فرحة الميلاد أقوى أم الحزن على الموت؟ سؤال غريب لن يخطر ببالك ألا إذا تعرضت لموقف العبد لله وهو واقف بين لحظة ميلاد وأولى خطوات الحياة ولحظة موت وآخر أنفاس الحياة. حدث هذا منذ زمن فى ليلة من ليالى الإسكندرية الجميلة، أنهيت نوبتجية قسم النساء والتوليد وذهبت لزيارة صديقى سعد فى عنبر الباطنة بالمستشفى الميرى.. سمعت انين شابة تجلس بجوار والدتها وهى تلفظ أنفاسها الأخيرة أسرعت للمساعدة لأمكنها من التنفس وأن تبقى على قيد الحياة وصوت سعد الحزين يقول لى لقد تم عمل كل اللازم لا فائدة.. صرخة تأتى من جهة السراير المقابلة إحداهم فى حالة ولادة طلبنى صديقى للمساعدة.. برافان يغطى السرير انهمكت خلفه للمساعدة.. رأس جد المولود تطل من باب العنبر ليطمئن على ابنته.. المولود يطلق أولى صرخات الميلاد وأنا ممسك به فى تلك اللحظة دوت صرخة الشابة لوفاة أمها.. إنه عنبر الحالات المزمنة عاشوا معا أياما طويلة وتولدت العشرة بينهم.. ثوانى من الصمت طل فيها السؤال الافتتاحى أيهما أقوى؟؟ ما هو رد فعل نزيلات العنبر؟ زغرودة عالية طويلة ثم أخرى ثم أخرى العنبر كله يزغرد فرحا بمولود جديد جاء للحياة.. ضاع صوت بكاء الشابة وهى تغطى وجه أمها وسط هذا الضجيج والفرح.. تلقى منى صديقى المولود للعناية به رأه جده ظن أن صديقى هو من قام بتوليده سماه سعد.. الوقت متأخر خرجت لكورنيش الإسكندرية البارد والخالى من الناس والإجابة تدق رأسى فرحة الحياة أقوى.. فرحة الحياة أقوى.. والجملة العبقرية للدكتور مصطفى محمود فى كتابه لغز الموت.. لا أحد يحزن على من مات ولكن يحزن على ما يخسره هو من موت المتوفى. مسرح ساقية الصاوى يصمت.. وتطفأ الأنوار بعد أن أنهى المطرب أغنيته الجميلة مع تفاعل صاخب للجمهور الرائع.. يعلو صوتى فجأة هييه هييه يا وجيه.. إنه المبدع وجيه عزيز يستجيب.. بدأ عزفه على العود يشجى.. وتفاعل الجمهور يتصاعد ..هييه ..هييه ..هييه هييه ده أنا لسة قادر فى الحزن أفرح هييه. إذن إنها الحياة.. شعب يحب الحياة والإبداع والفرح رغم كل ما مر به من فقر وقهر وظلم.. ظل يتلمس الفرحة حتى لو فى ماتش كورة.. حتى جاءت ثورة يناير ليقلب فيها الشباب المعادلة، إنهم يواجهون الموت دون خوف أو تردد، سقط منهم الشهداء والمصابين، حياتهم أصبحت رخيصة فى مقابل حياة أفضل لبلدهم.. ومازال زملاؤهم يرددون حتى اليوم.. لو دم المصرى رخيص.. يسقط يسقط أى رئيس.