نزل كنباوى من منزله مرتديًا قميصًا وبنطلونًا وحذاء واضعًا قميصه داخل البنطلون وعلى وسطه حزام جلد محكم كان كنباوى مهندمًا حليق الذقن مسبسب الشعر واضعًا قليلًا من العطر على جسده ذاهبًا إلى مقر عمله. وقف كنباوى على محطة الأتوبيس منتظرًا قدومه يمر الوقت ببطء وتزداد حرارة الشمس يتصبب عرقًا بتلبد شعره وتضيع رائحة العطر تتفتح مسامات جلده لتفرز عرقًا يتفاعل مع رائحة العطر لينتجا نوعًا جديدًا من العطور يدعى صماخح أوريحة نتنة يأتى الأتوبيس يستقله بصعوبة من شدة الزحام لا يجد مقعدًا ليجلس عليه يظل واقفًا يتوافد الركاب من محطة تلو أخرى ليتكدس الأتوبيس لخلق كثيرين يزداد عرقه ويزداد تلبد شعره يفعص يعجب من تلاحم الأجساد داخل الأتوبيس يخرج قميصه لا إراديًا من بنطاله متخطيًا حاجز الحزام الجلدى المحكم الغلق يتكرمش بنطاله المكوى جيداً يزداد عرقه مع صعود ركاب جدد تصبح فانلته الداخلية البيضاء كقطعة قطن وضعت فى كوب من الماء يتبلل قميصه الخارجى أزرق اللون من جراء العرق هذا القميص ردىء الخامة والصنع والصبغ فيبهت القميص لونه ويرشحه على فانلته الداخلية فتمتص اللون الأزرق فتتحول تدريجيًا إلى اللون البنى يحاول الاقتراب من الباب فاتحًا لنفسه سلطكا بين الركاب بجسده يصل إلى باب الأتوبيس بصعوبة بالغة وقبل أن ينزل يتحرك الأتوبيس سائرًا فى طريقة يظهر عليه الضيق ويقرر النزول فى المحطة التالية تأتى المحطة التالية فيهم بالنزول حائرًا هل يستقل أتوبيسًا آخر ليعود به إلى مقر عمله أم يسير تلك المسافة على قدميه لقد اتخذ قراره بالسير أشعث مغبرًا منكوش الشعر غير مهندم تمر بجانبه عربة سريعة تدوس بعجلاتها ماء المجارى الطافح على الأسفلت من إحدى البالوعات المسدودة فيطول هذا الماء العفن ملابسه ووجهه فيصير كعفريت العلبة. يصل إلى مقر عمله محبطًا يائسًا يرى عربة فول أمام مقر عمله وبعض الموظفين يلتفون حولها يتناولون فطورهم يشعر بالجوع يقرر أن يقف بجانبهم ويقف جوار أحد زملائه فى القسم يطلب زميله من البائع ليمونة يحاول الرجل عصرها على طبق الفول الليمونة جافة لا تنزل أى شىء، تفلت الليمونة من يده لتقع فى طبق الفول يتطاير بعض الزيت على قميص كنباوى ينظر كنباوى إلى زميله نظرة تأنيب وعتاب زميله يبادله نظرة أسف. يحاول كنباوى وضع يده على قميصه لتحسس بقع الزيت فيضيف إليها بقعًا أخرى من يده يترك القميص ويكمل فطوره يدخل إلى مقر عمله عند مكتبه يحاول الجلوس فإذا بمسمار صلب يخرج من قاعدة الكرسى ليمزع بنطاله ويجرحه فيشعر بلسعة وحرارة الجرح فى فخذه يبدأ فى مباشرة عمله قاطب الحاجبين ينظر فى ساعته بين الحين والآخر مترقبًا موعد انتهاء العمل يجىء موعد الانصراف يلملم أشياءه ويرحل يبحث عن هاتفه المحمول فى جيبه ليحدث كنباوية فلا يجد الهاتف يعلم أنه سرق منه فى زحمة الأتوبيس يذهب إلى أقرب كشك به هاتف محمول يتصل بكنباوية فتدهش من اتصاله من رقم آخر يخبرها بسرقة هاتفه تطلب منه المرور على المخبز لشراء بعض الأرغفة يغلق معها الخط ويقرر العودة فى ميكروباص لتجنب مهزلة أتوبيسات هيئة النقل العام انتظر أكثر من نصف ساعة فى موقف الميكروباص حتى استطاع الصعود إلى أحدها الذى اكتط بأربعة عشر راكباً رغم أن حمولته أحد عشر راكبًا وصل أخيراً بسلام لم يصبه شيء أكثر من التواء فى الرقبة وبعض الألم فى مؤخرته من سرعة السائق وكثرة صعوده وهبوطه المطبات. عرج إلى مخبز العيش هالة الطبور وقف ليأخذ دوره وجدها معركة حامية الوطيس تعارك الواقفون بصق أحدهم على آخر طارت البصقة وارتكزت على خده الأيمن أخرج منديله ومسح وجهه وأعاده إلى جيبه لحظات وبدأ التراشق بالكلمات النابية والسباب بين الرجال فى الطابور وسرعان ما تحول الأمر إلى معركة حقيقية بين الجميع من أجل الحصول على الخبز المدعم لم ينوبه من تلك المعركة سوى لكمة فى خده الأيسر وأربع ركلات فى مؤخرته كانت كفيلة بإصابته بالبواسير ولولا تدخل المارة وصاحب المخبز وأحد أمناء الشرطة لأتت عربة الإسعاف لنقل الجرحى والمصابين. بعد مرو ساعة استطاع الحصول على عشرين رغيف خبز بسعر جنيه واحد حمد ربه وسار متجهًا نحو منزله وقف على جانب الشارع ليسوى ملابسه قبل أن يصعد إلى منزله وإذا بامرأة من إحدى الشرفات تلقى على رأسه جردل ماء كانت قد انتهت لتوها من مسح ونظافة شقتها فسقط الماء على رأسه وملابسه والعيش، نظر لأعلى فلم يجد أحدًا لكن العيش المبلل بالماء المتسخ على الرصيف واتجه إلى السوبر ماركت واشترى عشرين رغيفًا بمبلغ ستة جنيهات وصعد الكنباوية ما إن رأته هكذا ؟؟؟ أغبر مبلولاً مضروبًا حتى رقعت بالصوت الحيانى نولها كنباوى الخبز ودخل مسرعًا نحو المرآة نظر إلى نفسه فيها فلم يعرفها ثم نظر إلى كنباوية وبادرها قائلًا: جوزك فين؟ كنباوية: مالك ياكنباوى سلامة عقلك ما أنت جوزى إيه اللى جرالك وقع كنباوى على الأرض مغشيًا عليه، وهو يقول لكنباوية: غطينى وصوّتى