تحت ضغوط العمل والحياة اليومية، نحتاج إلى متنفس لإخراج الشحنات السلبية التى تتراكم على مدار الأيام، البعض يفرغ طاقته فى هواية يحبها أو رياضة يعشقها. إلا أن محبى الفنون اكتشفوا طريقة مبتكرة للتعبير عن أنفسهم والتصريح بكل مشاعرهم وعواطفهم وآلامهم التى لا يستطيعون البوح بها على أرض الواقع. السيكودراما أو التمثيل المسرحى معروف منذ أيام الإغريق، وتنقسم الكلمة إلى شقين الأول نفسى والآخر فنى وهو إحدى طرق العلاج النفسى من خلال الدراما، حيث تجمع الجلسة الواحدة ما بين مرضى نفسيين وأشخاص عاديين يقومون بأدوار مختلفة ويلعب الطبيب النفسى دور المخرج. "التسخين" هو المرحلة الأولى من السيكودراما، حيث يحكى كل من أعضاء الجلسة بما فيهم الطبيب النفسى الأحداث التى مرت به خلال أسبوع ليلقى بالكرة إلى عضو آخر يعرف نفسه لباقى الأعضاء حتى تكتمل المرحلة الأولى وقد تعرف كل عضو ولو جزئيا على باقى الأعضاء. وككل الأعمال الدرامية هناك بطل يرشحه الطبيب النفسى أو (المخرج) ليجلس على كرسى الاعتراف المميز ويسلط عليه الضوء وحده ليجرى حوارا مع نفسه يشبه المونودراما ويتحول باقى المجموعة إلى جمهور متفرج، ولكنه يبدأ فى التفاعل تدريجيا مع البطل من خلال توجيه بعض الأسئلة للتعرف عليه بصورة أعمق. يشاهد الجمهور عرض مسرحى شديد التلقائية والعفوية يدور حول حياة البطل ولكنه لا يكتفى بالمشاهدة، حيث يتدخل الجمهور ليمثلوا أهم الشخصيات فى حياة ذلك البطل وتستمر الدراما فى تصاعدها حتى تصل إلى العقدة أو حقيقة المشكلة التى يعانيها البطل. تعرية الذات أمام الآخرين أو البوح بأسرار الذات قد تكون من أصعب الأمور خلال هذه الجلسات، إلا أنها تمثل نوع التطهر والتخلص من الأعباء النفسية الناتجة عن اختزان الآلام بداخلنا. ويوقف المخرج الدراما حين يرى استنزافها للشحنة الانفعالية أو تحريكها لمكنون الشخصية ويكون البطل قد فهم بدقة مشاكله النفسية. لتبدأ المجموعة فى تقييم الجلسة من خلال تعبير الجمهور عن انطباعاته وتشارك الخبرات والتجارب السابقة وتبصير البطل بمشاكله ودفعه إلى إيجاد حلول لها. كان دكتور خليل فاضل استشارى الطب النفسى من أوائل الأطباء النفسيين الذين استخدموا السايكودراما فى علاج المرضى النفسيين وطبقها على عدد من المدمنين من خلال مشاهد تمثيلية توضح مصير المدمن لو استمر فى هذا الطريق، أو تجسيد حال أسرته، وما قد يحدث لها من تشريد وتفكك بعد سنوات من إدمانه. ففى إحدى جلسات السايكودراما التى عقدها الطبيب النفسى دكتور عادل مدنى ودكتوره منى أبو طرية والتى دارت حول إحدى الأسر التى يتناقش فيها الأبوان أمام الأبناء الحرية فى المعرفة الجنسية وتحديد مصدرها، فالأب منفتح ويؤيد وصول الأبناء للمعرفة الجنسية بكل الطرق، أما الأم ترفض مبدأ الأب وترى ما يريده نوع من الفساد الأخلاقى والانحلال. من خلال السايكودراما استطاع دكتور عادل مدنى تفسير سلوكيات أحد المراهقين الذين ينساق وراء الأفلام الإباحية للحصول على معلومات جنسية وينتهز الخلاف بين والديه للحصول على أكبر قدر من المكاسب. يقع اختيار دكتور عادل مدنى على البطل الذى يجسد دور المراهق ويتدخل من حين إلى آخر فى الحوار ليزيد حالة النقاش اشتعالا، حيث يصر الأب على موقفه بحجة الانفتاح وتأكيد الأبحاث العلمية على ضرورة إكساب الأولاد الثقافة الجنسية وتصر الأم على التمسك بالقيم. وتضيع الفتاة بينهما وبين رغبتها فى الحصول على المعرفة الجنسية من الطرق الخلفية لها وبين خجلها من النقاش العلنى لهذا الموضوع أمام أخوها وأبويها، فتفضل الهروب والانطواء. ويظل الابن المراهق هو المستفيد من حالة الاختلاف والصراع مستغلا سقطات الأبوين ليجد لنفسه المبررات ليفعل ما يشاء بدعوى التثقيف والاقتداء بوالديه.