العقيد أحمد محمد عاشور يحصل على زمالة كلية الدفاع الوطني حول استراتيجية مقترحة لاستخدام الأنماط القيادية في تحقيق التميز المؤسسي    وفد القومي للمرأة يزور وكالة التنمية الفلاحية في الرباط    سعر الريال السعودي في البنك المركزي بختام تعاملات الأسبوع    جيش الاحتلال يتبنى هجوم اللاذقية ويزعم أسباب القصف    مفاجأة، الأهلي يقترب من اللعب في الإسماعيلية الموسم المقبل    القبض على تاجري مخدرات وبحوزتهما كميات مختلفة في قنا    المحامي محمد حمودة عن وفاة أحمد الدجوي: ده مش بحبح وسوكة اللي نفذوها    أحمد السقا يتابع مونتاج فيلم "أحمد وأحمد" بعد عودته من دبي    ولادة قيصرية ل سيدة مصابة بالإيدز بقنا، والمحافظة تكشف التفاصيل    محافظة قنا: التزام بالإجراءات الوقائية فى التعامل مع حالة ولادة لمصابة بالإيدز    مفتي الجمهورية: التمسك بأحكام وحدود القرآن الكريم هو السبيل للحفاظ على الأمن الروحي والاجتماعي    هل تلقت تعويضا؟.. ريهام سعيد تكشف كواليس الصلح مع طبيب التجميل نادر صعب    بدأت بهجوم وانتهت بتقبيل الرأس.. القصة الكاملة لخلاف آية سماحة ومشيرة إسماعيل    ثلاثي بشتيل يقترب من الدوري الممتاز    "حزب الوعي" يدين قرار الاحتلال بإنشاء 22 مستوطنة جديدة في الضفة المحتلة    إكسترا نيوز تطلق تجربة جديدة.. مذيعات بالذكاء الاصطناعى عن مستقبل السينما    باكستان ترفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع أفغانستان إلى مرتبة سفير    تطرق أبواب السياسة بثقة :عصر ذهبى لتمكين المرأة فى مصر.. والدولة تفتح أبواب القيادة أمام النساء    من هو أحمد زعتر زوج أمينة خليل؟    مصرع شابين وإصابة 3 آخرين في حادث تصادم دراجتين بخاريتين ببني سويف    العشر من ذى الحجة    العمل: مستعدون لتوفير الكوادر المصرية المُدربة لسوق العمل الصربي    بتواجد ثلاثي ليفربول.. محمد صلاح يتصدر فريق الجماهير في الدوري الإنجليزي    بالمجان| الكشف الطبى على 800 مواطنًا خلال قافلة طبية بعزبة 8 في دمياط    وفد من مسئولي برامج الحماية الاجتماعية يتفقد المشروعات المنفذة بحياة كريمة في الدقهلية    عالم بالأوقاف: كل لحظة في العشر الأوائل من ذي الحجة كنز لا يعوض    سوريا تُرحب بقرار اليابان رفع العقوبات وتجميد الأصول عن 4 مصارف    4 مشاهدين فقط.. إيرادات فيلم "الصفا ثانوية بنات"    برنامج توعوي مخصص لحجاج السياحة يشمل ندوات دينية وتثقيفية يومية    نادي مدينتي للجولف يستضيف الجولة الختامية من دوري الاتحاد المصري للجولف    ألمانيا تربط تسلم أسلحة إسرائيل بتقييم الوضع الإنساني بغزة    عطل مفاجئ.. انقطاع المياه عن 3 أحياء بمدينة الخارجة    شعبة مواد البناء: أسعار الأسمنت ارتفعت 100% رغم ضعف الطلب    سقوط المتهم بالنصب على المواطنين ب«الدجل والشعوذة»    الحدائق والشواطئ بالإسكندرية تتزين لاستقبال عيد الأضحى وموسم الصيف    محمد حمدي لاعب زد يخضع لجراحة ناجحة فى الكوع    هام بشأن نتيجة قرعة شقق الإسكان الاجتماعي 2025| استعلم عنها    الأحد.. مجلس الشيوخ يناقش الأثر التشريعي لقانون التأمين الصحي والضريبة على العقارات المبنية    «أوقاف الدقهلية» تفتتح مسجدين وتنظم مقارئ ولقاءات دعوية للنشء    فى ليلة ساحرة.. مروة ناجى تبدع وتستحضر روح أم كلثوم على خشبة مسرح أخر حفلاتها قبل 50 عام    خطيب المسجد الحرام: الحج بلا تصريح أذية للمسلمين والعشر الأوائل خير أيام العام    الأعلى للجامعات: فتح باب القبول بالدراسات العليا لضباط القوات المسلحة    حكم من شرب أو أكل ناسيا فى نهار عرفة؟.. دار الإفتاء تجيب    الرئيس السيسى يؤكد التزام مصر الكامل بالحفاظ على المكانة الدينية الفريدة لدير سانت كاترين    أزمة تايوان تتفاقم.. واشنطن تعيد تشكيل الردع وبكين تلوّح بالرد    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد الشهيد بالقليوبية    الرئيس اللبنانى يزور العراق الأحد المقبل    طهران: تقرير الاستخبارات النمساوية المشكك في سلمية برنامجنا النووي كاذب    أسعار النفط تتجه لثاني خسارة أسبوعية قبيل قرار أوبك+    وزير الزراعة يستعرض جهود قطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة خلال مايو الجاري    ليلة في حب وردة وبليغ حمدي.. «الأوبرا» تحتفي بروائع زمن الفن الجميل    طقس مائل للحرارة اليوم الجمعة 30 مايو 2025 بشمال سيناء    ريا أبي راشد: أجريت مقابلة تلفزيونية مع مات ديمون بعد ولادة ابنتي بيومين فقط    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن البحر الأحمر    موعد مباراة الاتحاد والقادسية في نهائي كأس خادم الحرمين والقنوات الناقلة    «اعتذرتله».. ياسر إبراهيم يكشف كواليس خناقته الشهيرة مع نجم الزمالك    فرنسا تحظر التدخين في الأماكن المفتوحة المخصصة للأطفال بدءًا من يوليو    تقارير: أرسنال يقترب من تجديد عقد ساليبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام تقفيل مصرى .. لقد نزل القرآن متفرقا بين مكة والمدينة لكنه لم يقرأ ملحناً ومنغماً إلا هنا فى مصر.. والنبى محمد عليه الصلاة والسلام لا يقام له احتفال بيوم ميلاده إلا فى مصر
نشر في اليوم السابع يوم 04 - 08 - 2013

◄ " خطيئة الإخوان الكبرى أنهم حاولوا أن يلعبوا فى سر التركيبة، وقد قادهم غباءهم إلى أن يكون الحافز لهذا التدخل هو الإسلام، اعتقادا منهم أن المصرى مغلوب على أمره أمام الإسلام» "
◄ المصريون فشلوا فى اختبار التدين لأنهم لم يتلقوا الدين من أحد لا فى السماء ولا فى الأرض بل صنعناه صنعاً على أعيننا وأيدينا
◄" الإسلام دين أغلبية المصريين نعم.. لكن قولا وفعلا وممارسة فإن الاسلام الذى يعيش فى مصر مختلف تماما عن هذا الدين الذى نزل على الرسول "
لفد فشل أصحاب ما يسمى بالمشروع الإسلامى فى فهم طبيعة علاقة المصريين بالدين- أى دين وليس الإسلام فقط- وكان طبيعيا أن ينفض المصريون أيديهم من أصحاب المشروع.
يحلو للمصريين أن يعلنوا دائما أنهم «شعب بطبيعته متدين»، وهى أكذوبة متكاملة الأركان، لكن يمكن قبول ما يمكن أن نتواضع فى تعريفه بأنه مجرد تصور بأن المصريين شعب محافظ، فهذه أوقع، فالمسافة بين التدين والمحافظة كبيرة جدًا.
التدين يقضى بأن يكون سرك مثل جهرك، سلوكك مطابق لما تعلن أنه معتقدك، لا تعامل الناس بقدر ما تعامل الله وتبتغى رضاه، لكن كونك مواطنا محافظا فمعناه أنك تفعل كل ما يمكن أن يغضب الله ويخالف شرعه الذى حدده بين ثنائية افعل ولا تفعل بشكل واضح لا يحتمل المناورة، بشرط ألا يطلع عليه أو يعرفه أحد.
فما أجملك وأنت تعتاد المساجد، وتتردد على الأراضى المقدسة كل عام، وتعلن عن تبرعاتك وزكاتك وأعمالك التى تبتغى بها وجه الله، وفى الوقت نفسه تكون لك حياتك السرية التى تعرف أنك بطاعات قليلة وغير مجهدة وغير مكلفة يمكن أن تمحو آثار آثامك كلها مرة واحدة.
◄لكن لماذا فشل المصريون فى اختبار التدين؟
أعتقد- غير جازم بالطبع- أن السبب يرجع بشكل أساسى إلى أننا لم نتلق الدين من أحد، لا فى السماء ولا فى الأرض، بل صنعناه صنعا على أعيننا وأيدينا.. طبقا للأدبيات الإسلامية، فإن مصادر الإسلام معروفة ومحددة بالكتاب والسنة والإجماع والقياس، وهى مصادر لا ننكرها أبدا، لكنها قبل أن تصبح واقعا فى حياتنا خضعت جميعا للصنعة المصرية التى تعطى للأشياء روحها الخاصة وتطبعها بطباعها الفريدة.
جدك المصرى الأول شعر بعبثية الحياة التى تمضى دون أن يكون هناك حاكم يفصل بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الصالحين والطالحين، فذهب يبحث عن إله، لم يكتف بواحد فقط، فتنوعت الآلهة فى منظومة من التخصص وعدم التداخل.. وفى لحظة إنسانية نادرة - لا علاقة لها بالسماء أيضا - أيقن جدك المصرى أن تعدد الآلهة نوع آخر من العبث، فقرر أن يوحدها فى إله واحد.
ولذلك لم يكن تقاطع تاريخ الأنبياء المروى مع مصر أمرا غريبا أو مستهجنا، بل كان طبيعيا ومنطقيا، فإبراهيم عليه السلام يزورها، وموسى عليه السلام يستوطنها، وعيسى عليه السلام يأتيها مستغيثا ومستجيرا، حتى النبى محمد صلى الله عليه وسلم، لم تكتمل له دعوته إلا بالزواج من مصرية، وببشارة لأصحابه بأن الله سيفتح عليهم مصر، وهى البشارة التى صاحبها اعتراف بأن جندها هم خير أجناد الله، وهى البشارة التى يتعالى عليها الإخوان المسلمون الآن، ويشيرون إلى أن الحديث الذى أخبر عن هذه الحقيقة ضعيف ولم يقل به أحد، لمجرد اعتقادهم أن جند مصر انقلبوا على الجماعة «هامش: الإخوان مستعدون أن يكذبوا الرسول، صلى الله عليه وسلم، فى كل ما قاله إذا كان هذا يضمن لهم أن يعودوا إلى السلطة مرة أخرى».
التاريخ المصرى يشير إلى أن دعوات الأنبياء لم تكن صاحبة الكعب العالى على المصريين فى أى عصر من العصور، وقد تقول إن الديانات التى سبقت الإسلام لم تكن إلا ديانات مؤقتة، تفاعلت مع شعوب الأرض تمهيدا للديانة الخاتمة التى ستأتى لتقطع الطريق على كل من يدعى اتصالا بالسماء بعدها.. ولذلك كان طبيعيا ألا تعلو أى ديانة سابقة للإسلام على دين الله الخاتم.
لكن هذا من بين الأوهام الكثيرة التى نعيشها، فالإسلام دين اغلبية المصريين نعم، لكن قولا وفعلا وممارسة فإن الاسلام الذى يعيش فى مصر مختلف تماما عن هذا الدين الذى نزل على الرسول، صلى الله عليه وسلم، وإذا أردتم تعبيرا دقيقا يمكن أن نلخص به الأمر على إجماله، فهو أن الإسلام الذى نتفاعل معه ويتفاعل معنا ليس أكثر من «إسلام تقفيل مصر».
لقد نزل القرآن متفرقا بين مكة والمدينة، لكنه لم يقرأ ملحنا ومنغما إلا هنا فى مصر، قراءة محببة للروح والنفس، فمدرسة التلاوة المصرية فريدة ومتفردة، والأذان الذى وضع النبى كلماته ليس له وقع ولا تأثير إلا هنا فى مصر.
أما عن النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، فحدث ولا حرج، ففى موطن مولده لا يقام له احتفال بيوم ميلاده، لكننا هنا نتفنن فى الاحتفاء بهذه المناسبة، ونجعل منها عيدا دينيا شعبيا لا يشاركنا فيه أحد.. والأكثر من ذلك أننا تقريبا الشعب الوحيد الذى يغنى للنبى محمد أغانى تصل معه وبه إلى درجة التدليل.. نعم، فبلا تردد ومواربة، نحن شعب ندلل النبى.
حتى علاقة المصريين بالله سبحانه وتعالى تجدها علاقة خاصة، فبين سطور العلاقة بقايا من تأثير العلاقة الأولى التى نسجها الجد الأكبر - علاقة اختراع الإله عندما لم يجده ثم الخضوع التام له وتقديم كل آيات الولاء بين يديه.
علاقة المصرى بالله تبدأ بالعشم... فنحن شعب يطلب من الله ما ليس له بحق، أو ما لا يستحق، ونعرف أن الله سيستجيب لأننا «عشمانين فيه».. فلا يمكن أن تجد شعبا يطلب من الله شيئا دافعا بين يدى طلبه بقوله: «يارب عشان خاطر حبيبك النبى».. أو يقول: «طيب يارب عشان خاطرى».. دون أن يعرف هل له عند الله خاطر من الأساس أم لا.
وعندما يمنح الله عطاياه، وهو عطاء فى الغالب بلا حساب تجد المصريين يتعاملون مع الله بمنطق الدلال عليه سبحانه وتعالى، فرغم ما يقعون فيه من أخطاء تصل إلى درجة الكبائر، فإنهم يطمئنون إلى أن الله لا يمكن أن يعذبهم: يعنى احنا لو مدخلناش الجنة مين هيدخل... لكن وفى لحظة واحدة تختفى مفردات العشم والدلال، ليبدأ العتاب.
أعرف أنك لست مندهشا لأنى أتحدث عنك من البداية، وسيكون من الصعب أن تنكر ولو بينك وبين نفسك، أنك ولو لمرة واحدة نظرت إلى السماء، وقلت: «يارب أنا عملت إيه عشان تعمل معايا كله ده؟!».. تعاتب من خلقك دون أن تعتقد ولو للحظة واحدة أنك يمكن أن تكون قد تجاوزت حدودك، أو تعديت حدود الأدب معه.
لم يخرج القرآن من يد المصريين دون أن يضعوا بصمتهم عليه، وأعتقد جازما أن استخدام المصريين للقرآن لا يمكن أن تجده فى أى مكان فى العالم، فهم يقدسونه ويصلون ويتعبدون به، ما فى ذلك شك، لكنهم أخذوا بعض آياته ووظفوها لمصالحهم وأغراضهم الشخصية، وراجع الأمر قليلا، فالحلاق يعلق آية «وجوه يؤمئذ ناعمة» فى محله، وصاحب محل عصير القصب يغازل زبائنه بآية «وسقاهم ربهم شرابا طهورا».. حتى النصابون واللصوص لا يترددون عن تعليق آية «هذا من فضل ربى» أعلى رؤوسهم فى مكاتبهم.
حتى أولياء الله الصالحون الذين يقف المصريون على أبوابهم، ويعيب المتشددون علينا أننا نصل فى اعتقادنا بهم إلى درجة التقديس التى تصل إلى مساحة الشرك، صاغ المصريون علاقة خاصة بهم، فالمواطن المصرى البسيط وبخبث شديد يستغل الأولياء لمصلحته، ولا يمنحهم شيئا إلا بعد أن يحصل على كل ما يريد.
ليس عليك لتتأكد من ذلك إلا أن تتأمل فلسفة النذر لدى المصريين، فأنت تذهب إلى الولى تطلب منه شيئا، وتنذر بين يديه شيئا إن هو حقق لك ما تريد.. فإن لم تنل مرادك لم تقدم نذرك.. ولو كانت هناك ثقة مطلقة بين المصرى وأولياء الله الصالحين، لذهب بالنذر أولا دون أن يضع الاستجابة لما يريده شرطا للوفاء بنذره.
لا يزال هناك ما هو أكثر.. فالمسلم الذى يذهب لأولياء الله من المسلمين إذا لم يجد لديهم ما يبتغيه، يولى وجهه للقديسين المسيحيين، ولا يجد المسلم حرجا أبدا وهو يقف فى طاحونة الأنبا كيرلس وهو يلقى برسالة إليه يضمنها رجاءاته، أو يشعل بيديه شمعة حبا وكرامة لستنا مريم العذراء، ولا تتعجب إذا رأيت مسيحيا يتقرب إلى أولياء الله المسلمين طلبا للوصل وقضاء الحاجات... فدين الولى لا يهم بقدر ما تشعلنا كراماته ومعجزاته وقدرته على قضاء الحاجات.
هذه مجرد ملاحظات على دين المصريين، الذى لا تستطيع أن تفصل مكوناته.. لتعرف ما هو الأصل الذى جاء من السماء وما هى الإضافات التى تصل إلى درجة الإبداعات التى أضافها المصريون إليه، بما يجعلنا نقول باطمئنان شديد إن الاسلام ليس إلا جزءا من أجزاء حياة المصريين الكثيرة والمعقدة والمتناقضة.
مؤكد أنك ستسارع لتقطع على الطريق، وتقول إن الهوية الإسلامية هى الأشمل والأكثر عالمية، ويمكن أن تضع أمامى حالة النفاق السياسى التى خدعونا بها كثيرا، وهى أن هناك دوائر ثلاث يتحرك فيها المواطن المصرى، الدائرة الضيقة هى مصر، والدائرة الأوسع منها هى العربية، والدائرة الثالثة الأشمل هى الإسلامية.
لقد أراد أصحاب ما يسمى بالمشروع الإسلامى أن يوهمونا بأن الهوية المصرية هى الجزء والهوية الإسلامية هى الكل، وهؤلاء لا يلتفتون حتى للدائرة المصرية أو الدائرة العربية، فلا دائرة عندهم إلا الإسلامية التى تذوب فيها، وبها كل الدوائر، دون أن يدركوا الحقيقة التى تتفاعل على الأرض، وهى أن الهوية المصرية هى الأشمل والأعم والأبقى أيضا.
لن نشير إلى عمر الإسلام «ألف وأربعمائة عام فقط» وعمر مصر «ما يزيد على سبعة آلاف عام»، ولن نشير إلى الطبقات البشرية التى تعاقبت على مصر وتلك التى تعاقبت على الإسلام، لقد امتصت مصر شعوب الأرض جميعا منذ الهكسوس والفرس والروم والعرب والإنجليز والفرنسيين، بينما استعصت شعوب كثيرة على الإسلام، فإيران مثلا لم تتخل عن لغتها ولا عن اعتزازها بحضارتها... بل يعتبرها البعض خطرا على المشروع الإسلامى «يمكن أن نضرب أمثلة كثيرة لدول دخلها الإسلام دون أن يستطيع تغيير هويتها أو لغتها أو ثقافتها».
لفد فشل أصحاب ما يسمى بالمشروع الإسلامى فى فهم طبيعة علاقة المصريين بالدين- أى دين وليس الإسلام فقط- وكان طبيعيا أن ينفض المصريون أيديهم من أصحاب المشروع، بعد أن ظهر على المسرح بصورة واضحة بعيدا عن التجمل والخداع والادعاء الذى كانت تمارسه التيارات المتأسلمة وهى تحت الحصار، مدعية مرة أن الإسلام هو الحل، ومرة أخرى أن الشريعة الإسلامية فيها حلول لكل المشاكل التى تعانى منها مصر، وهو ما بدا بعد ذلك أنه كان أكبر عملية نصب استطاع المصريون أن ينهوها قبل أن تبتلعهم.
الدين بالنسبة للمصريين- والإسلام من بين ذلك بالطبع- ليس أكثر من أداة، يريحون به ضمائرهم، يضمنون أن حياتهم لن تذهب عبثا، يحدثون به حالة من التوازن النفسى، فليس معقولا أن يذهب الظالم بلا عقاب، وأن يمضى المظلوم بلا نصرة، ولأن الدنيا ليست منصفة بما يكفى فقد ارتضى المصريون أن يكون الحكم فى الآخرة.
يرحب المصريون بالدين - ومن ذلك الإسلام بالطبع - فى حياتهم، لكنهم عندما يجدونه يقف أمام حركة حياتهم كما يريدونها، فإنهم يتخففون منه، دون أن يعدموا الوسيلة التى يريحون بها أنفسهم ويضمنون بها رضا ربهم.. فربك فى النهاية عند المصريين رب قلوب.
لقد قامت قيامة أحد الدعاة الكبار، عندما قال أحدهم- فى تسجيل يتم تداوله الآن على شبكات التواصل الاجتماعى وكأنه فضيحة- إن مصر دولة علمانية ولن تكون أبدا إسلامية.. انتفض مدافعا عن إسلامية مصر، مؤكدا أن روحه فداء للإسلام، دون أن يدرك أن هذه الخناقة لا ناقة ولا جمل للمصريين فيها، فمصر لا علمانية ولا إسلامية، ولكنها مصرية لها مذاقها الخاص فى دينها وتاريخها وفنها وأدبها وموسيقاها وعاداتها وتقاليدها وثقافتها وطبيعتها النفسية.
هذه هى الحقيقة الواضحة أمامى، وأعتقد أنها سادت وستسود لأنها الحقيقة الوحيدة التى نعيشها دون الحاجة إلى التأكيد عليها، فهناك هوية مصرية تظلل الجميع، وتغلب الجميع، وتحاصر الجميع، ولا تستسلم لأحد.
لست فى موضع تفصيل الهوية المصرية، ولكن تكفى الإشارة إلى أنها هوية هضمت كل الأديان والأجناس وصنعت من ذلك جميعا سبيكة متماسكة ترفض أن يتم تغييرها، سبيكة وضعت الفرعونى إلى جوار الرومانى، وجاورت القبطى بالإسلامى، وقبل أن تنهى عملية التكوين أسست ملامحها على عربيتها وإفريقيتها وانتمائها إلى البحر المتوسط، ورغم التناقض الحاد بين كل هذه المكونات فإن أحدا لا يستطيع أن يفصلها عن شخصية المصرى، أو حتى يتوقع بأى مكون منها يكون رد فعله فى موقف بعينه.
لقد حاولوا تنميط الشخصية المصرية بأنها مرة ساخرة ومرة فهلوية ومرة خانعة، ولم يدركوا أن كل هذه وغيرها وجوه يرتديها المصرى، كل وجه لحاجته ولا أكثر من ذلك، دون تنظير أو محاولة لحصر المصرى فى خانة واحدة، أو التعامل معه على طريقة المعادلات الرياضية أو التجارب الكيمائية معروفة النتائج مسبقا.
خطيئة الإخوان الكبرى أنهم تجاهلوا كل ذلك، حاولوا أن يلعبوا فى سر التركيبة، وقد قادهم غباءهم إلى أن يكون الحافز لهذا التدخل هو الإسلام، اعتقادا منهم أن المصرى مغلوب على أمره أمام الإسلام، لا يستطيع أن يجادل أو يناقش أمرا يخصه، ولما أدرك المصريون أن هذه جماعة تعمل على تغييره وإعادة هيكلته، أعلن الغضب وأصر عليه، للدرجة التى وصل معها المواطن العادى إلى قناعة بأنه لم يعد للجماعة مكان فى مصر لا سياسيا ولا دينيا أيضا.
الإخوان، فى خلاصة للموقف، لم يكونوا إلا وقودا للهوية المصرية، كانوا مجرد حطب من بين الحطب الكثير الذى قدمه التاريخ من أجل أن تظل الهوية المصرية مشتعلة.. اللافت أنهم وهم فى طريقهم إلى الاحتراق، أكدوا أن المشروع الإسلامى ليس أكبر من المشروع المصرى بكل ألوانه وتناقضاته وانتصاراته وهناته، ورغم أن السعيد هو من اتعظ بغيره، فإننى أرى السلفيين يسيرون فى نفس الطريق، معتقدين أنهم يمكن أن يغلبوا الهوية المصرية بهويتهم السلفية بعد أن أخفقت الهوية الإخوانية دون أن يدركوا أن الهوية الإسلامية نفسها غير قادرة على محو الهوية المصرية.
هذه رؤية تمثل يقينى ومعتقدى.. لا أطالب أحدا باعتناقها أو الدعوة إليها، لأنها فى الأساس ليست اختيارًا بل قدر.. وهذا يكفى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.