هكذا يختتم (الصييت) مواله كما يسمونه فى ريف مصر الجميل تذكرت كلمات الصييت تلك ومعناها ومغزاها وأنا أراقب عن قرب هذا التغير المفاجئ فى سلوكيات البعض، الذى بدأ يتخلى عن سلوكياته السليمة التى تربت عليها الأجيال السابقة ليعطى سندًا لمن يردد أن الثورة أظهرت أسوأ ما فينا وتذكرت حوارى مع عمى (طايع) عليه رحمة الله، هذا الشيخ الكبير الذى تربى وعاش فى صعيد مصر، حيث الالتزام بالأصول والأعراف عندما قال لى يا ولدى (الأصل يستحى) فسارعت ارتشف من خبراته وقلت له (يعنى إيه)، فقال لى (يا ولدى لما واحد عندنا يقدم على عمل (أى عمل)، يبدأ يحسب عواقب هذا العمل والمردود منه على شخصه وعلى عائلته، فعندما يجده عمل مشين وسيئ يبدأ يقول فى نفسه (طيب أنا فلان وأبى فلان وعمى وأخى ويبدأ يمتنع عن العمل اللى ممكن يسيئ لاسمه واسم أسرته) هذا يا ولدى معنى (الأصل يستحى) وعندما عدت لوالدى وقصصت عليه ما دار بينى وبين عمى طايع قال لى (يا ولدى الأصل من أهم أسس التعامل مع الناس ألا تذكر يا بنى أنه حتى فى الزواج لابد أن تبحث عن بنت الأصول أولا تذكر حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم تخيروا لنطفكم. .إلى آخر الحديث أو كما قال صلى الله عليه وسلم فيا ولدى لابد أن تتعلم مبدأ هامًا فى حياتك هو (ميعرفشى قيمة الناس غير ابن الناس)، وبما إننى مغرم بالسفر والتجوال فى ربوع مصر من أقصاها إلى أقصاها فقد أسقطت تلك الوصايا التى حصلت عليها من شيخين كبيرين على الواقع، فعندما كنت أجوب قرى ونجوع مصر لاسيما أثناء وبعد ثورة يناير وما صحبها من انفلات أمنى وتبعه الانفلات الأخلاقى الذى أساء لوجه مصر المشرق دائما وما لفت انتباهى أن المناطق التى يغلب عليها (العائلاتية) وهى المناطق التى فى الغالب ريفية وتتكون القرية فيها أو النجع من عائلة كبيرة أو حتى عدة عائلات لم تكن لتجد فى تلك المناطق أى خروج على القانون فجميعهم من أسر معروفه ومن الصعب بل من المستحيل أن تجد من يخرج عن النسق والتقاليد العامة، وعندما سافرت إلى صعيد مصر أثناء الثورة أكاد أجزم إننى لم أشاهد أى خلل أمنى برغم عدم تواجد الشرطة (فى حينه) بالقدر الكافى، لأن الصعيد يتميز أيضًا بالعائلاتية والقبلية والتى تجعل أى شخص يفكر مرارًا قبل الخروج على العادات والتقاليد والاحترام المتبادل بين أهليته وجيرانه فجميعهم اجتمع على (الأصل يستحى )، وما شاهدته فى صعيد مصر شاهدته أيضًا فى (مطروح) حيث النظام القبلى الصارم والرادع الذاتى والذى يجعل الجميع يلتزم حدوده، وبنفس ما رأيت فى مطروح شاهدت مثله فى سيناء من نظام قبلى يجبر من تسول له نفسه الخروج على النسق العام أن يراجع نفسه، ولم يشوه سير الأمور فى سيناء إلا بعض القلة من الخارجين على القانون ومعظمهم ليسوا مصريين، فلقد آمنوا العقوبة بالفرار عبر الأنفاق مما جعلهم يسيئوا الأدب عزيزى القارئ لم أكن لأطيل عليك لمجرد أن أحكى لك وصف رحلاتى، لأنى أحترم عقلك ولكنى قصدت من سردى لما شاهدت فى ربوع مصر لأدلل على أهمية أن نفكر مليًا قبل الإخلال بالأصول وما تربينا عليه، ويكفينا مدحًا للشخص الذى نتوسم فيه الاحترام والأدب بأن نقول عنه هذا شخص (ابن أصول).