بدأت ألمانيا في التحول إلى قبلة لعشاق المطبخ الراقي، فلم يسبق أن احتوت البلاد هذا العدد من الطباخين الحاصلين على نجمة الجودة. يعود ذلك إلى التطور في إبداعات الطباخين وارتفاع القدوة الشرائية للزبائن. المطبخ الألماني مرتبط تقليديًا بالأطعمة الدسمة التي يكون عمادها البطاطا أو اللحم المطبوخ بالدهن والنقانق ومخلل الملفوف، طبعًا. هذه الأطعمة الغنية بالدهون ما تزال تقدم في عدد كبير من المطاعم في أرجاء ألمانيا، إلا أنّ العادات الغذائية لدى الألمان شهدت مؤخرًا تحولًا كبيرًا إلى مطابخ أخرى، كالمطبخ الإيطالي والصيني والياباني، التي باتت أطباقها تزاحم الطعام الألماني التقليدي على الطاولات. ومثل العادات الغذائية، تأثرت المطاعم الألمانية بكثير من مدارس الطبخ العالمية وبدأت بدمج الأطعمة التقليدية بأكلات من خارج ألمانيا، الأمر الذي نال أعجب نقاد "دليل ميشلان" العالمي للمطاعم، والذي يمنح المطاعم في كل أنحاء العالم نجومًا حسب تميّز مطابخها. في هذا العام، حصل 274 طاهيًا وطاهية من ألمانيا على نجمة دليل ميشلان، وهو عدد لم يسبق أن شهدته ألمانيا من قبل. من بين هؤلاء، يحمل أحد عشر طاهيًا ثلاث نجوم، وهو أعلى تقييم يمنحه الدليل. وبهذا تتربع ألمانيا على المركز الثاني أوروبيًا بعد فرنسا. يقول رالف فلينكنفلوغل، رئيس تحرير دليل ميشلان في ألمانيا، إن هذا العدد "مؤشر واضح للغاية على التطور الديناميكي القوى للمطبخ الألماني" مشيرا إلى أن نسبة الطهاة الحائزين على نجمة ميشلان في ألمانيا ارتفعت بأكثر من 25 % عن العام الماضي. الطعام ولا غيره لرب سائل عن أسباب هذا الارتفاع الكبير والمفاجئ في جودة المطبخ الألماني؟ رالف فلينكنفلوغل من دليل ميشلان في ألمانيا يوضح أنّ "هناك جيلًا من الطهاة اليافعين الحاصلين على أفضل تأهيل والمبدعين ويقومون بعملهم على أكمل وجه"، بالإضافة إلى أن هناك طلبًا كبيرًا في ألمانيا على الطهاة ذوي التأهيل الممتاز، مما أدى إلى افتتاح عدد أكبر من المطاعم الفخمة. ويمنح دليل ميشلان النجوم للمطاعم بناء على الطعام المقدم فقط، ولا تلعب أجواء المطعم والديكورات أو الخدمة أي دور في التقييم، على ما يبدو. عملية التقييم بدورها تجري بشكل سري، إذ لا يفصح النقاد عن هويتهم عند دخولهم المطعم، لكن من يدقق من الطهاة سيتمكن من ملاحظة النقاد في مطعمه. يوآخيم فيسلر، رئيس الطهاة في مطعم "فيندوم" بقلعة بينسبرغ قرب مدينة كولونيا الألمانية، هو من بين الطهاة الأحد عشر الحاصلين على ثلاثة نجوم من دليل ميشلان. ويؤكد فيسلر أنّ نقاد دليل ميشلان لا يتلقون أي معاملة أضافية أو مختلفة عن بقية زبائن المطعم، مشيرًا إلى أنه يتعامل كل يوم مع طاولتين أو ثلاث طاولات يشك في أنّ من يشغلونها نقاد، مضيفًا: "الأمر لا يتعلق هنا بدليل ميشلان أو أدلة المطاعم الأخرى حصرا، بل بأشخاص يديرون مدونات على الإنترنت يكتبون فيها عن تجاربهم في المطاعم التي زاروها وتقييمهم لها". وهكذا يساهم الانترنيت في تقويم الطبخ وأداء الطهاة. الجودة غالية الثمن يعتبر الصحفي هاينز هورمان من بين أشهر نقاد المطاعم في ألمانيا وكان جزءًا من لجنة التحكيم في أكثر من مسابقة طبخ تليفزيونية. ويوضح هورمان طريقة تقويمه للطبق المقدم أمامه: "أبدأ أولًا بالنظر إلى الشكل العام للطبق ومن ثم أقوم بشمه وأخيرًا أبدأ بتناوله". وبالنسبة له، ترتبط جودة الطعام بتوافق الروائح المختلفة. لكن هذه الجودة المرصعة بالنجوم لها ثمنها، إذ يبلغ سعر طعام الغداء في مطعم يوآخيم فيسلر نحو 110 يورو، شاملًا كأسًا من الشمبانيا. أما طعام العشاء فهو أغلى، إذ يبلغ سعر القائمة 230 يورو، والنبيذ المصاحب لكل طبق يصل سعره إلى 90 يورو. ويعلل فيسلر ارتفاع أسعار الأطباق إلى الجهد الكبير في إعدادها والضروري للحفاظ على مستوى المطعم ضمن الأفضل على مستوى ألمانيا. وعلاوة على ذلك، فإن المواد الغذائية المستخدمة ذات جودة عالية، إذ لا يمكن الحصول على نجوم من الملفوف المخلل والنقانق فقط. هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل