افتتاح 3 مساجد بعد الإحلال والتجديد بسوهاج    أسعار البيض اليوم الجمعة في بورصة الدواجن    "الوزراء" يكشف حقيقة اتصال البنوك بالعملاء هاتفيًا بدعوى تحديث بيانات حساباتهم    إصابة 14 شخصا في هجوم باليابان    جيش الاحتلال يشن هجوما ضد أهداف لحزب الله في لبنان    موعد وصول حافلة منتخب مصر لملعب أدرار استعدادا لمواجهة جنوب أفريقيا    حملات مرورية تضبط 120 ألف مخالفة و62 حالة تعاطي مخدرات بين السائقين    تفاصيل الحالة الصحية للفنان محيي إسماعيل بعد نقله للعناية المركزة    القاهرة الإخبارية: غارات مفاجئة على لبنان.. إسرائيل تبرر وتصعيد بلا إنذار    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    الصحة: تبادل الخبرات مع ليبيا لمواجهة ارتفاع معدلات الولادات القيصرية    هيئة الدواء: هذه الأخطاء الشائعة في استخدام الأدوية تهدد صحتك    وزارة الخارجية ووزارة الاتصالات تطلقان خدمة التصديق علي المستندات والوثائق عبر البريد    أحمد عبد الوهاب يكتب: حل الدولتين خيار استراتيجي يصطدم بالاستيطان    رئيس وزراء السودان: نحن أصحاب مبادرة السلام ولا أحد يفرض علينا القرارات    وزيرا الإنتاج الحربي وقطاع الأعمال العام يبحثان تعزيز التعاون المشترك    موعد مباراة المغرب ومالي في أمم أفريقيا 2025.. والقنوات الناقلة    «شيمي»: التكامل بين مؤسسات الدولة يُسهم في بناء شراكات استراتيجية فعّالة    خطوات هامة لضمان سلامة المرضى وحقوق الأطباء.. تفاصيل اجتماع لجنة المسؤولية الطبية    وزير الكهرباء يبحث مع مجموعة شركات صاني الصينية التعاون في مجالات الطاقة المتجددة    وزارة التضامن تفتتح غدا معرض ديارنا للحرف اليدوية والتراثية بالبحر الأحمر    مجلس جامعة القاهرة يعتمد ترشيحاته لجائزة النيل.. فاروق حسني للفنون ومحمد صبحي للتقديرية    هل انتهى زمن صناعة الكاتب؟ ناشر يرد بالأرقام    نقل الفنان محمود حميدة للمستشفى بعد تعرضه لوعكة.. اعرف التفاصيل    كلية المنصور الجامعة تعزّز الثقافة الفنية عبر ندوة علمية    غارات وقصف ونسف متواصل يستهدف مناطق واسعة بقطاع غزة    إصابة شخصين في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بقنا    رخصة القيادة فى وقت قياسى.. كيف غير التحول الرقمي شكل وحدات المرور؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 26-12-2025 في محافظة قنا    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 26-12-2025 في قنا    كامل الوزير: إلزام كل مصنع ينتج عنه صرف صناعي مخالف بإنشاء محطة معالجة    زيلينسكي: اتفقت مع ترامب على عقد لقاء قريب لبحث مسار إنهاء الحرب    متحدث الوزراء: مشروعات صندوق التنمية الحضرية تعيد إحياء القاهرة التاريخية    مسؤول أمريكي: إسرائيل تماطل في تنفيذ اتفاق غزة.. وترامب يريد أن يتقدم بوتيرة أسرع    شروط التقدم للوظائف الجديدة بوزارة النقل    زعيم كوريا الشمالية يدعو إلى توسيع الطاقة الإنتاجية للصواريخ والقذائف    مباراة مصر وجنوب أفريقيا تتصدر جدول مباريات الجمعة 26 ديسمبر 2025 في كأس أمم أفريقيا    مخالفات مرورية تسحب فيها الرخصة من السائق فى قانون المرور الجديد    معركة العمق الدفاعي تشغل حسام حسن قبل مواجهة جنوب إفريقيا    تفاصيل جلسة حسام حسن مع زيزو قبل مباراة مصر وجنوب إفريقيا    وزير العمل يصدر قرارًا وزاريًا بشأن تحديد العطلات والأعياد والمناسبات    الزكاة ركن الإسلام.. متى تجب على مال المسلم وكيفية حسابها؟    عمرو صابح يكتب: فيلم لم يفهمها!    ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    الفريق أحمد خالد: الإسكندرية نموذج أصيل للتعايش الوطني عبر التاريخ    اختتام الدورة 155 للأمن السيبراني لمعلمي قنا وتكريم 134 معلماً    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    «الثقافة الصحية بالمنوفية» تكثّف أنشطتها خلال الأيام العالمية    كأس مصر - بتواجد تقنية الفيديو.. دسوقي حكم مباراة الجيش ضد كهرباء الإسماعيلية    الأقصر تستضيف مؤتمرًا علميًا يناقش أحدث علاجات السمنة وإرشادات علاج السكر والغدد الصماء    أسامة كمال عن قضية السباح يوسف محمد: كنت أتمنى حبس ال 18 متهما كلهم.. وصاحب شائعة المنشطات يجب محاسبته    كشف لغز جثة صحراوي الجيزة.. جرعة مخدرات زائدة وراء الوفاة ولا شبهة جنائية    نجم الأهلي السابق: تشكيل الفراعنة أمام جنوب إفريقيا لا يحتاج لتغييرات    بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    ساليبا: أرسنال قادر على حصد الرباعية هذا الموسم    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    40 جنيهاً ثمن أكياس إخفاء جريمة طفل المنشار.. تفاصيل محاكمة والد المتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.





ثمانية وعشرون عاماً هى ما تفصلنا عن اليوم الذى رحل فيه شاعر مصر الكبير صلاح عبد الصبور، فى اليوم الثالث عشر من أغسطس لسنة 1981 أوجعنا عبد الصبور برحيله المفاجئ الذى حصد روحه بغتة وهى تستعد لجولة جديدة من العطاء والإبداع، ومن الموجع والمبهر فى الوقت نفسه أن عبد الصبور كان قد تنبأ بوفاته كالعارفين الكبار حينما قال فى قصيدة "أغنية لليل": وإن أتانى الموت، فلأمت محدثاً أو سامعاً" وهو ما حدث بالفعل حينما احتد النقاش مع خصوم الرأى، فانبرى الشاعر يدافع عن نفسه إزاء تهم بعض الأصدقاء المتربصين، الذين نعتوه بالخيانة والطأطأة، فسقط قلبه المرهق ضحية "للقتل بالكلمات"، وهى نفس النهاية التى اختارها عبد الصبور لبطله فى مسرحية "مأساة الحلاج"!
وبالرغم من ذلك فإن شاعرنا الذى كان قد تخطى الخمسين بقليل، استطاع أن يجمع بين ثلاثة منابع ثرية هى الشعر الغنائى، والمسرح الشعرى، والكتابة النقدية، ففى الشعر استطاع أن يخلص إلى صوته الخاص بعد دأب وعناء مع تجربته الشعرية، وهو ما عبر عنه شعراً حين قال: ولكنى تعذبت لكى أعرف معنى الحرف... ومعنى الحرف إذ يُجمع جنب الحرف... ولكنى تعذبت لكى أحتال للمعنى... لكى أملك فى حوزتى المعنى مع المبنى... لكى أسمعكم صوتى فى مجتمع الأصوات" وقد حظى عبد الصبور فعلاً بصوته المتفرد، مطعماً قصيدته بفنيات رائقة، وتقنيات مبتكرة، وحس درامى لافت كان الرحم الذى تخلق منه مسرحه الشعرى، معتلياً قمة عالية لم يستطع أن يرتقى إليها أحد حتى لحظتنا الراهنة، فى ظاهرة يجسدها العنوان اللافت لكتاب "هيمنة الغائب" للناقد الصديق د.علاء الجابرى مؤكداً على هيمنة صلاح عبد الصبور على من أتى بعده من شعراء المسرح، وإلى جانب القدرة الشعرية والاقتدار المسرحى تميز عبد الصبور عن أقرانه بقدرته النقدية التأصيلية التى مكنته من التوغل إلى أعماق تجربته الإبداعية، وجعلته قادراً على قراءة المشهد الإبداعى العربى والعالمى، قديماً وحديثاً، وبدا وكأنه يغرد خارج السرب عبر موهبته الفياضة وذكائه الحاد، وثقافته العميقة.
وقد كان عبد الصبور مولعاً بجدل الشاعر مع التاريخ، وكان كثيراً ما يناوش فكرة الأصالة الإبداعية التى تمكن المبدع من تجاوز لحظته الراهنة والتحليق إلى أفق متسع يخاطب الجوهر الإنسانى المشترك، وقد طرح هذا التساؤل المحورى فى كتابه المهم "ما الذى يبقى منهم للتاريخ؟" محللاً تجارب طه حسين والعقاد والحكيم والمازنى، فهل نستطيع نحن الآن أن نتساءل: ما الذى يبقى من عبد الصبور للتاريخ؟ يبدو السؤال عصياً على الإجابة؛ فمشروع عبد الصبور الإبداعى الممتد ما زال يلقى بظلاله على كل الأصعدة الثقافية والإبداعية، منسرباً كالماء فى جسد الثقافة العربية، ابتداءً من اسمه الذى يتردد صباح مساء فى المنتديات الأدبية والندوات والمؤتمرات الثقافية، ومروراً بحضوره الطاغى وتأثيراته العميقة فى قصائد بعض مجايليه وبعض شعراء جيل الستينيات ومن تلاهم من أجيال الشعراء حتى يومنا هذا، بل إن شاعراً بقامة محمود درويش لم يسلم من التأثر الواضح بعبد الصبور ولو على سبيل التناص العكسى وإعادة التأويل لمفهوم الشعر والشاعر، ويظهر هذا بصورة لافتة فى قصيدة المهمة "لاعب النرد" التى أقامت حواراً نصياً خفياً مع قصيدتى عبد الصبور "أقول لكم"، و"الحزن"، حيث يعد صاحب "أقول لكم" أول من وظف العبارة الإنجيلية "الحق الحق أقول لكم" فى الشعر العربى المعاصر، وهذه العبارة هى التى ارتكز درويش عليها فى هذه القصيدة المهمة والتى تعد بياناً ختامياً لرحلة الشاعر مع الشعر، وكذلك يعد عبد الصبور أول من قدم مفهوماً مغايراً للشاعر الذى لا يدعى نبوة أو تميزاً وإنما يمشى فى محراب الشعر بحذائه المرتوق، ممسكاً بكوب شاى، متسكعاً بين أوقات الضياع، جالسا ًبالساعات إلى طاولة النرد.
يقول عبد الصبور "أجافيكم لأعرفكم" فابتكر من الجفاء "لعبة" للمعرفة وللغوص فى أعماق الإنسان، وهو ما تم له بالفعل، فهل جافيناه لنعرفه؟ وهل نستطيع الآن أن نقول بعد كل هذا الحضور: ما الذى يبقى من صلاح عبد الصبور للتاريخ؟ أظن أن السؤال ما زال عصياً على الإجابة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.