رسم تخطيطي بسيط وتعليق ساخر.. هكذا يرسم فنانو الكاريكاتير ابتسامات واسعة ومعاني راقية، لتسكن ذهن الإنسان وتجبره على التفكير فيما داخل دائرة الواقع وتدعوه إلى تشكيل الدائرة من جديد بفكر وعقل جديدين من أجل واقع أفضل. صورة مهمة استخدمها رسامو الكاريكاتير حينما حوّلوا النكات التي كانت تلقى على الناس إما في المقاهي أو في وسائل المواصلات إلى خطوط وألوان كصورة مكتوبة للنكات، لا سيما أن الكاريكاتير بطبيعة الحال هو فن ساخر وصورة تبالغ في إظهار تحريف الملامح الطبيعية أو خصائص ومميزات شخص أو جسم ما، بهدف السخرية أو النقد الاجتماعي والسياسي. ويعتبر قدماء المصريين هم أول من تنبه إلى هذا الفن الذي يحقق مآربهم في السخرية والاعتراض على الحاكم وكل ذي سلطة مستبدة، فكان الفرعوني يستخدم الحيوانات والرموز البسيطة للتعبير عن رأيه الحقيقي في أصحاب العروش، ففي إحدى الرسومات الكاريكاتيرية، المعروفة في العهد الفرعوني ب"الاوستراكا"، نرى تصويرًا كروكيا لصراع بين القطط والفئران، ويدور ملك الفئران على عجلة حربية تقودها كلبتان ويهجم على حصن تحرسه القطط، ولم يكن هذا بالطبع من فراغ، فلا بد لموقف مهم أو أحداث جمَّة وقعت رأى فيها الفنان أن الأعداء أو غيرهم من الصغار الشأن قد تجرأوا وحاربوا من هم أقوى منهم. في السابع والعشرين من ديسمبر عام 1936 احتفل العالم بصدور الترجمة الكاملة لكتاب هيرودوت إلى اللغة الإنجليزية، وهي الترجمة التي أنجزها "جورج رولنسون" عن لغة الكتاب الأصلية وهي اللغة اليونانية. وفي ذلك الكتاب، قال هيرودوت إن "روح المزاح والسخرية" عند المصريين جعلته يشرب مقلبًا لاذعًا وطريفًا من كاتب الخزائن المقدسة في معبد الإله "نيت" إله الفيضان، حينما سأله هيرودوت: من أين ينبع النيل؟! فقال له كاتب الخزائن المقدسة مازحًا: "النيل يولد -أي ينبع- بين بلدة أسوان وجزيرة فيلة من بين صخور جبلين كبيرين، ينتهيان بقلتين مدببتين، واحدة اسمها "كروفي" ماؤها رديء، ويتجه نحو الجنوب.. والثانية اسمها "موفي" ماؤها عذب ومرح ويتجه نحو دلتا مصر في الشمال!" ورغم أن هيرودوت قال نصًّا في نفس كتابه "تحميص الأخبار" إنه كان يعرف جيدًا أن كاتب الخزائن المقدسة "كان يمزح" معه، وأن ما قاله له الكاتب المصري القديم ليس حقيقة جغرافية مؤكدة، وإنما "نكتة ودعابة فرعونية بريئة، تعكس روح المرح والمزاح عند المصريين القدماء"، إلا أن بعض المؤرخين الغربيين، نقلوا عن هيرودوت ما قاله له كاتب الخزائن المقدسة على أنه "حقيقة جغرافية مؤكدة" دون أن يذكروا أن هيرودوت نفسه قال في كتابه إن ما قاله له كاتب الخزائن عن منبع النيل، كان على سبيل "المزاح".