ما هذا الالتماس والتطابق بين الامبراطور كاليجولا الذي حكم الامبراطورية الرومانية ما بين عام 12 و41 ميلادية، وكانت تمتد هذه الامبراطورية عندئذ من الفرات إلي الجزر البريطانية، والحاكم الليبي- الذي لم يعد حاكماً شرعياً بعد ان أسقطته ثورة فبراير - معمر القذافي؟ من يقرأ مسرحية ألبير كامي «كاليجولا» التي كتبها عام 1938 يجد نفسه أمام صورة متطابقة مع الواقع الليبي الأليم والمخزي بفعل هذا القائد العبثي اللا شرعي، حيث تجسد المسرحية مشكلة الخواء الداخلي الذي قد يمتلك الحاكم ويدفعه لمحاولة ملء هذا الفراغ عن طريق شطحات خيالية التي تهيئ له أن بامكانه الحصول علي السعادة والاطمئنان عن طريق البشر ومقدراتهم طالما انه يتمتع بالسلطة التي تعطي له الحرية المطلقة كي يفعل ما يشاء. متجاهلاً ان دور المؤسسة الحاكمة هو السعي قدر جهدها لتحقيق سعادة الشعب، اما أن تصبح السلطة مصدرا لامتهان الشعب والقضاء علي آدمية المحكومين فهو ما يعد نوعاً من العبث الذي أشار إليه كامي في مسرحيته، وأشار إليه في كتابه «الإنسان المتمرد» حينما أكد «أن تمرد الإنسان التلقائي يؤكد الكرامة المشتركة للجميع». القضاء علي معارضيه أما مظاهر التشابه بين كاليجولا والقذافي في هذه المسرحية فهي كثيرة فقد كان المنطق الذي يحكم أسلوب كاليجولا في تعامله مع شعبه هو القضاء علي معارضيه وممارسة الحاكم لحريته بشكل مطلق يهدر كرامة الإنسن وآدميتهم ولا يعترف بأي قيم أو معايير إنسانية والويل لمن يعترض فتكون حياته ثمناً لاعتراض، ويسلب الناس أموالهم وأعراضهم بمنتهي العبث والاستهتار. وقد امتد كاليجولا في شطحاته الخيالية إلي حد سعيه للحصول علي القمر، حيث انه أصبح الشيء الوحيد الذي لا يمتلكه «أنا محتاج إلي القمر إلي السعادة إلي الخلود إلي شيء ربما يكون جنونياً ولكه ليس من هذا العالم»، لم يعد كاليجولا يرضي بالمألوف بدأ يتطلع إلي كل ماهو غريب وشاذ وكأنه في تحد مع القدر ومع العالم من حوله، كي يشعر بالنصر والزهو والاستعلاء عمن حوله من ناس وأشياء. ويبدأ كاليجولا في انتهاج أسلوبه العبثي في الحياة فيفرض علي أفراد الامبراطورية ان يحرموا أولادهم من الميراث وان يحرروا وصية لصالح الدولة. وبناء علي احتياجات الامبراطورية أعلن انه سيأمر بتنفيذ حكم الإعدام من الناس مؤكداً «أن الحكم عبارة عن سرقة وكل الناس يعرفون ذلك، ولكن الطريقة تختلف، أما أنا فسأسرق بصراحة»، لقد أعلن كاليجولا بمنتهي التبجح ان كل الحكام لصوص فلماذا يسرق هو في الخفاء أو بطريقة مقنعة إذا كان يملك من الحرية ما يمكنه من سرقة الناس بشكل مباشر وصريح «إذا كان للخزانة أهمية فالحياة الإنسانية إذن لا أهمية لها». السلطة وتتشابه وجهة نظر كاليجولا في السلطة مع وجهة نظر القذافي حتي وان لم يعلنها الحاكم الليبي بشكل مباشر- حيث يعلن بشكل مباشر «أخيراً توصلت لفهم فائدة السلطة، انها تتيح للمستحيل فرصة، واليوم وفيما يأتي من الزمان لن يصبح لحريتي حدوداً». كما ان جنون العظمة سمة مشتركة بين هذا الامبراطور الروماني والحاكم الليبي فكلاهما يشعر انه مصدر سعادة بلاده ومخلصها حتي لو كان الاستبداد وسيلته لذلك في «الامبراطورية الرومانية بأسرها أنا الحر الوحيد، ابتهجوا فقد جاءكم أخيراً امبراطور يعلمكم الحرية»، انه الحديث الملئ بالتناقضات والخواء الذي يشبه حديث حاكم ليبيا الذي أعلن ان ليبيا «بلاده وبلاد أجداده» في حديثه إلي الشعب. كما ان إطاحة كاليجولا بالمعارضة وبالأدب المعارض متمثلاً في شخصية الأديب «شيريا في المسرحية يتشابه كثيراً مع اضطهاد القذافي للأدباء الليبيين المعارضين لحكمه في ليبيا ومنهم علي سبيل المثال «فتحي الجهمي» وسالم فيتور مبدع مسرحية «تجبر يا عبدالجبار». أما مشهد تلويح القذافي بفرض عقوبة الإعدام علي معارضيه في خطابه الأخير وبدأ وكأن الدستور والقوانين الليبية تنص علي عقوبة الإعدام كعقاب لكل الجرائم في ليبيا فتتشابه تماماً مع أفكار كاليجولا الذي سعي في أواخر عهده إلي تطبيق عقوبة الإعدام علي جميع معارضيه، بل امتدت هذه العقوبة لتشمل جميع أفراد الشعب كي يثبت لنفسه ولمن حوله أنه الشخص الوحيد الحر في الامبراطورية وانه تحول إلي ما يشبه إله له يقرر مصير حياة شعبه «أريد ان تدخلوا المحكوم عليهم بالإعدام، أريد جمهوراً، أريد ان يكون لي جمهور! القضاة والشهود والمتهمون كلهم محكوم عليهم مقدما! سأريهم الرجل الوحيد الحر في الامبراطورية». ويمتد عبث كاليجولا فيأمر الاشراف بالقيام بخدمته بعد ان طرد بعض العبيد ويبدأ في امتهان الاشراف حتي يشعر بأن الجميع أمامه سواسية وليس لأحد مرتبة أعلي من الآخر أمامه، فيصبح هو السيد الوحيد في الامبراطورية والرعايا عبيدا له. الثورة وعندما يشعر كاليجولا بأن المعارضة قررت الثورة عليه، يسخر من محاولاتهم علي قيادتهم وتسيير أمورهم، ولهذا يأمر بإغلاق مخازن الغلال العامة كي يشعر الناس بالمجاعة والذل والاحتياج إليه، وينشغلوا عن محاولة الثورة والتمرد. ولكن ولأن إرادة الشعوب أقوي من إرادة الحكام حتي ولو كانوا حكاما ذات قبضة حديدية، فإن نهاية الطاغية كاليجولا تأتي في النهاية من خلال طعنات المتمردين عليه مؤكدين رأي الأستاذ أحمد لطفي السيد «خلقت نفوسنا حرة، طبعها الله علي الحرية فحريتنا هي نحن، هي ذاتنا.. وما حريتنا إلا وجودنا وما وجودنا إلا الحرية».