حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأربعاء 12 نوفمبر    تصريح جديد من الحوثيين بشأن اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل    مصر تعزي تركيا في ضحايا حادث سقوط الطائرة العسكرية    دون إصابات.. انهيار عقار مكون من 8 طوابق في منطقة الجمرك بالإسكندرية    السحب بدأت تزحف، خريطة سقوط الأمطار اليوم الأربعاء ومصير القاهرة    في ذكرى رحيله، كيف تحول محمود عبد العزيز من موظف وبائع للصحف إلى "ساحر السينما"    انتظام وصول الدم للمخ.. آخر تطورات الحالة الصحية للفنان محمد صبحي    حظك اليوم الأربعاء 12 نوفمبر.. وتوقعات الأبراج    اليوم التعريفي للأطباء المقيمين الجدد بمستشفيات قصر العيني – جامعة القاهرة    رسميًا.. موعد امتحانات شهر نوفمبر 2025 لصفوف النقل الجديدة بعد تعطيلها بسبب انتخابات مجلس النواب    سعر الدولار أمام الجنيه بالبنك المركزي والبنوك الأخرى قبل بداية تعاملات الأربعاء 12 نوفمبر 2025    إصابات في هجوم لمستوطنين إسرائيليين على قريتين فلسطينيتين في الضفة الغربية    أسعار الأسماك والخضراوات والدواجن اليوم 12 نوفمبر    دعمًا لمرشحيه بمجلس النواب.. «مستقبل وطن» ينظم مؤتمرًا جماهيريًا بدمياط    «أختي حبيبتي».. محمد إمام يهنئ مي عز الدين بعقد قرانها على أحمد تيمور    خالد سليم يشعل ليالي الكويت بحفل ضخم ويحتفل ب«ليلة مِ اللى هيّا» مع جمهوره    انطلاق الدورة الأولى من مهرجان «توت توت» لكتب الأطفال في ديسمبر المقبل بالمعهد الفرنسي    تراجع أسعار الذهب اليوم الأربعاء 12 نوفمبر في بداية التعاملات بالبورصة العالمية    طن الشعير اليوم.. أسعار الأرز والسلع الغذائية الأربعاء 12-11-2025 ب أسواق الشرقية    إعلان الحصر العددي لأصوات الناخبين بالدائرة الأولى "دراو وأسوان وأبو سمبل"    بكام الفراخ النهارده؟ أسعار الدواجن والبيض في أسواق وبورصة الشرقية الأربعاء 12-11-2025    «زي النهارده».. وفاة الفنان محمود عبدالعزيز 12 نوفمبر 2016    «زى النهارده».. استخدام «البنج» لأول مرة في الجراحة 12 نوفمبر 1847    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    رئيس الوزراء: استثمارات قطرية تقترب من 30 مليار دولار في مشروع "علم الروم" لتنمية الساحل الشمالي    نشأت الديهي: بن غفير يوزع حلوى مغموسة بدماء الفلسطينيين    ماكرون وعباس يعتزمان إنشاء لجنة لإقامة دولة فلسطينية    تحقيق عاجل من التعليم في واقعة احتجاز تلميذة داخل مدرسة خاصة بسبب المصروفات    الزراعة: السيطرة على حريق محدود ب "مخلفات تقليم الأشجار" في المتحف الزراعي دون خسائر    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم توك توك وتروسيكل بالخانكة    ألمانيا تقدم 40 مليون يورو إضافية للمساعدات الشتوية لأوكرانيا    انقطاع التيار الكهربائي بشكل الكامل في جمهورية الدومينيكان    تسع ل10 آلاف فرد.. الجيش الأمريكي يدرس إنشاء قاعدة عسكرية بالقرب من غزة    سبب استبعاد ناصر ماهر من منتخب حلمي طولان وحقيقة تدخل حسام حسن في إقصاء اللاعب    رسميًا.. موعد إعلان نتيجة انتخابات مجلس النواب 2025 المرحلة الأولى    لتجنب زيادة الدهون.. 6 نصائح ضرورية للحفاظ على وزنك في الشتاء    مواجهة قوية تنتظر منتخب مصر للناشئين ضد سويسرا في دور ال32 بكأس العالم تحت 17 سنة    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواصل استعداداته لمواجهتي الجزائر (صور)    النيابة تطلب تحريات سقوط شخص من الطابق ال17 بميامي في الإسكندرية    حبس المتهم بالتسبب في وفاة والدته بعيار ناري أثناء لعبه بالسلاح بشبرا الخيمة    الحسيني أمينا لصندوق اتحاد المهن الطبية وسالم وحمدي أعضاء بالمجلس    علشان تنام مرتاح.. 7 أعشاب طبيعية للتخلص من الكحة أثناء النوم    ارتفاع حصيلة ضحايا إعصار فونج-وونج بالفلبين ل 25 قتيلا    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. روسيا تمنع 30 مواطنا يابانيا من دخول البلاد.. اشتباكات بين قوات الاحتلال وفلسطينيين فى طوباس.. وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلة يقدم استقالته لنتنياهو    انتخابات مجلس النواب 2025.. بدء عمليات الفرز في لجان محافظة الجيزة    انتخابات مجلس النواب 2025.. محافظ الفيوم يتابع أعمال غلق لجان التصويت في ختام اليوم الثاني    السياحة تصدر ضوابط ترخيص نمط جديد لشقق الإجازات Holiday Home    المستشار بنداري يشيد بتغطية إكسترا نيوز وإكسترا لايف ووعي الناخبين بانتخابات النواب    «ستأخذ الطريق الخاطئ».. ميدو يحذر حسام عبد المجيد من الانتقال ل الأهلي    بيان رسمي من خوان بيزيرا بشأن تجاهل مصافحة وزير الرياضة بنهائي السوبر    منتخب مصر يستعد لأوزبكستان وديا بتدريبات مكثفة في استاد العين    كرة سلة - الأهلي يفوز على سبورتنج في ذهاب نهائي دوري المرتبط للسيدات    رياضة ½ الليل| الزمالك يشكو زيزو.. انتصار أهلاوي جديد.. اعتقال 1000 لاعب.. ومصر زعيمة العرب    أخطاء تقع فيها الأمهات تُضعف العلاقة مع الأبناء دون وعي    أمين بدار الإفتاء يعلق على رسالة انفصال كريم محمود عبد العزيز: الكلام المكتوب ليس طلاقا صريحا    هل يجوز تنفيذ وصية أم بمنع أحد أبنائها من حضور جنازتها؟.. أمين الفتوى يجيب    كيف نتغلب على الضيق والهم؟.. أمين الفتوى يجيب    هل الحج أم تزويج الأبناء أولًا؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام تقفيل مصرى .. لقد نزل القرآن متفرقا بين مكة والمدينة لكنه لم يقرأ ملحناً ومنغماً إلا هنا فى مصر.. والنبى محمد عليه الصلاة والسلام لا يقام له احتفال بيوم ميلاده إلا فى مصر
نشر في اليوم السابع يوم 04 - 08 - 2013

◄ " خطيئة الإخوان الكبرى أنهم حاولوا أن يلعبوا فى سر التركيبة، وقد قادهم غباءهم إلى أن يكون الحافز لهذا التدخل هو الإسلام، اعتقادا منهم أن المصرى مغلوب على أمره أمام الإسلام» "
◄ المصريون فشلوا فى اختبار التدين لأنهم لم يتلقوا الدين من أحد لا فى السماء ولا فى الأرض بل صنعناه صنعاً على أعيننا وأيدينا
◄" الإسلام دين أغلبية المصريين نعم.. لكن قولا وفعلا وممارسة فإن الاسلام الذى يعيش فى مصر مختلف تماما عن هذا الدين الذى نزل على الرسول "
لفد فشل أصحاب ما يسمى بالمشروع الإسلامى فى فهم طبيعة علاقة المصريين بالدين- أى دين وليس الإسلام فقط- وكان طبيعيا أن ينفض المصريون أيديهم من أصحاب المشروع.
يحلو للمصريين أن يعلنوا دائما أنهم «شعب بطبيعته متدين»، وهى أكذوبة متكاملة الأركان، لكن يمكن قبول ما يمكن أن نتواضع فى تعريفه بأنه مجرد تصور بأن المصريين شعب محافظ، فهذه أوقع، فالمسافة بين التدين والمحافظة كبيرة جدًا.
التدين يقضى بأن يكون سرك مثل جهرك، سلوكك مطابق لما تعلن أنه معتقدك، لا تعامل الناس بقدر ما تعامل الله وتبتغى رضاه، لكن كونك مواطنا محافظا فمعناه أنك تفعل كل ما يمكن أن يغضب الله ويخالف شرعه الذى حدده بين ثنائية افعل ولا تفعل بشكل واضح لا يحتمل المناورة، بشرط ألا يطلع عليه أو يعرفه أحد.
فما أجملك وأنت تعتاد المساجد، وتتردد على الأراضى المقدسة كل عام، وتعلن عن تبرعاتك وزكاتك وأعمالك التى تبتغى بها وجه الله، وفى الوقت نفسه تكون لك حياتك السرية التى تعرف أنك بطاعات قليلة وغير مجهدة وغير مكلفة يمكن أن تمحو آثار آثامك كلها مرة واحدة.
◄لكن لماذا فشل المصريون فى اختبار التدين؟
أعتقد- غير جازم بالطبع- أن السبب يرجع بشكل أساسى إلى أننا لم نتلق الدين من أحد، لا فى السماء ولا فى الأرض، بل صنعناه صنعا على أعيننا وأيدينا.. طبقا للأدبيات الإسلامية، فإن مصادر الإسلام معروفة ومحددة بالكتاب والسنة والإجماع والقياس، وهى مصادر لا ننكرها أبدا، لكنها قبل أن تصبح واقعا فى حياتنا خضعت جميعا للصنعة المصرية التى تعطى للأشياء روحها الخاصة وتطبعها بطباعها الفريدة.
جدك المصرى الأول شعر بعبثية الحياة التى تمضى دون أن يكون هناك حاكم يفصل بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الصالحين والطالحين، فذهب يبحث عن إله، لم يكتف بواحد فقط، فتنوعت الآلهة فى منظومة من التخصص وعدم التداخل.. وفى لحظة إنسانية نادرة - لا علاقة لها بالسماء أيضا - أيقن جدك المصرى أن تعدد الآلهة نوع آخر من العبث، فقرر أن يوحدها فى إله واحد.
ولذلك لم يكن تقاطع تاريخ الأنبياء المروى مع مصر أمرا غريبا أو مستهجنا، بل كان طبيعيا ومنطقيا، فإبراهيم عليه السلام يزورها، وموسى عليه السلام يستوطنها، وعيسى عليه السلام يأتيها مستغيثا ومستجيرا، حتى النبى محمد صلى الله عليه وسلم، لم تكتمل له دعوته إلا بالزواج من مصرية، وببشارة لأصحابه بأن الله سيفتح عليهم مصر، وهى البشارة التى صاحبها اعتراف بأن جندها هم خير أجناد الله، وهى البشارة التى يتعالى عليها الإخوان المسلمون الآن، ويشيرون إلى أن الحديث الذى أخبر عن هذه الحقيقة ضعيف ولم يقل به أحد، لمجرد اعتقادهم أن جند مصر انقلبوا على الجماعة «هامش: الإخوان مستعدون أن يكذبوا الرسول، صلى الله عليه وسلم، فى كل ما قاله إذا كان هذا يضمن لهم أن يعودوا إلى السلطة مرة أخرى».
التاريخ المصرى يشير إلى أن دعوات الأنبياء لم تكن صاحبة الكعب العالى على المصريين فى أى عصر من العصور، وقد تقول إن الديانات التى سبقت الإسلام لم تكن إلا ديانات مؤقتة، تفاعلت مع شعوب الأرض تمهيدا للديانة الخاتمة التى ستأتى لتقطع الطريق على كل من يدعى اتصالا بالسماء بعدها.. ولذلك كان طبيعيا ألا تعلو أى ديانة سابقة للإسلام على دين الله الخاتم.
لكن هذا من بين الأوهام الكثيرة التى نعيشها، فالإسلام دين اغلبية المصريين نعم، لكن قولا وفعلا وممارسة فإن الاسلام الذى يعيش فى مصر مختلف تماما عن هذا الدين الذى نزل على الرسول، صلى الله عليه وسلم، وإذا أردتم تعبيرا دقيقا يمكن أن نلخص به الأمر على إجماله، فهو أن الإسلام الذى نتفاعل معه ويتفاعل معنا ليس أكثر من «إسلام تقفيل مصر».
لقد نزل القرآن متفرقا بين مكة والمدينة، لكنه لم يقرأ ملحنا ومنغما إلا هنا فى مصر، قراءة محببة للروح والنفس، فمدرسة التلاوة المصرية فريدة ومتفردة، والأذان الذى وضع النبى كلماته ليس له وقع ولا تأثير إلا هنا فى مصر.
أما عن النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، فحدث ولا حرج، ففى موطن مولده لا يقام له احتفال بيوم ميلاده، لكننا هنا نتفنن فى الاحتفاء بهذه المناسبة، ونجعل منها عيدا دينيا شعبيا لا يشاركنا فيه أحد.. والأكثر من ذلك أننا تقريبا الشعب الوحيد الذى يغنى للنبى محمد أغانى تصل معه وبه إلى درجة التدليل.. نعم، فبلا تردد ومواربة، نحن شعب ندلل النبى.
حتى علاقة المصريين بالله سبحانه وتعالى تجدها علاقة خاصة، فبين سطور العلاقة بقايا من تأثير العلاقة الأولى التى نسجها الجد الأكبر - علاقة اختراع الإله عندما لم يجده ثم الخضوع التام له وتقديم كل آيات الولاء بين يديه.
علاقة المصرى بالله تبدأ بالعشم... فنحن شعب يطلب من الله ما ليس له بحق، أو ما لا يستحق، ونعرف أن الله سيستجيب لأننا «عشمانين فيه».. فلا يمكن أن تجد شعبا يطلب من الله شيئا دافعا بين يدى طلبه بقوله: «يارب عشان خاطر حبيبك النبى».. أو يقول: «طيب يارب عشان خاطرى».. دون أن يعرف هل له عند الله خاطر من الأساس أم لا.
وعندما يمنح الله عطاياه، وهو عطاء فى الغالب بلا حساب تجد المصريين يتعاملون مع الله بمنطق الدلال عليه سبحانه وتعالى، فرغم ما يقعون فيه من أخطاء تصل إلى درجة الكبائر، فإنهم يطمئنون إلى أن الله لا يمكن أن يعذبهم: يعنى احنا لو مدخلناش الجنة مين هيدخل... لكن وفى لحظة واحدة تختفى مفردات العشم والدلال، ليبدأ العتاب.
أعرف أنك لست مندهشا لأنى أتحدث عنك من البداية، وسيكون من الصعب أن تنكر ولو بينك وبين نفسك، أنك ولو لمرة واحدة نظرت إلى السماء، وقلت: «يارب أنا عملت إيه عشان تعمل معايا كله ده؟!».. تعاتب من خلقك دون أن تعتقد ولو للحظة واحدة أنك يمكن أن تكون قد تجاوزت حدودك، أو تعديت حدود الأدب معه.
لم يخرج القرآن من يد المصريين دون أن يضعوا بصمتهم عليه، وأعتقد جازما أن استخدام المصريين للقرآن لا يمكن أن تجده فى أى مكان فى العالم، فهم يقدسونه ويصلون ويتعبدون به، ما فى ذلك شك، لكنهم أخذوا بعض آياته ووظفوها لمصالحهم وأغراضهم الشخصية، وراجع الأمر قليلا، فالحلاق يعلق آية «وجوه يؤمئذ ناعمة» فى محله، وصاحب محل عصير القصب يغازل زبائنه بآية «وسقاهم ربهم شرابا طهورا».. حتى النصابون واللصوص لا يترددون عن تعليق آية «هذا من فضل ربى» أعلى رؤوسهم فى مكاتبهم.
حتى أولياء الله الصالحون الذين يقف المصريون على أبوابهم، ويعيب المتشددون علينا أننا نصل فى اعتقادنا بهم إلى درجة التقديس التى تصل إلى مساحة الشرك، صاغ المصريون علاقة خاصة بهم، فالمواطن المصرى البسيط وبخبث شديد يستغل الأولياء لمصلحته، ولا يمنحهم شيئا إلا بعد أن يحصل على كل ما يريد.
ليس عليك لتتأكد من ذلك إلا أن تتأمل فلسفة النذر لدى المصريين، فأنت تذهب إلى الولى تطلب منه شيئا، وتنذر بين يديه شيئا إن هو حقق لك ما تريد.. فإن لم تنل مرادك لم تقدم نذرك.. ولو كانت هناك ثقة مطلقة بين المصرى وأولياء الله الصالحين، لذهب بالنذر أولا دون أن يضع الاستجابة لما يريده شرطا للوفاء بنذره.
لا يزال هناك ما هو أكثر.. فالمسلم الذى يذهب لأولياء الله من المسلمين إذا لم يجد لديهم ما يبتغيه، يولى وجهه للقديسين المسيحيين، ولا يجد المسلم حرجا أبدا وهو يقف فى طاحونة الأنبا كيرلس وهو يلقى برسالة إليه يضمنها رجاءاته، أو يشعل بيديه شمعة حبا وكرامة لستنا مريم العذراء، ولا تتعجب إذا رأيت مسيحيا يتقرب إلى أولياء الله المسلمين طلبا للوصل وقضاء الحاجات... فدين الولى لا يهم بقدر ما تشعلنا كراماته ومعجزاته وقدرته على قضاء الحاجات.
هذه مجرد ملاحظات على دين المصريين، الذى لا تستطيع أن تفصل مكوناته.. لتعرف ما هو الأصل الذى جاء من السماء وما هى الإضافات التى تصل إلى درجة الإبداعات التى أضافها المصريون إليه، بما يجعلنا نقول باطمئنان شديد إن الاسلام ليس إلا جزءا من أجزاء حياة المصريين الكثيرة والمعقدة والمتناقضة.
مؤكد أنك ستسارع لتقطع على الطريق، وتقول إن الهوية الإسلامية هى الأشمل والأكثر عالمية، ويمكن أن تضع أمامى حالة النفاق السياسى التى خدعونا بها كثيرا، وهى أن هناك دوائر ثلاث يتحرك فيها المواطن المصرى، الدائرة الضيقة هى مصر، والدائرة الأوسع منها هى العربية، والدائرة الثالثة الأشمل هى الإسلامية.
لقد أراد أصحاب ما يسمى بالمشروع الإسلامى أن يوهمونا بأن الهوية المصرية هى الجزء والهوية الإسلامية هى الكل، وهؤلاء لا يلتفتون حتى للدائرة المصرية أو الدائرة العربية، فلا دائرة عندهم إلا الإسلامية التى تذوب فيها، وبها كل الدوائر، دون أن يدركوا الحقيقة التى تتفاعل على الأرض، وهى أن الهوية المصرية هى الأشمل والأعم والأبقى أيضا.
لن نشير إلى عمر الإسلام «ألف وأربعمائة عام فقط» وعمر مصر «ما يزيد على سبعة آلاف عام»، ولن نشير إلى الطبقات البشرية التى تعاقبت على مصر وتلك التى تعاقبت على الإسلام، لقد امتصت مصر شعوب الأرض جميعا منذ الهكسوس والفرس والروم والعرب والإنجليز والفرنسيين، بينما استعصت شعوب كثيرة على الإسلام، فإيران مثلا لم تتخل عن لغتها ولا عن اعتزازها بحضارتها... بل يعتبرها البعض خطرا على المشروع الإسلامى «يمكن أن نضرب أمثلة كثيرة لدول دخلها الإسلام دون أن يستطيع تغيير هويتها أو لغتها أو ثقافتها».
لفد فشل أصحاب ما يسمى بالمشروع الإسلامى فى فهم طبيعة علاقة المصريين بالدين- أى دين وليس الإسلام فقط- وكان طبيعيا أن ينفض المصريون أيديهم من أصحاب المشروع، بعد أن ظهر على المسرح بصورة واضحة بعيدا عن التجمل والخداع والادعاء الذى كانت تمارسه التيارات المتأسلمة وهى تحت الحصار، مدعية مرة أن الإسلام هو الحل، ومرة أخرى أن الشريعة الإسلامية فيها حلول لكل المشاكل التى تعانى منها مصر، وهو ما بدا بعد ذلك أنه كان أكبر عملية نصب استطاع المصريون أن ينهوها قبل أن تبتلعهم.
الدين بالنسبة للمصريين- والإسلام من بين ذلك بالطبع- ليس أكثر من أداة، يريحون به ضمائرهم، يضمنون أن حياتهم لن تذهب عبثا، يحدثون به حالة من التوازن النفسى، فليس معقولا أن يذهب الظالم بلا عقاب، وأن يمضى المظلوم بلا نصرة، ولأن الدنيا ليست منصفة بما يكفى فقد ارتضى المصريون أن يكون الحكم فى الآخرة.
يرحب المصريون بالدين - ومن ذلك الإسلام بالطبع - فى حياتهم، لكنهم عندما يجدونه يقف أمام حركة حياتهم كما يريدونها، فإنهم يتخففون منه، دون أن يعدموا الوسيلة التى يريحون بها أنفسهم ويضمنون بها رضا ربهم.. فربك فى النهاية عند المصريين رب قلوب.
لقد قامت قيامة أحد الدعاة الكبار، عندما قال أحدهم- فى تسجيل يتم تداوله الآن على شبكات التواصل الاجتماعى وكأنه فضيحة- إن مصر دولة علمانية ولن تكون أبدا إسلامية.. انتفض مدافعا عن إسلامية مصر، مؤكدا أن روحه فداء للإسلام، دون أن يدرك أن هذه الخناقة لا ناقة ولا جمل للمصريين فيها، فمصر لا علمانية ولا إسلامية، ولكنها مصرية لها مذاقها الخاص فى دينها وتاريخها وفنها وأدبها وموسيقاها وعاداتها وتقاليدها وثقافتها وطبيعتها النفسية.
هذه هى الحقيقة الواضحة أمامى، وأعتقد أنها سادت وستسود لأنها الحقيقة الوحيدة التى نعيشها دون الحاجة إلى التأكيد عليها، فهناك هوية مصرية تظلل الجميع، وتغلب الجميع، وتحاصر الجميع، ولا تستسلم لأحد.
لست فى موضع تفصيل الهوية المصرية، ولكن تكفى الإشارة إلى أنها هوية هضمت كل الأديان والأجناس وصنعت من ذلك جميعا سبيكة متماسكة ترفض أن يتم تغييرها، سبيكة وضعت الفرعونى إلى جوار الرومانى، وجاورت القبطى بالإسلامى، وقبل أن تنهى عملية التكوين أسست ملامحها على عربيتها وإفريقيتها وانتمائها إلى البحر المتوسط، ورغم التناقض الحاد بين كل هذه المكونات فإن أحدا لا يستطيع أن يفصلها عن شخصية المصرى، أو حتى يتوقع بأى مكون منها يكون رد فعله فى موقف بعينه.
لقد حاولوا تنميط الشخصية المصرية بأنها مرة ساخرة ومرة فهلوية ومرة خانعة، ولم يدركوا أن كل هذه وغيرها وجوه يرتديها المصرى، كل وجه لحاجته ولا أكثر من ذلك، دون تنظير أو محاولة لحصر المصرى فى خانة واحدة، أو التعامل معه على طريقة المعادلات الرياضية أو التجارب الكيمائية معروفة النتائج مسبقا.
خطيئة الإخوان الكبرى أنهم تجاهلوا كل ذلك، حاولوا أن يلعبوا فى سر التركيبة، وقد قادهم غباءهم إلى أن يكون الحافز لهذا التدخل هو الإسلام، اعتقادا منهم أن المصرى مغلوب على أمره أمام الإسلام، لا يستطيع أن يجادل أو يناقش أمرا يخصه، ولما أدرك المصريون أن هذه جماعة تعمل على تغييره وإعادة هيكلته، أعلن الغضب وأصر عليه، للدرجة التى وصل معها المواطن العادى إلى قناعة بأنه لم يعد للجماعة مكان فى مصر لا سياسيا ولا دينيا أيضا.
الإخوان، فى خلاصة للموقف، لم يكونوا إلا وقودا للهوية المصرية، كانوا مجرد حطب من بين الحطب الكثير الذى قدمه التاريخ من أجل أن تظل الهوية المصرية مشتعلة.. اللافت أنهم وهم فى طريقهم إلى الاحتراق، أكدوا أن المشروع الإسلامى ليس أكبر من المشروع المصرى بكل ألوانه وتناقضاته وانتصاراته وهناته، ورغم أن السعيد هو من اتعظ بغيره، فإننى أرى السلفيين يسيرون فى نفس الطريق، معتقدين أنهم يمكن أن يغلبوا الهوية المصرية بهويتهم السلفية بعد أن أخفقت الهوية الإخوانية دون أن يدركوا أن الهوية الإسلامية نفسها غير قادرة على محو الهوية المصرية.
هذه رؤية تمثل يقينى ومعتقدى.. لا أطالب أحدا باعتناقها أو الدعوة إليها، لأنها فى الأساس ليست اختيارًا بل قدر.. وهذا يكفى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.