هناك صلة كبيرة وارتباط وثيق بين الراحة النفسية والثقة بالنفس، وهذه العلاقة ما هى إلا علاقة طردية تتوقف على انخفاض وارتفاع نسبة الثقة بالنفس. ففقدانها شعور سلبى ومؤلم يؤثر بدرجة كبيرة على نفسية الإنسان واستمرارية عطائه وإنتاجه وتميزه. بل إنها تفقد الشخص الإحساس بلذة النجاح، وتجعله يعيش فى قلق نفسى واعتقاد فكرى خاطئ أن كل ما يفعله أو ما يقوله غير مفيد وغير جدير بالاعتبار، ومن الاستحالة الأخذ به. وهذا فى حد ذاته مرض نفسى، أن استفحل وتغلغل فى الذّهن فإنه يقضى على طموح الإنسان وآماله وتطلعاته. وربما يقضى على كل ما له صلة بحياته المستقبلية وشخصيته الاجتماعية والوظيفية. وهذا بدوره سيقوده إلى الانطوائية والتوارى عن أنظار النّاس، والخوف من الخوض فى نقاش وجدال مع الآخرين حول أى موضوع يطرح. ففقدان الثقة بالنفس تجعل الإنسان ينسى أنه بذل ما بوسعه وأخذ بالأسباب بقدر المستطاع ثم توكل على الله، وهذا ضعف فى الوازع الدينى، لأن المسلم متى ما أخذ بالأسباب وتوكل على الله حق توكله فإنه يكون مؤمناً بما قسم الله له، ومدركاً أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. إن اضطراب النفس وقلقها يُنسيان الإنسان حقيقة مهمة وهى أنه مفكر ومبدع وقادر على أن يحقق المعجزات بما لديه من الإمكانات الفكرية والبدنية وغيرهما بعد مشيئة الله، فهى تعمل على زعزعة ثقته الداخلية وتزرع بذور الشك فى نفسه، وهذا كافٍ لجعل الإنسان يرضخ ويتردد ويتهاون عن المضى قدماً فى تحقيق أهدافه النبيلة. وإذا جعل للقلق والخوف مكانة فى فكره، فإنه قد يصل به الوضع النفسى إلى حالة لا يحسد عليها، وقد رأينا الكثير ممن عانوا من القلق والخوف وسوء تقدير الذات لأسباب معينة، والإمام على رضى الله عنه يقول: "هلك امرؤٌ لم يعرف قدرهُ". كم هم هؤلاء الذين يتمتعون بالفكر الواعى، والأدب الراقى والإبداع والإنتاج الجيد المفيد الذى لم ير نور الحياة. كم هم هؤلاء الذين يعيشون بيننا ونرى من أعمالهم الشيء الجيد والجميل الذى يشهد لهم بالنجاح. لماذا يرفض البعض إخراج إنتاجهم الإبداعى أو الفكرى أو العملى إلى النور لكى يعرف الناس أن بمقدورهم إفادة المجتمع بما يملكون من مقومات تؤهلهم إلى ذلك؟. فهل السبب يكمن فى أنهم يخشون النقد بأنواعه جميعها، أم أنهم يعتقدون بأن ما لديهم لا يعنى شيئاً وغير صالح للعرض، وأنه غير مهم للآخرين؟. فإن كان الأمر كذلك فتلك مصيبة كبرى، لأنه لو أقدم كل إنسان على إخفاء ما لديه من فكر وإبداع ومهارات ومواهب ذات الطابع المفيد، لما تقدم العالم حضارياً وعلمياً وعملياً. ثق بالله واجعل ثقتك بنفسك وبما تملك من علم ومقدرة ومهارة عالية، لأنك بها ترتفع، وبها يقدرك الآخرون بقدر تقديرك أنت لنفسك، وتطلع لحياة جميلة، واجعل من شهر رمضان لهذا العام بداية انطلاقة جديدة، وكل عام وأنتم بخير.