النكتة في حياة شعب يتمتع بكل هذه البساطة في تعاملاته لم تقتصر على الترفيه والسخرية وإفراغ شحنات الغضب، بل لعبت دورا أكبر باعتبارها جزءا من تكوينه الحضاري لتغيير سياسات لم يكن ليرضي بها على أية حال، فهى تساوي ثورة صغيرة.. قالها الكاتب البريطاني "جورج أورويل" وهكذا اعتبرها المصري. المصريون عبروا عن غضبهم تجاه نزوات الملك فاروق بالنكتة، أواخر سنوات حكم الملك فاروق حين زالت عنه صفة القداسة بعد أن ترددت أنباء عن تورطه في صفقات السلاح الفاسدة، وما أشيع عن علاقاته ببعض النساء وما كان يقال عن علاقة والدته بأحمد حسنين باشا.. شعر الناس وقتها أنهم أمام ملك مستهتر ولهذا انطلقت براعة المصريين في إطلاق النكت والتعبيرات الساخرة على الملك. عام 1950 دعي الفنان الراحل إسماعيل يسن لإلقاء بعض مونولوجاته في حفل خيري لصالح جمعية مبرة محمد على في ملهي الأوبرج - كما يذكر المؤرخ الفني الدكتور محمد فتحي في أحد مقالاته - أوعز الملك فاروق إلى أحد رجاله بدعوة إسماعيل إلى الاستراحة الملكية للتسرية عنهم، وقال الملك لإسماعيل: يلا يا إسماعيل سمِّعنا نكتة جديدة، من فرط الارتباك بدأ إسماعيل النكتة قائلًا: مرة واحد مجنون زي جلالتك كده! فصرخ الملك: أنت بتقول إيه؟ يا مجنون! أدرك إسماعيل الموقف فما كان منه إلا أن سقط متظاهرًا بالإغماء، وغادر الملك غاضبًا لمتابعة بقية الحفلة، وإن ظل بعض رجال الحرس حول إسماعيل، لينفذوا العقاب الذي سيأمر به جلالة الملك، يوسف رشاد - طبيب الملك الخاص- قال لتمرير الموقف إن إسماعيل مريض، تصيبه حالات من ضعف الذاكرة وفقد الإدراك، وهو في حاجة لأن يقضي فترة تحت الرقابة الطبية لمعالجة هذه الحالة، فأمر الملك بإيداعه مستشفى الأمراض العصبية والنفسية. بعد قيام ثورة يوليو 1952 ازدهرت النكتة السياسية في المرحلة الأولى من عمر الثورة، لأن شكل الحكم الجديد لم يكن واضحا، ثم اختفت في الفترة من 1957-1960 لظهور الدور الوطنى للثورة وتحقيق العديد من الإنجازات، لكن بعد النكسة عام 67 زادت النكات التي أطلقها المصريون، لترتبط النكات بأسماء جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وشمس بدران وشعراوى جمعة ومدير مكتب المشيرعلى شفيق، ومن أشهر النكات التي قيلت وقتها:" ثلاثة لا يدخلون الجنة، سألوا من؟ قيل شمس بدران وعامر وعبد الناصر، فالأول ترك الجيش بدون عدة، والثانى مات حبا في وردة، والثالث تنحى وقت الشدة". كان جمال عبد الناصر أول رئيس يتحدث عن النكتة أمام البرلمان بعد عدوله عن التنحى، فقال"الشعب المصرى يمسك أي حاجة وينكت عليها، هو شعب يحب النكتة ودى ميزة، بيفلسف بيها الأمور، لكن أعداءنا ممكن يستغلوها فينا، فلازم نكون ناصحين". وكانت النكتة التي أزعجت جمال عبد الناصر تقول "رجل من القاهرة سمع أن الأرز متوفر في مدينة الإسكندرية، فسافر في القطار كي يحصل على قوت عائلته، فسأله الكمسري مسافر فين وليه؟ فأجابه مسافر الإسكندرية عشان أشتري الأرز، ولما وصل القطار إلى طنطا قال له الكمسري انزل هنا! فسأله طيب ليه وإحنا لسه موصلناش الإسكندرية؟ فأجابه مش إنت رايح عشان تشتري الأرز؟ انزل لأن الطابور يبدأ من هنا" هذه النكتة آلمت عبد الناصر كثيرًا فاستدعى وزير التموين وأمره بتوفير الأرز للشعب بأي طريقة. وأطلق المصريون نكاتهم للتعبير عن رفضهم لسياسات عبد الناصر ما بعد النكسة، فكانت هناك نكتة تقول" تخفى عبد الناصر كي يتفقد أحوال الناس فسمع موظفًا يقول لزميله إن راتبه ينتهى في اليوم العاشر من الشهر، وسأله زميله وكيف تعيش باقى أيام الشهر ؟ فقال له أعيش على الستر، فأصدر جمال عبد الناصر قرارًا في اليوم التالي بتأميم الستر". وعن مدى سخطهم من البوليس السياسي كانت هناك نكتة تقول"عثر على تمثال فرعوني، احتار علماء الآثار في تحديد اسمه، فاقترح ناصر إرساله للمخابرات لكشف غموضه، وبعد ساعات قالوا له: لقد تأكدنا أنه رمسيس الثاني، فرد كيف؟ اعترف بنفسه يافندم". أما النكتة في عهد الرئيس أنور السادات فقد استخدمها المصريون للتعبير عن الانفتاح الاقتصادي وزيادة المخدرات في مصر، فظهرت نكتة تقول"خرج السادات ليشم هواء في الطريق الزراعي فوجد غرزة فدخلها فمد أحدهم إليه الجوزة قائلًا: مساااااااااااء الخيييييير، فتناول الجوزة وسحب نفسًا عميقًا ثم أعادها لصاحبها الذي سأله: والأخ شغال إيه ؟ فرد السادات: رئيس الجمهورية، فضحك الرجل قائلًا: من أول نفس كده". أما عن النكتة التي أطلقها الكاتب الساخر محمود السعدني:"جمال عبدا لناصر رغم عظمته أذاقنا الخوف طوال ثمانية عشر عاما، ويبدو أن السادات سيموتنا من الضحك بعد ثمانية عشر يوما من حكمه لنا". لم تغفل النكتة التوتر السياسي بين البابا شنودة والسادات والتي تسببت في تحديد إقامة البابا شنودة، فكانت النكتة تقول"كان البابا شنودة وشيخ الأزهر والسادات في طائرة، وحدثت مشكلة بالطائرة استدعت أن يلقى أحد الركاب من الطائرة فقام الرئيس السادات باختيار سؤال لكل شخص ومن يفشل في الإجابة يلقى من الطائرة... فذهب إلى شيخ الأزهر وسأله:" ما هي بلد المليون شهيد؟ " فأجاب شيخ الأزهر: " الجزائر يا ريس" فنظر السادات إلى البابا شنودة وقال: "قول لي أسماء المليون شهيد واحد واحد". أما الرئيس السابق حسني مبارك فكان له نصيب الأسد من النكات، بسبب طول فترة حكمه، والفساد الذي تفشى في عهده، فقد أطلق المصريون نكاتهم ليس على القمع والديكتاتورية فقط، بل أضيفت نكات أخرى خاصة بمشروع التوريث، فقد كانت هناك نكتة تقول "جمع مبارك كل وزرائه مع شيخ الأزهر الدكتور سيد طنطاوي والبابا شنودة، وأخبرهم أنه قرر توريث الحكم لابنه جمال، فما كان من البابا شنودة إلا أن قال "الله أكبر" بصوت عال، فنظر مبارك للشيخ طنطاوي قائلًا "هو بيقول كده ليه" فقال له الشيخ، "ما أنت يا ريس بتقول حاجات تخرج الناس من دينها". وفي أواخر عهد مبارك كان المصريون قد ضجوا من حكمه، فخرجت عدة نكات تؤكد ذلك ومنها "بيقولك واحد لقي الفانوس السحرى ودعكه طلعله العفريت وقاله: شبيك لبيك تطلب إيه؟ قاله الراجل: أنا عايز كوبرى بين القاهرة وأسوان..العفريت قاله: دى صعبة قوى.. نقى حاجة تانية، الراجل قاله: خلاص خلى حسنى مبارك يسيب الحكم، العفريت قاله: أنت عايز الكوبرى رايح جاى ولا رايح بس". ومع انطلاق ثورة 25 يناير انهالت النكات التي طالب فيها المصريون برحيل مبارك ونظامه، ومن أشهر النكات" مبارك بعد ما مات قابل السادات وعبد الناصر، سألوه: هاه؟ سم ولا منصة؟ رد عليهم بحرقة وقال: فيس بوك!" أما عن الرئيس المعزول مرسي فالسخرية تطلق على ما يقوله في خطاباته ومؤتمراته، ولم يخل الأمر من بعض النكات أيضًا، ومن أشهرها "قرر السيد الرئيس محمد مرسي تغيير تقديرات الامتحانات بالجامعات المصرية من ممتاز إلى بديع، ومن جيد إلى شاطر، ومن جيد جدا إلى شاطر جدًا، ومن ضعيف إلى عريان"، للتأكيد على سيطرة مكتب الإرشاد على مفاصل الحكم في مصر، وأن مرسي كان مجرد متلقٍ للأوامر. على الرغم من قصر الفترة التي تولي فيها المستشار عدلي منصور الرئاسة بشكل مؤقت إلا أنه لم يسلم من النكات التي أطلقها عليه المصريون، وأغلبها كانت عن صمته وعدم ظهوره بشكل كبير، وأشهرها "الرئيس عدلي منصور يوجه رسالة لأوباما قائلا "أطالب أمريكا بعدم التدخل في شئون مصر.. إذا كان أنا مش بتدخل هاتدخلوا انتوا".