المذبحة" أو "المحرقة أو "الجريمة الكبري".. جميعها عبارات استخدمها العالم لوصف ما حدث بحق الأقلية الأرمنية المسيحية في تركيا على يد الأتراك العثمانيين، والتي احتفل العالم أجمع بذكراها ال 99 في الرابع والعشرين من أبريل الماضي، تلك التي بدأت حين قام العثمانيون بجمع المئات من أهم الشخصيات الأرمنية في إسطنبول وتم إعدامهم في ساحات المدينة، مع أمر بقية العائلات الأرمنية بترك ممتلكاتهم والرحيل لمئات الأميال دون ماء أو غذاء. جريمة "إبادة جماعية" نتج عنها مقتل ما بين مليون إلى مليون ونصف شخص من الأرمن.. وفظائع روتها شاهدة العيان العجوز الأرمنية "يوفينوج ساليبيان" التي تجاوزت المائة عام من العمر لصحيفة "الإندبندنت" الإنجليزية الشهر الماضي، و"ساليبيان" التي حظيت بالنجاة في بادئ الأمر بسبب ارتباط والدها بمصالح تجارية مع أتراك قبل أن يتم ترحيلها قصرًا بعيدا عن عائلتها إلى مدينة حلب، لتروي ما حدث للأرمن من القتل رميًا بالرصاص، والطعن، وقطع الرقاب، وإرسال الأطفال نحو الغابات في شمال سوريا حيث كان يتم تجويعهم واغتصابهم بل وذبحهم.. وروت "ساليبيان" عن صراخ الأطفال الذين اُقتيدوا حفاة الأقدام وكيف كان الجنود الأتراك يضربونهم بالسياط لدفعهم للمغادرة.. ولدي العالم صور فوتوغرافية تشهد على بشاعة تلك المذبحة، كتلك التي التقطها صحفي ألماني ومحفوظة في أرشيف الفاتيكان، لأمهات أرمنيات صُلبن عرايا على يد الجنود الأتراك. في العام المقبل يمر قرن من الزمان على تلك الجريمة الإنسانية البشعة.. وما زال "دوغو برنتشك " و"رجب طيب أردوغان" وغيرهما من القيادات التركية يرفضون الاعتراف بجرائم السلطان التركي "عبد الحميد الثاني" والمسئول عن تلك الإبادة في هذا الوقت.. وكل ما يستطيعون فعله هو مغازلة الدول الأوربية من أجل حلم الانضمام للاتحاد الأوربي، لتظهر تصريحات هزلية مطاطة وعبارات لا تعبر عما حدث من الجانب التركي على شاكلة "أن ترحيل الأرمن كان له تبعات غير إنسانية" أو أكاذيب أردوغانية مثل "أن هناك قتلي من الجانبين" أو "أن عدد القتلي 300 ألف فقط".. وفي ظل إصرار على عدم ذكر لفظ "إبادة جماعية"، بل وفي بلطجة سياسية تنتقد أي دولة تطالبها بالاعتراف بتلك الجريمة. ولأن المبادئ لا تتغير فإن التاريخ يعيد نفسه بعد قرن من الزمان، فأردوغان الآن يدعم مجموعات دموية مقاتلة في سوريا، تفعل بالسوريين مثل ما فعلوه بالأرمن.. كذلك يمارس رئيس الوزراء التركي تدخلًا فجًا في الشأن الداخلي المصري ويدعم جماعة إرهابية تشاركه حلم عودة الخلافة مثل جماعة "الإخوان"، وهي جماعة لن تسلك سلوكا مختلفا في التعامل مع معارضيها عن تعامل العثمانيين مع الأرمن، إنها فرصة مصر الآن أن تنظر لهذا الأمر بعين سياسية دون الخضوع لابتزاز ديني من قبل الإسلاميين في مصر، وأن تعترف بالإبادة الجماعية للأرمن على يد الأتراك، وخاصة أنها دولة شاهدة على تلك الإبادة حيث كانت مصر ولاية عثمانية وقتئذ.. اعتراف مصر بمذبحة الأرمن ومن خلال ثقلها السياسي العربي سيشجع دولًا عربية أخرى على الاعتراف بتلك المذبحة.. اعتراف مصر بتلك المذبحة سيكون المسمار الأخير في نعش الحلم التركي بالانضمام إلى الاتحاد الأوربي.. اعتراف مصر بالمذبحة الأرمنية سيكون بمثابة "الكارثة" بالنسبة لأنقرة - بحسب تعبير صحيفة مونيتور الأمريكية - والتي ستضطر في حال ثبوت تلك الجريمة إلى دفع مليارات الدولارات إلى الأرمن.. اعتراف مصر بمذبحة الأرمن واجب "أخلاقي" تجاه الإنسانية، والتزام "سياسي" للرد على دولة تتدخل بشكل سافر في شئوننا.