◄هل خوف رجال الرئيس من غضبه قد يمنعهم من ممارسة وظيفتهم المهمة بإطلاع الرئيس على خفايا وكوارث ما يحدث؟ أو يمنعهم من انتقاد قرار رئاسى يرون أنه قد يجر المتاعب على البلد؟ ◄إذا كان محافظ حلوان الذى يشيد كل يوم بحكمة الرئيس يرى أنه الأشجع فإن ذلك يعنى بالضرورة «جبن» أولئك الذين يقفون حول الرئيس ولم ينتقدوا يوماً قراراته ◄خسائر البلد الناتجة عن خوف رجال الرئيس من مواجهته تقدر بالملايين.. وطريق المحور ومترو 6 أكتوبر والعلاوة الاجتماعية أبرز مثال على ذلك لا حديث يتم عن الرئيس - أى رئيس - بدون مقدمة طويلة ومعقدة عن الرجال حوله، وهل يوجد سقف بدون عمدان؟ رجال الرئيس أى رئيس - هم عمدانه، و«عكازه» الذى به يسير ويشير ويضرب أيضاً، هم «البوصلة» التى إذا قالت له شمال راح شمال، هم أصحاب الشورى والمشورة، «الفلتر» الذى تمر من خلاله الأخبار والمعلومات للرئيس، و«المصفاة» التى تمر من خلالها أوامره وقراراته وكلماته. التاريخ لم ينصفهم أبداً، وهم بدورهم لم يقدموا للتاريخ أى برهان يدفعه لإعادة رسم تلك الصورة التى صدرها للناس عبر العصور المختلفة وكانوا فيها للفساد والظلم رفقاء، بل تمادى أحياناً وأنقذ على حسهم كثيرا من السلاطين والرؤساء من تهمة الظلم والضعف حينما وضع قاعدة تقول: فساد السلطان - أى سلطان - من فساد حاشيته. التاريخ أطلق عليهم لقب «الحاشية» وتحدث كثيرا عن فسادهم، والعلوم السياسية الحديثة قالت إنهم مستشارو الرئيس ورجاله، ولكنها لم تنس أيضا إلى أن تشير إلى تأثيرهم الواضح فى انهيار الأنظمة وتدهور الدول، التاريخ والعلوم السياسية أكدت الاتهام فى مواضع مختلفة بناء على ما حددته من وظائف هامة ذكرناها فى السطور الأولى لمستشارى الرئيس وحاشيته، ولكن هل يعنى ذلك أن التاريخ لم ينصف أحدهم قط؟ هل يعنى ذلك أن الرئيس - أى رئيس - لم ينجُ من فخ حاشيته؟ وهل جبروت الحاشية أو المستشارين يعنى بالضرورة براءة الرئيس على اعتبار أنهم يمثلون عينه التى يرى بها؟ كثيرون يحلو لهم هذا المنطق الذى يضمن البراءة دائما للرئيس من كل المصائب، مع اختيار أحد رجاله ككبش فداء يلقى عليه الناس ماشاءوا من حجارة غضبهم، وكثيرون كما هو الحال فى مصر يلتمسون العذر للرئيس بسبب تنازل رجاله ومستشاريه عن أحد أهم وظائف أفراد الحاشية، ألا وهى ردع السلطان أو الرئيس، مناقشته، نقد قراراته وتصحيح خطواته، أهل المعارضة «الحنينة» فى مصر على رأس القائمة التى تستحيى من انتقاد الرئيس مباشرة فتتوجه بلومها إلى من حوله من مسئولين ورجال وتتهمهم بعدم القدرة على مناقشة الرئيس أو تقديم المشورة له، وهو وصف شيك وبديل لاتهام رجال الرئيس مبارك بالجبن، سواء فيما يخص مواجهة الرئيس بأخطائه، أو نقد قراراته، أو فيما يخص الأحوال الحقيقية للشارع المصرى التى يتردد كثيرا أن الرئيس تصله تقارير عن مصر خيالية غير تلك التى نعيش تفاصيل آلامها يومياً. هل خوف رجال الرئيس من غضبه قد يمنعهم من ممارسة وظيفتهم المهمة بإطلاع الرئيس على خفايا وكوارث ما يحدث فى البلد؟ أو يمنعهم من انتقاد قرار رئاسى يرون أنه قد يجر المتاعب على البلد؟ الإجابة قد تبدو سهلة إذا راجعت كتب التاريخ، خاصة ما كتب عن عصر عبد الناصر والتقارير الكاذبة التى كانت ترفع إليه من أتباعه لأغراض شخصية، أو عصر السادات الذى مازال أنصاره حتى الآن يؤكدون أن الرئيس تم خداعه فى التقارير التى رفعت له بأسماء من تم القبض عليهم فى اعتقالات سبتمبر. الإجابة قد تبدو أسهل ونحن نتحدث عن عصر الرئيس مبارك، ويكفيك أن تنظر لحالة الهلع والرعب التى تنتاب المسئولين حينما يقرر مبارك زيارة منطقة ما أو محافظة معينة، بسرعة يتبدل حال المنطقة وتصبح قطعة من أوروبا، فهل يعنى ذلك أن المسئولين حول الرئيس حسنى مبارك أجبن من أن يواجهوه بحقيقة البلد؟ مثال واحد فقط قد يمنحك الإجابة التى تستحقها، هل تتذكر كلام وخطط وزارة الإسكان فى ظل وزيرها السابق إبراهيم سليمان عن مد خط مترو إلى مدينة السادس من أكتوبر الجديدة حينها؟، بالتأكيد تذكر هذا وتذكر تعليق الرئيس مبارك الذى أضحك الجميع حينما قال وقتها «إحنا عايزين الناس تقعد هناك متنزلش.. إحنا بنبنى مدن جديدة عشان نخف الزحمة فى القاهرة»، لم يحاول الوزير ولم تحاول الحكومة أن تناقش الرئيس فى وجهة نظره واستمعت واستجابت، والنتيجة أن ما كان يمكن إنجازه فى التسعينيات ببضع ملايين أصبحنا نتحدث عن التخطيط لإنجازه فى المستقبل بأضعاف ما كنا نستعد لدفعه منذ 18 سنة على الأقل. المثال السابق ليس وحيداً ولكنه يخبرك ببساطة مالذى قد يحدث إذا خاف رجال الرئيس من مواجهته، وربما تصبح الصورة الآن أقرب من ذى قبل بعد التصريح المفاجئ لمحافظ حلوان، حازم القويضى، الذى أكد فيه وبالنص: (أنا أشجع واحد فيكى يا مصر بعد الرئيس مبارك.. أنا مستغنى.. وشايل كفنى على أيدى..). تصريح المحافظ أكد ما كانت المعارضة تردده من قبل، ونفى صفة الشجاعة عن رجال حول مبارك بحجم الدكتور فتحى سرور ومفيد شهاب وحبيب العادلى والدكتور أحمد نظيف ووزرائه، لأنه إذا كان القويضى، محافظ حلوان، الذى يشيد كل يوم بحكمة السيد الرئيس وحسن قراراته يرى أنه الأشجع فى مصر من بعده، فإن ذلك يعنى بالضرورة «جبن» أولئك الذين يقفون حول الرئيس ولم نسمع أحدا منهم فى يوم ما وهو يعترض على قرار للرئيس أو حتى ينتقده، أو يعلق عليه بجملة غير «حكمة السيد الرئيس ورجاحة عقله».. راجع تصريحات نظيف ووزرائه والدكتور سرور ونوابه والدكتور مفيد شهاب وجميع رجال الرئيس مبارك حينما يعلقون على شىء يخصه، وإن خلت منها عبارة حكمة الرئيس.. ادعى ربنا يسخطنى قرد لو عاوز!! تصريح القويضى يفتح الباب للتساؤل حول من هم الجبناء الذين يعيشون بجوار الرئيس، لأنه إذا كان القويضى قد نصب نفسه الأشجع معتمداً على قدرته على الاستغناء عن المنصب، فإننا لم نسمع يوما أحدا ممن هم حول مبارك قد صرح فى مرة من المرات بأنه يستعد للرحيل اعتراضاً على الأوضاع أو اعترافا بفشل.. حتى الوزير فاروق حسنى حينما أخجله فشله وأوجعته دماء ضحايا مسرح بنى سويف وأدرك بنفسه كوارثه وقدم استقالته سنة 2005 تحت غطاء طلب الراحة، تراجع مسرعا بمجرد أن رفضها الرئيس ولم يبدِ أى نوع من الإصرار ولم يدافع عن وجهة نظره، وكأن كل الأسباب التى أعلن الاستقالة بسببها لم تكن موجودة من الأصل.. وبالتالى وصل الحال فى وزارة الثقافة إلى ما هو عليه الآن! كلام السيد المحافظ يعنى أن هؤلاء الذين يلتقيهم رئيس الجمهورية فى الصباح والمساء يمنعهم جبنهم من رده إذا كان قراره خطأ أو حتى مناقشته فى وجهة نظر تخالف الحقيقة، وبمنطق سيادة المحافظ فإن هؤلاء الذين يجلسون مع الرئيس وقربا منه ويمثلون حلقة الوصل بينه وبين الشعب «أجبن» من أن ينقلوا له حقيقة ما يحدث فى الشارع، لأن نقص جينات الشجاعة لديهم تمنعهم من ذلك، مثلما حدث بالضبط فى مشاكل عديدة، مثل أزمة بدل نقابة الصحفيين.. ظل يوسف غالى يتحدث عن عدم وجود موارد مالية حتى جاء أمر الرئيس فلم يناقشه حتى فى قراره وصرف البدل، وكأنه كان فى جيبه، هذا بخلاف ما حدث ويحدث يوميا مع كل زيارة رئاسية حيث يسرع المسئولون فى الانتهاء من المشروعات كى يفتتحها الرئيس، ثم تنهار هذه المشروعات ويعاد العمل فيها مجددا، ولديك طريق المحور كأبرز مثال على ذلك، استعجلت الحكومة فى افتتاحه ثم عادت ترممه بعد 9 سنوات فقط منذ إنشائه بتكلفة 95 مليون جنيه وعمل عام كامل أصاب البلد بحالة من الشلل المرورى ومئات الحوادث التى قدرت خسائرها البشرية بالمئات، والمادية بمئات الآلاف.. كل هذا لأن وزير الإسكان حينها لم يستطع أن يقول للرئيس إن افتتاح المشروع قد يتأجل عن موعده قليلا ضمانا للحصول على جودة أفضل. كل هذا يعنى بالتبعية أن شركاء الرئيس مبارك فى اتخاذ القرار لا يقومون بدورهم كما يجب نظرا لخوفهم من الرئيس، مما يعنى أن الرئيس يدير الأمور بمفرده، ويعنى أيضاً حسب منطق أهل المعارضة «الحنينة» أن الرئيس معذور لأن رجاله أجبن من أن يخبروه بالوضع الحقيقى لحال البلد، وبناء على ذلك فإن حاشية الرئيس مبارك أو مستشاريه ينطبق عليهم الوصف التاريخى فيما يتعلق بمسئوليتهم عن فساد الأمور نظرا لتنازلهم عن القيام بأهم وظيفتين تخص رجال الرئيس.. الأولى خوفهم من مواجهة الرئيس فى أوقات نزواته القرارية، وخشيتهم من انتقاد وجهة نظره، والثانية عدم نقل صورة كاملة للواقع وكوارثه خوفا من غضبة متوقعة من الرئيس، وحالة الخوف هذه تجعل من حول الرئيس ضمن فئة شركاء اتخاذ القرار الذين عرفتهم العلوم السياسية بأنهم مجموعة تعتمد على ما يحملون من أعذار وحجج واهية وعقيمة تصور لهم الأمور عكس ما هو مطلوب ومستحسن، ولم يتركوا لغيرهم إلا الشكليات والهامشيات، والنتيجة أنهم أضروا بأنفسهم وصنعوا منها آلهة لا تقبل النقد أو التشكيك، والغريب أنهم يطرحون دلائل كثيرة للتأكيد على صحة اختيارهم لأنفسهم كشركاء لصناعة القرار فى محاولة لتعويض إحساسهم بالنقص أو الخوف من مواجهة حقيقة عدم مشاركتهم الفعلية فى اتخاذ القرار، وهم يرون أيضا أن صور الأشياء عندهم أوضح من غيرهم، نظراً للموقع المتميز الذى شغلوه والمعلومات الواسعة المتوفرة لديهم دون سواهم، وأن استشارة الآخرين تقلل من منزلتهم وشأنهم، وعامل إضاعة للوقت، وبالتالى يصبح ما يصل للرئيس أو المسئول الأكبر من بيانات ومعلومات مشوها بحكم الخوف من غضبه أو بحكم غرورهم. دعك من الكلام النظرى فأنت لست فى حاجة إلى طبيب نفسى أو خبير اجتماعى ليحلل لك نفسية أهل السلطة وخصوصا فى مصر، لأننا اتفقنا منذ البداية على أن ضعف من حول الرئيس وخوفهم من مواجهته جعل من مسألة اتخاذ القرار فى شكله النهائى فى يد شخص واحد فقط هو الرئيس مبارك الذى يحب دائما أن يفاجئ الجميع بقراراته مثلما فعل فى قرار التعديلات الدستورية الذى اتخذه فى مدرسة المساعى المشكورة بعد طول رفض من جانبه لمطالب المعارضة بالتعديلات، ومثل قراره الأخير بالعلاوة السنوية. هذه الطريقة التى يتبعها الرئيس فى اتخاذ القرار تعنى بالضرورة أنه لا أحد يناقشه بدليل حالة «اللخبطة» التى أصابت الحكومة بعد إعلان الرئيس عن العلاوة الاجتماعية، والتى بدا من خلالها أنه لا أحد قد شارك الرئيس فى دراسة القرار أو حتى حذره من سرعة الإعلان عنه دون توفير موارد مثالية لتنفيذه. هل عرفت الآن لماذا ارتبط الفساد وانهيار الأنظمة برجال الرئيس أكثر مما ارتبط بالرئيس نفسه؟ المسألة كلها تتعلق بمستشارى الرئيس - أى رئيس- ومدى إخلاصهم للوطن لا لشخص الحاكم، تتعلق بكلمة الحق التى يصلحون بها شتت المسئول أو ضعف نظره، بالتقرير الصادق عن نتائج أدائهم المخيبة بغض النظر عن غضب الرئيس، ربما لم يدرك محافظ حلوان أن كلماته التى قالها للشهرة اصطادت دون أن يدرى وجع مصر، لأنه لو كان هو أو غيره من المسئولين يتمتع بالشجاعة الكافية للاعتراف بالخطأ أو مواجهة الرئيس لكان حال البلد غير الحال، لو كان هو أو غيره قادرين على أن يقفوا أمام الرئيس مثلما وقف أحدهم أمام عمرو بن الخطاب رضى الله عنه ليقول له: (يا عمر إن رأينا فيك اعوجاجا قومناك) لكان وضعنا الآن غير الذى نحن فيه، ولكانت كتب التاريخ قد سجلت أول حالة إنصاف لرجال كل وظيفتهم أنهم يجلسون حول الرئيس. لمعلوماتك... ◄95 مليون جنيه هى قيمة التكلفة التى تم بها إعادة صيانة طريق المحور لمدة عام كامل بعد سنوات قليلة من إنشائه