    وزير المالية: نستهدف بناء اقتصاد أقوى يعتمد على زيادة الإنتاج المحلى والتصدير للخارج    وزيرة البيئة تلتقى ممثلى شركة تيتان مصر للأسمنت لبحث الفرص الاستثمارية    حزب الجيل يرحب بإدراج إسرائيل في القائمة السوداء: انتصار جديد    عاجل.. حسم مصير عقوبة إمام عاشور بفرمان حسام حسن    مصطفى شلبي: شيكابالا أفضل من محمد صلاح    «هيئة الدواء»: ضبط مخالفات دوائية في 7 محافظات بقيمة 30 مليون جنيه    الأولى على إعدادية الأقصر: "كان نفسي أرد تعب أهلي وحفظي للقرآن سر تفوقي" (صور)    وكيل الأزهر يتفقد لجان امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية بالقاهرة: «ما رأيته اليوم يبشر بمستقبل مضيء»    حفظ التحقيقات حول وفاة نقاش بالمنيرة    إصابة 6 أشخاص إثر انقلاب سيارة بالبحيرة    جوليا باترز تنضم إلى فريق عمل الجزء الثاني من فيلم «Freaky Friday»    التوقعات الفلكية لبرج الحمل في الأسبوع الثاني من يونيو 2024 (التفاصيل)    انطلاق فعاليات المؤتمر الأول للسنة النبوية بأكاديمية الأوقاف بأكتوبر    ارتفاع أعداد شهداء مدرسة تؤوى نازحين بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة ل41 شهيدا    اندلاع حريق كبير جراء قصف إسرائيلي لبلدة حولا حي المرج ووادي الدلافة في جنوب لبنان    صور.. بيان عاجل من التعليم بشأن نتيجة مسابقة شغل 11114 وظيفة معلم مساعد فصل    برلماني: ثورة 30 يونيو مهدت الطريق لتحويل مصر إلى دولة مدنية حديثة    بسبب ارتفاع درجات الحرارة.. تخفيض سرعة القطارات على معظم خطوط السكة الحديد    ضبط 449 مخالفة عدم ارتداء الخوذة وسحب 1059 رخصة خلال 24 ساعة    مدرب المغرب عن انفعال حكيمي والنصيري أمام زامبيا: أمر إيجابي    السير على خطى فابريجاس؟ رومانو: ليفركوزن يقترب من ضم مدافع برشلونة    كريم محمود عبد العزيز يشارك الجمهور فرحته باطلاق اسم والده علي أحد محاور الساحل الشمالي    بدأ بشخصية كشكش بيه.. أسرار ومحطات في ذكرى وفاة نجيب الريحاني(صور)    «الإفتاء» توضح فضل صيام عرفة    وزير الصحة يوجه بتكثيف الأنشطة الوقائية في المدن الساحلية تزامنًا مع قرب عيد الأضحى    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    النائب العام السعودي: أمن وسلامة الحجاج خط أحمر    أوكرانيا: عدد قتلى الجيش الروسي يصل إلى 517 ألفا و290 جنديا منذ بدء الحرب    رئيس فلسطين يرحب بدعوة مصر والأردن والأمم المتحدة لحضور مؤتمر الاستجابة الإنسانية بغزة    وزيرة التضامن: تقديم موعد صرف مساعدات تكافل وكرامة ل10 يونيو بمناسبة عيد الأضحى.. الصرف من خلال ماكينات الصراف الآلى بالبنوك ومكاتب البريد.. 41 مليار جنيه لدعم 5.2 مليون أسرة.. وغرفة عمليات لمتابعة عملية الصرف    الحكومة: إصدار وإعادة تفعيل 2796 كارت "تكافل وكرامة"    القاهرة الإخبارية: ليلة مرعبة عاشها نازحو رفح الفلسطينية بسبب قصف الاحتلال    فتح باب التقدم بمسابقة فتحى غانم لمخطوطة القصة القصيرة.. اعرف الشروط    افتتاح المكتب الوطني للوكالة الفرانكفونية بمصر في جامعة القاهرة الدولية ب6 أكتوبر (تفاصيل)    هل يجوز الادخار لحم الأضحية؟.. تعرف على رأي الإفتاء    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    نجم الأهلي يوجه رسالة قوية إلى محمد الشناوي    أزهري: العشر الأوائل من ذي الحجة خير أيام الدنيا ويستحب صيامها    بعد حادث وفاته..7 معلومات عن رائد الفضاء الأمريكي ويليام أندرس    حاكم دونيتسك الروسية: القوات الأوكرانية تكثف قصف المقاطعة بأسلحة بعيدة المدى    «الصحة» تستعد لموسم المصايف بتكثيف الأنشطة الوقائية في المدن الساحلية    الجيش الأمريكي يدمر خمس مسيرات حوثية وصاروخين وزورق في اليمن    من جديد.. نيللي كريم تثير الجدل بإطلالة جريئة بعد إنفصالها (صور)    مواعيد مباريات يورو 2024.. مواجهات نارية منتظرة في بطولة أمم أوروبا    «اهدى علينا شوية».. رسالة خاصة من تركي آل الشيخ ل رضا عبد العال    الفرق بين التكبير المطلق والمقيد.. أيهما يسن في عشر ذي الحجة؟    حاول قتلها، زوجة "سفاح التجمع" تنهار على الهواء وتروي تفاصيل صادمة عن تصرفاته معها (فيديو)    مفاجأة.. مكملات زيت السمك تزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية    بعد الزيادة الأخيرة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من المنزل    الإفتاء: الحج غير واجب لغير المستطيع ولا يوجب عليه الاستدانة من أجله    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف هبة راشد.. طريقة عمل الجلاش باللحم والجبنة    فريد زهران ل«الشاهد»: ثورة 1952 مستمدة من الفكر السوفيتي وبناءً عليه تم حل الأحزاب ودمج الاتحاد القومي والاشتراكي معًا    منتخب مصر الأولمبي يفوز على كوت ديفوار بهدف ميسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القمر أو السعادة أو الخلود

يقول كاليجولا، إمبراطور الرومان فى المسرحية العظيمة التى كتبها ألبير كامى: «الآن أنا على يقين بأن هذا العالم على النحو الذى وجد فيه غير محتمل، لهذا السبب فأنا أحتاج إلى القمر، أو إلى السعادة أو إلى الخلود.. شىء ما قد يبدو ربما شيطانيًا لكنه ليس من هذا العالم».
وألبير كامى- كما نعرف- واحد من الكتاب الوجوديين الذين يرون العالم وجودًا قائمًا بذاته، ليس للإنسان فيه قدرة على تجاوزه، بل العكس الإنسان فيه غريب منذ البداية إلى النهاية، فهو يولد دون إرادته، ويموت دون إرادته، وبين الحياة والموت يكون للآخرين الحظ الأوفر فى تسيير حياة الإنسان، مرغمًا فى كل الأحوال. فأنت تلبس ما يعجب الناس، وتفعل ما يرضيهم عنك، فالآخرون هم الجحيم، وليس أمامك من مساحة للحرية غير الجنون أو الانتحار. الوجودية فلسفة عظيمة رغم ما يبدو فيها من يأس، عبرت عنها من قبل أسطورة «سيزيف» اليونانية. ف«سيزيف» حكمت عليه آلهة الأولمب اليونانية أن يرفع صخرة إلى أعلى الجبل، لكنه حين يصل تسقط الصخرة، فيعود ليحملها من جديد، وهكذا لا يستطيع الفكاك مما كتبه له القدر. وربما أيضا كانت أسطورة «أوديب» تجليا لهذه الحياة المقررة علينا سلفا، فوالد أوديب، «لايوس»، ملك طيبة اليونانية، عرف من العراف الشهير لمعبد أبوللو أنه سيولد له غلام يقتله ويتزوج زوجته، أى أم الغلام، ومن ثم حين أنجبت «جوكاستا» طفلها منه، ربط أبوه «لايوس» قدميه وأعطاه لراع ليلقى به فى الغابة، لكن الراعى أشفق عليه وأعطاه لراع آخر فى قرية أخرى ليربيه. كبر «أوديب» وصار شابا ثم أخبر بحقيقته وأنه ليس ابنا للراعى، لكن وجدوه فى الغابة، فترك «أوديب» القرية ومشى فى الغابة ناويًا الذهاب إلى طيبة، قد يعرف له أصلًا. فى الغابة قابل شخصًا يقود عربة تجرها الخيول كاد يصطدم به، ونهره الرجل فلم يتحمل «أوديب» وقتله، وتركه مكانه، ومشى ليدخل طيبة فيجد على بابها وحشا - أبوالهول - يقول لأهل المدينة «فزورة» من لا يستطع حلها يقتله ويلتهمه. استطاع «أوديب» حل «الفزورة» فألقى الوحش نفسه من فوق الجبل فاحتفلت به المدينة، وزوجوه الملكة التى قتل عنها زوجها منذ قليل فى الغابة! بعد ذلك حط الطاعون على طيبة، وأعلن «تريزياس»، عراف معبد أبوللو، أن الوباء بسبب الخطيئة التى لا يعرفها أحد وتعيش بينهم. وبالطبع «أوديب» الملك الآن قرر أن يعرف، وفى نقاش مع «تريزياس» عرف منه أن الملك قتل بالغابة، وكان فوق عربته الملكية، فعرف «أوديب» أنه قاتله، وعرف «تريزياس» من «أوديب» أنه عثر عليه منذ زمن فى الغابة مربط القدمين، ورباه راع فى قرية قريبة، فعرف أنه ابن الملك المقتول، ومن ثم ف«جوكاستا» هى أمه، وهكذا تحققت النبوءة القدرية، وفقأ «أوديب» عينيه، ومشى هائمًا فى الجبال، وهذه قصة أخرى. المسرحية اليونانية بنت المجتمع العبودى الذى كان يحكمه السادة، ومن ثم كل شىء فيه مقدر سلفا، ولا أحد يستطيع تغييره أو التمرد عليه، شيئًا فشيئًا تغيرت هذه النزعة فى مسرحيات يوريبيدس وأرستوفان، لكن ظل القدر إلى حد بعيد هو المهيمن على المصائر. الوجودية ليست بنت المجتمع العبودى، على العكس ظهرت فى فرنسا، وقبلها فى نهاية القرن التاسع عشر عند كيركيجارد. وهذه بلاد رأسمالية تعرف الديمقراطية، وإن اختلفت تجلياتها. الوجودية فلسفة مثالية لها تفسير للوجود، ولما وراء الوجود، وللإنسان والمعرفة وغير ذلك مما تتناوله أى فلسفة، وما قلته من البداية هو إيجاز، وهو الذى يؤثر فى الأدباء، ويصل عند ألبير كامى إلى حد أن سوء التفاهم يصنع جرائم، مسرحية «سوء تفاهم».
فى مسرحية كاليجولا، الإمبراطور الرومانى يريد تحقيق الخلود، ومن ثم هو يريد أن يأتى بالقمر، وحين يقول أو السعادة أو الخلود فكلها تجليات لإمساك القمر، لأنه هكذا يكون مفارقًا للحياة البشرية وأعظم منها. ومسألة الخلود مسألة كبيرة فى التراث الإنسانى، ومن أكبر تجلياتها ملحمة جلجامش البابلية، لكن الوجودية فى النهاية متمثلة فى فيلسوفها الأكبر جان بول سارتر منعزلة عن القضايا الاجتماعية، ومن ثم عقد سارتر نفسه زواجًا بينها وبين الماركسية، وكتب كتابه «الأدب الملتزم»، وكان الوجوديون أول المتقدمين للدفاع عن فرنسا مع الماركسيين أمام الاحتلال النازى، على عكس ما يمكن أن يتصور أحد. لكن يظل حلم جلب القمر، حلم تحقيق المستحيل، حلم البشرية، ويمكن صياغته فى الثورات التى مرت عليها بعيدًا عن الفلسفة، فكلها تحلم بعالم سعيد، لكنها لا تصل إليه إلا بقدر تقدمها فى الثورة. الثورة الفرنسية رغم أنها كانت مواكبة لنشأة الرأسمالية ضد الإقطاع والملكية، فإنها تعثرت كثيرًا وعادت الملكية مرة أخرى، وحدثت ثورة ثانية عام 1830، وبعدها انتفاضات وثورات حتى صارت فرنسا منارة الحرية. أقول رغم أن الثورة الفرنسية جرت مع ظهور الرأسمالية، أخفقت كثيرًا حتى وصلت إلى غاياتها.. الثورة المصرية حدثت ولا تؤازرها أى طبقة مالية، رأسمالية أو إقطاع، حتى الطبقة الوسطى كانت فى الأربعين سنة السابقة على الثورة قد تم تقريبًا القضاء عليها، إما بصعود بعضها، وهو القليل، مع الحزب الحاكم، أو بسقوط أغلبيتها إلى الحضيض. الذين قاوموا السقوط أو الارتفاع المشين فقط- وهم الأقلية- هم الذين آزروا الثورة. لكن هؤلاء ليس معهم لا قوة المال، ولا قوة السلاح، والثورة أصلا سلمية فى عالم مسلح!
الثورة المصرية إذن تعانى مما حولها، ومن ثم فطريقها طويل، لكن المهم أن يظل هناك الأمل فى تحقيق السعادة. والأوقع طبعًا تحقيق المستحيل الذى إذا لم تصل الثورة إليه، وصلت إلى عتباته. فالوجودية هنا فلسفة ناجحة رغم ما يبدو فيها من يأس، ولن تنجح الثورة إذا كانت هناك حلول وسط، لابد من التمسك بالقمر أو السعادة أو الخلود، والتمرد على الوجود الذى هو أكبر من المجتمع.. باختصار الخروج من وضع «سيزيف».
طبعًا من سيقرأ هذا المقال سيقول إن صاحبه لم يذكر لنا شيئًا فى نظريات التحول الاجتماعى، ولا صراع الطبقات، ولا التحدى والاستجابة، ولا غيرها، لا فى الاشتراكية، ولا فى الأناركية، ولا فى غيرها، والحقيقة أنه قد يكون اليأس هو الذى أخذنى إلى الوجودية الآن، وذكرنى بها، لكنها رغم ذلك أخذتنى- الوجودية- إلى الثورة، وهو المطلوب.. فلتكن العيون على المستحيل!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.