من حانتي الأثيرة بدرب المهابيل مضيت ليحط بي الرحال في درب الفشارين المجاور، وذلك بعد أن أمسكت قدح الجعة المعتبر التي تسكرني وشربت حتى الثمالة ورحت أسير في شوارع الدرب وأنا أصيح بأعلى صوت وأزعق كما المنادي في حكايات ألف ليلة وليلة. وفي طرفة عين وانتباهتها وجدت حولي جمهرة من أهل الحارة فهم يحبون تلك الهيصة التي أقوم بها بين الحين والحين، وبعد أن خفتت الهيصة قالوا لي وكأنهم يتكلمون بلسان رجل واحد: ما الذي سترويه لنا اليوم يا عم أبو يكح، قلت لهم وأنا أترنح من الثمالة: سأكمل لكم تلك الحكاية التي رواها لكم في العدد الماضي الصحفي الصييت «روبير الفارس» عن التمثيل والرؤساء، ثم جلست القرفصاء وأكملت: تحدث معكم الفارس عن الرؤساء السابقين وأنا سأتحدث عن الرؤساء المحتملين وعلاقتهم بالتمثيل والممثلين، ونبدأ بالرئيس المحتمل الأول الأستاذ حمدين صباحي. قال قائل منهم: فلنسمع منك عن حمدين صباحي. قلت كأنني لم أسمع شيئا: يعيب حملة حمدين أنهم وضعوا له شعارا زائفا وهو (واحد مننا) في حين أنه حمدين فيجب أن يكون الشعار (حمدين اتنين منا) فهناك حمدي وحمدي ومنهما يتكون حمدين، وهذا من أفضل المرشحين على الإطلاق لأننا به سنكون تحت رعاية رئيسين، عندما ينام حمدي منهما يظل حمدي الثاني «سهران صبَّاحي» وبالمناسبة يا سادة يا كرام الأستاذ حمدين يتعجب من طريقتكم في نطق اسمه فهو الرئيس الوحيد الذي اجتمع أهل مصر على نطق اسمه خطئا، فأنتم تقولون عنه «حمدين « بتخفيف الياء في حين أنه «حمدين» بوضع كسرة أسفل الياء، يعني ننطق اسمه وكأننا نتوجه للسماء ونحن نقول «حمدين وشاكرين لك يارب» ثم أن لقب عائلته «صباحي» ليس فيها تشديد على الباء ولكن ننطقها كما نقول «صبَاحك وصبَاحي» ولكن ما علاقة حمدين بالتمثيل؟ له علاقة كبيرة طبعا فهو أصلا مارس التمثيل فقد مثل في فيلم «الآخر» ليوسف شاهين وقام فيه بدور صحفي، صحيح أنه لم ينجح كممثل إلا أنه يحب الفن والتمثيل، ولأنه حمدين وليس حمدي واحد فهو يعيش في شخصيتين متناقضتين، الشخصية الأولى هي شخصية الممثل الراحل صلاح قابيل خاصة في أفلامه الأولى التي كان يمثل فيها دور المصري الوطني الثائر صاحب القيم والمبادئ، تظهر شخصية حمدين صباحي يا أهل حارة درب المهابيل ظاهرة في الفنان صلاح قابيل حينما قام بدور الشاب الوطني فهمي في فيلم «بين القصرين» ذلك الشاب الذي انضم لحزب سياسي يقاوم الاستعمار الإنجليزي ويقود المظاهرات ويقدم روحه فداءً للوطن، نموت نموت وتحيا مصر، هكذا كان صلاح قابيل يهتف وهو يعتلي الأكتاف في المظاهرات الوطنية، وهكذا كان حمدين صباحي وهو يقود المظاهرات، يتم اعتقال صلاح قابيل في الفيلم، ويتم اعتقال حمدين صباحي في الحقيقة مرات عديدة من أجل مبادئه، يقف حمدين وهو شاب صغير في مواجهة الرئيس الراحل السادات، ويقف صلاح قابيل ضد أعلى شخصيات أمنية في فيلم بين القصرين، نفس الأمر نجده في شخصية صلاح قابيل في مسلسل «الساقية والرحيل» حيث كان صلاح قابيل شابا مصريا ينتمي للريف المصري ويحمل قيما وتقاليد ويدافع عن حقوق الفلاحين الغلابة، ويعطف على «أبو المكارم» صلاح السعدني الفلاح البائس الأخرس الذي لا يستطيع الدفاع عن حقوقه، ونفس الشيء بالنسبة لحمدين صباحي الذي شغلته قضايا الفلاحين الغلابة حتى أنه حُبس أكثر من مرة بسبب دفاعه عن حقوقهم، وهو مع ذلك شاعر رقيق المشاعر. أما حمدي الثاني قرين حمدي الأول والمكمل له حتى يصبحا «حمدين» فهو الفنان عبدالحليم حافظ في فيلم الخطايا، فعندما يا أهل حارتنا كنت أشاهد حمدين في البرامج التلفزيونية وهو يخاطب الجماهير ليقنعهم بنفسه كمرشح، كنت أراه رقيقا هادئا لين العريكة، يتكلم باستموات وكأنه على فراش المرض، كان يشرح أفكاره وكأن عماد حمدي قد لطمه توا على وجهه وقال له «أنت مش ابني» نعم أنا مش ابنك؟!! شكرا ياعمو إنك ربتني، كح كح، صدري صدري، أنا أصلا يا عمي مش بحب إسرائيل وهألغي الاتفاقية، أنا مش ابن حرام أنا ابن الحاج عبد العاطي صباحي الفلاح وبحب الفلاحين، أعاهدك يا عمي إني مش هاتجوز نادية لطفي لأني اتجوزت خلاص، أنا اتجوزت مصر يا عمي، وهنا تختلط الأفلام ويظهر في الصورة الممثل الوطني كمال ياسين في فيلم رد قلبي وهو يقول لحمدين صباحي، أنت من الأحرار يا حمدين، وبذلك أصبح حمدين صباحي من الضباط الأحرار ويحيا جمال عبد الناصر. الرئيس الثاني هو الفريق أحمد شفيق، ولأنه فريق فإنني لن أتكلم عنه كثيرا فاللبيب بالإشارة يفهم، أحمد شفيق أيها الإخوة الأعزاء هو النسخة الثانية من الممثل محمد صبحي، نعم محمد صبحي وهو يقوم بدور علي بيه مظهر، هوبا تلاقي نفسك فوق، أنت يا ولد، أنتي يا بنت، هأكلملك محسن بيه، أحمد شفيق ناعم، ولكنها نعومة ظاهرية فقط، يبتسم في وجهك إلا أن قلبه يخفي أشياء كثيرة، يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب، يعطيك الكثير من الوعود ثم لا تجد وعدا واحدا قد تحقق، ومحمد صبحي في علي بيه مظهر يؤدي بنفس الطريقة، ناعم، يحسن الكلام، تصدقه وتتبعه فإذا بك تقع في حفرة كبيرة، كل وعوده سراب، علي بيه مظهر بالبلدي فشار، والأداء السياسي لأحمد شفيق يحتوي على كثير من الفشر، أحمد شفيق.. أسكت يا ولد يا علاء أنت مش عارف انت بتكلم مين.. أنا قتلت واتقتلت.. مت وصحيت، أنت تتعلم مني لكن أنا أحمد بيه شفيق لا يمكن أتعلم من حد، أنا هافرق عليهم بونبوني في المظاهرات، أسكت يا ولد، إسمع كلامي هوبا تلاقي نفسك فوق... وراس جدي شفيق باشا لن يستطيع أحد المساس بالمتظاهرين في التحرير، وهوبا وفي نفس الوقت يتم اقتحام التحرير في موقعة الجمل وذبح الثوار، وكما انكشف علي بيه مظهر في نهاية الفيلم -والمسلسل- وعرف الناس كلهم أنه يتستر بالأُبهة والعظمة من خلال طريقته وحركاته وملابسه، إلا أنه في الحقيقة غلبان وليست له خلفية اجتماعية معتبرة، كذلك أحمد بيه شفيق انكشف أمام الناس واتضح أنه يتستر بالأبهة والعظمة ويتحدث بطريقة الباشوات ويرتدي البلوفر، إلا أنه في الحقيقة غلبان وليست له خلفية سياسية أو معرفة بأصول الحكم، وفوق هذا فهو ما قتلش وما تقتلش، ولكنه هايكلملنا محسن بيه. وعند هذا الحد من الحكاية توقفت وقد أصابني التعب خاصة وأن آثار الجعة قد قاربت على الانتهاء، ولكنني سأكمل معكم في الأسبوع القادم إن شاء الله فانتظروني في درب المهابيل.