على مدار الأعوام الماضية كانت المحكمة الدستورية العليا وبلا منازع على رأس قوى مناهضة التمييز الاجتماعى فى مصر، وذلك بإصدارها عددا لا بأس به من الأحكام شكلت فى مجملها أساسا نظريا وعلميا راسخا من الوجهة الدستورية والقانونية بصدد مقاومة التمييز الاجتماعى ومناهضة الاعتداء على الحقوق الشخصية للمواطن المصرى.. وقد مرت تلك الأحكام مرور العابرين على الرأى العام المصرى، نظرا لأنها تخص فئه قل إ حظيت باهتمام النخبه من قوانا السياسية والمدنية وهذه الفئة هى أصحاب المعاشات.. وبالأخص ممن خرجوا على المعاش المبكر نتاج سياسات الخصخصة وما يسمى بإعادة التكييف الهيكلى للاقتصاد المصرى.. والذى شابه العديد من المؤامرات التى كان ضحيتها الأولى هم العمال الذين تم تسريحهم تحت وهم المعاش المبكر.. ومنذ أيام أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكمها بإحالة دعوى أصحاب المعاشات إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية ربط الموازنة العامة للدولة بأموال التأمينات وأسست المحكمة حكمها على اعتبار أموال التأمينات أموالا خاصة بالمشتركين بالنظام التأمينى، وأن هذا الربط لا يوفر للنظام التأمينى إطاراً تنظيمياً وإشرافياً محايداً, وبهذه الإحالة.. صار على المحكمة الدستورية أن تفصل فى دعويين فبالإضافة إلى تلك الدعوى فهناك الدعوى المتداولة الآن والخاصه بعدم دستورية التفرقه بين أصحاب المعاشات والعاملين بالدولة الخاصة بالعام السابق... حيث يحصل العاملون بالدولة على 30% بينما يحصل أصحاب المعاشات على 20% وبحد أقصى مائة جنيه!!! وقد أصدرت المحكمة الدستورية العديد من الأحكام التى أقرت فيها بعدم دستورية سلب تلك الحقوق من أصحاب المعاشات، وكان آخرها الحكم الصادر بشأن عدم دستورية وضع حد أقصى للعلاوة الاجتماعية المنصرفة عام 2004. ومن الثابت تاريخيا أن نظام التأمين الاجتماعى هو نظام تتعهد بمقتضاه الدولة أن تهيئ أفضل الظروف التى تفى باحتياجات من تقرر لمصلحتهم والارتقاء بمعيشتهم.. ولا يجوز للدولة أن تتحايل على هذا الأصل وما يقتضيه من مبادئ وعلى رأسها إعمال مبدأ المساواة بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة.. مادام قد التزم الجميع بالوفاء بالتزاماته التأمينية استنادا إلى أن الدستور المصرى قد أقر فى العديد من أحكامه حماية الحقوق الشخصيه وصونها. وجاءت أحكام الدستورية لترسى الأساس لتلك الحقوق كما قالت فى أحد أحكامها:- "إن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التى كفلها الدستور أو القانون, وذلك بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة بين المؤهلين للانتفاع بها, كما أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون والذى رددته الدساتير المصرية المتعاقبة جميعها, بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها وأساسا للعدل والسلام الاجتماعى غايته صون الحريات فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها باعتباره وسيلة لتبرير الحماية القانونية المتكافئة....."حكم 4/5/2008 فى الدعوى رقم 310 لسنة 24 ق". وبتلك المبادئ الرفيعة التى تأكدت بأحكام قضائية صادرة من أعلى مستويات السلطة القضائية وأصلت لها تأصيلا يستعصى على التحايل والالتفاف عليها... وجب فى هذا السياق أن تنصاع الدولة صاغرة فى كافة قراراتها وتشريعاتها إلى أعمال تلك المبادئ ومراعاة عدم التمييز بين المواطنين المتمتعين بمراكز قانونيه متماثله.. ومن هذا المنطلق فإن القانون 114 لسنة 2008 الصادر بشأن إقرار العلاوة الاجتماعية الخاصة نسبة 30% للعاملين الذين ما زالوا بالخدمة... و20% لمن هم خارج الخدمة من أصحاب المعاشات مع وضع حد أقصى بمائة جنيه... إنما هو ضرب من ضروب التمييز الاجتماعى الصارخ وفى ذات الوقت تجاهل عمدى لما استقرت عليه أحكام المحكمة الدستورية وبالأخص الحكم الصادر مؤخر بعدم دستورية تحديد حد أقصى لقيمة علاوة 2004.. وما تأسس عليه الحكم من أن الغرض من تلك العلاوة هو مواجهة وحش الغلاء الذى يلتهم كل دخل الأسرة فى الأيام الأولى من كل شهر.. وهذا الغلاء لا يفرق بين عامل فى الدولة أو صاحب معاش، بل إن أصحاب المعاشات هم الفئة الأكثر احتياجا لتقدمهم فى السن وعجزهم عن الالتحاق بأى عمل آخر.. مما يجعل عدم مساواتهم بالعاملين بالدولة ظلم وإجحاف شديدين لا يتناسبان مطلقا مع ما قدموه من خدمات وتضحيات أثناء عملهم، ولاسيما أنهم أكثر فئات المجتمع التى تستحق الدعم والرعاية المادية والاجتماعية والإنسانية.. كما أن ربط أموال التامينات بالموازنة العامة للدولة يجعل من أموال التأمينات مالا مستباحا للخزانه العامة.. وهو ما حدث بالمضاربة والاستثمار الفاشل حتى بلغت المبالغ التى تم الاستيلاء عليها 175 مليار جنيه هى حصيلة اشتراكات العاملين وأموال أصحاب المعاشات.. وإزاء هذه المؤامرات الحكومية والظلم الاجتماعى الصارخ الذى يتعرض له أصحاب المعاشات... بات من الضرورى إحياء المطلب الخاص بتشكيل مجلس رقابى يختص بالمتابعة والإشراف على أموال المعاشات وحمايتها من التلاعب بها.. على أن يكون ضمن هذا المجلس ممثلون عن أصحاب المعاشات من خلال كيان مستقل يعبر عنهم ويقودهم نحو تأمين حقوقهم والمطالبة بها. ويحتاج هذا إلى حملة منظمة من كافة القوى المعنية ترفع شعار: "الأمن الاجتماعى والعدالة لأصحاب المعاشات"