سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بالعقل والمنطق والإنصاف.. 25 يناير و30 يونيو ثورتان لا تمحو إحداهما الأخرى ولو كره الثوار.. نخشى على الثورتين من تيار يسعى للإيقاع بينهما.. والخلاف مع الأشخاص لا يعنى أبدا إخراجهم من الملة الثورية
لا تستحق ثورة 25 يناير منا كل هذا الجحود.. فلم يكن الشهداء فيها والمصابون منها والمحبطون بعدا.. لم يكن كل هؤلاء منتفعون ولا كهنة ولا من سحرة فرعون، حينما رفضوا التخريب أو الاعتداء على جنود الأمن المركزى أو سب الجيش، لم يكن هذا السمو والنبل فى التظاهر بتعليمات من أحمد ماهر وأسماء محفوظ.. لم تكن هذه الدماء التى سالت على جانبى الكوبرى لتسقط فى النيل، تهدف تلويث ثورة 52 أو إثبات عدم جدواها.. كان الجيش هو الأمل الباقى لتنجح المظاهرات فى إزاحة نظام ميت. سامح الله الصديق العزيز دندراوى الهوارى، فقد دفعنى لأخالف عهدا قطعته على نفسى بعدم الدخول فى جدال سياسى ثم تطور ليصبح عهدا بعدم الخوض فى السياسة، حفاظا على أصدقاء وأقارب سيفنى الخلاف معهم ويبقى ودهم.. كتب الهوارى المتحمس فى هذا المكان تحليلا سعى فيه لإثبات أن ما جرى فى 30 يونيو ثورة بما تحويه الكلمة من دلالات ومعان، واستخدم ما اعتبره دليلا تاريخيا على أنها منفصلة فى مقدماتها ونتائجها، بل تتفوق على سابقتها فى الحشد والتماسك، سأتفق معه فى الجزء الأول بأنها ثورة. لا أملك كثيرا من الخبرة التاريخية التى يمتلكها الزميل الفاضل دندراوى الهوارى، لكن ما يجعلنى أختلف معه ينبع بما أؤمن به وأبنى عليه قناعاتى، وهو أن ينحى المرء مشاعره جانبا، حينما يتعامل مع أشخاص لا تربطه بهم صلة شخصية، وإنما يطلون عليه من نافذة العمل العام.. حكام، مسؤولون، نشطاء سياسيون ورموز دينية وأدبية وفنية.. إلخ، لأن بعضا ممن حولنا فى العمل والشارع والتليفزيون والمنزل أيضا يحكمون على وطنية الأشخاص بمعايير خاطئة تقود لأحكام مغلوطة ونتائج مضللة، فالحكم على الأشخاص بناء على أشكالهم «سحنهم» أو طريقة تحدثهم، أو قولهم رأيا يخالف ما تظنه، أو حتى سفرهم للخارج كثيرا وما تعتبره أنت هروبا من الواقع الأليم، أو كثرة ظهورهم على الشاشات، لا يعنى أبدا أنهم جهلة وعلماء ومنتفعون وباحثون عن الشهرة و«عواطلية أحيانا»، فالعبرة بالنوايا وتلك فى يد الله جل وعلا، والعبرة أيضا برحابة صدرك وتقبلك للآخر، والأهم من هذا وذاك أن يعود الشخص لقاعدة الإنصاف ولا يرمى أحدا بتهمة قبل أن يكون لديه دليل ملموس أو حكم قضائى ورؤية عين، وإلا فكلها تكهنات تذهب مع أول هبة نسيم من تيار الحقيقة. يحق للصديق الأكبر دندراوى أن يختلف مع من يعتبرهم البعض رموزا لثورة 25 يناير، ويحق له أيضا أن يتهمهم بالانحياز للإخوان فكرا أو تعاطفا مع حقهم فى الوجود السياسى، وهى ليست تهمة على حد علمى، فمن لم يتورطوا فى عنف من الإخوان أو يحرضوا عليه من حقهم أن يكونوا فى الصورة الكاملة للمشهد المصرى شئنا أم أبينا، لكن حماسه فى هذا الاختلاف أوقعه فى فخ «عدم الإنصاف» فى رأيى، وأنا أقدر المشاعر والحماس اللذين تنتجان هذه الأحكام القاسية، لكن هذه الأحكام كما ذكرت «قاسية» لأن من ذكرهم لم يثبت ضد أى منهم، حتى الآن على الأقل، أى اتهام بالخيانة أو العمالة أو حتى الاستفادة المادية من الثورة بشكل غير قانونى، وهو بهذه الأحكام «القاسية» يطعن فى أهم ما بنيت عليه ثورة 30 يونيو التى يدافع عنها بشراسة، وهو اللدد فى الخصومة مع المختلفين سياسيا لدرجة التخوين، ويقع أيضا فى خانة هو نفسه قد لا يحبها، عندما يجد نفسه محسوبا على التيار الذى يهدم ثورة 25 يناير لصالح 30 يونيو، وهو تيار أقل ما يقال عنه إنه جنين مشوه للخلاف العدمى حول ماهية «30 يونيو» هل هى ثورة منفصلة أم موجة ثورية أم تصحيح لمسار سابقتها، أم أنها هوجة الفلول والمسيحيين ويتامى أمن الدولة. من حق ثورة 25 يناير علينا أن ندافع عنها ضد ما نراه تهديدا لمسارها الذى يراه كثير منا تاه بفعل سوء الإدارة، ونرفض بشدة التشفى المتسرب من أحاديث من نظن أن الصمت أفضل لهم بعد سقوط مبارك، فوجدوا 30 يونيو فرصة لإهالة التراب على أختها الكبرى «25 يناير»، وكلتاهما له دوافعه وأخطاؤه، لقد تحمل البعض منا إهانات كثيرة فى معرض الدفاع عن ثورة 30 يونيو، بدءا من الاتهام بمعاداة الإسلام وموالاة أعدائه، ومرورا بالوقوع فى غرام «البيادة» ومباركة السياسيين القادمين على ظهر الدبابة، وحب العبودية، ولم يؤثر هذا فى إيماننا بضرورتها وصدقها، لكن الكفر بإحدى الثورتين لا يعنى أبدا استبدال الأخرى بها، لأن ثورة 25 يناير ستظل هى الأصل فلولا أن قدرها الله لنا ما كنا لنعرف 30 يونيو أو ميدان التحرير أو المجلس العسكرى، وأسماء محفوظ أو حملة تمرد أو إشارة رابعة أو حتى حظر التجوال.