سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
فرنسا تدير حربًا بالوكالة عن الولايات المتحدة بمالى.. الطهطاوى: الضغوط منعتها من التدخل.. وسالم: بسبب الأزمة الاقتصادية وتجاربها السابقة.. وعبد الدايم: تخاف من التورط فى إفريقيا
حيَّر موقف الولاياتالمتحدة من الصراع الجارى فى مالى عديدًا من الخبراء، خصوصًا بعد إعلان فرنسا رسميًّا التدخل العسكرى، معتبرين أن عدم وجود جدوى اقتصادية من وراء هذه الحرب بالإضافة إلى ضعف الاقتصاد الأمريكى بعد غزو أفغانسان والعراق يلعبان دورًا أسياسيًّا فى إحجامها عن الدخول فى غرب إفريقيا. يؤكد الدكتور فخرى الطهطاوى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن أحداث مالى لا بد أن تؤخذ فى سياقها الإقليمى والدولى من منظور القوى والأطراف المعنية بالموضوع، مشيرًا إلى أن الطرف الدولى واللاعب الرئيسى المتمثل فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، دشَّنت منذ سنوات "الاستراتيجية الكبرى فى التعامل مع العالم"، وفى جزء منها ما يختص بالأمن الخاص بها، وذلك عبر ثلاثة محاور أو دوائر، "إقليمى يخص التهديد المباشر للولايات المتحدة، الحلفاء الخارجين، فى ما يخص حلفاءها فى الناتو وما خارج الناتو فى ما يخص أمن إسرائيل، كوريا، وأخيرًا حماية المصالح الأمريكية والنفوذ الأميركى". ويضيف الطهطاوى أن ما يقع من تهديد للمصالح الاستراتيجية الأمريكية حدد له طريقة مختلفة للتعامل، وكانت فى البداية تتدخل مباشرة بقواتها المسلحة، سواء عبر البحرية، أو المارينز، أو الاستخبارات، أو غيرها من الوسائل، إلا أنه وبعد أحداث "11 سبتمبر" وفترة بوش الابن والضرر البالغ الذى تسببت فيه الحروب، والتى أثّرت بشكل مباشر على الاقتصاد الأمريكى، مما أوجد ضغوطًا للحد من التدخل العسكرى لأن العائد من الحروب أقل من تكاليفه. وأوضح الطهطاوى أن الضغوط التى مورست فى الداخل الأميركى كانت حتى لا يتم التدخل إلا فى الدائرة الأولى، ومن ثم بدأت الولاياتالمتحدة تلجأ إلى العمل فى الدائرة الثانية من وراء أصدقاء لا سيما من "الناتو"، وهو ما يبدو واضحًا من الانسحابات الأمريكية فى أفغانستان لتحل محلها قوات من الناتو، لتبقى الدائرة الثالثة والأخيرة الخاصة بالمصالح الأمريكية. ويشير الطهطاوى إلى أنها فى الدائرة الخاصة بالمصالح تتعامل فى تدخلها عن طريق الحلفاء الإقليميين، ومن خلال ذلك فهى تستطيع تقديم تواصل سياسى، أو حماية من أى ملاحقة ولا سيما المحكمة الجنائية الدولية. ويؤكد أن الولاياتالمتحدة لم تشارك فى التدخل فى مالى، لكن هناك الاستعداد بمنصات سياسية، وإطلاق تصريحات لدعم جهود الأطراف التى تعمل على الأرض سواء الناتو، أو دول تعمل على الأرض كنيجيريا والجزائر. ويشير إلى أن هذه الاستراتيجية توضح تحكم اللاعب الرئيسى واللاعبين الرئيسيين الآخرين، مضيفًا أن الموضوع فى مالى والذى هو بالأساس تحرك ضد (إسلاميين متشددين)، ومن ثَم نجد المواقف الداعمة، والتصريحات التى تخرج من الولاياتالمتحدة، وهو ما أشار إليه ليون بانيتا وزير الدفاع الأميركى، قبل يومين، حيث قال إن القاعدة لن تجد لها موطئ قدم آمن فى مناطق النفوذ الأمريكى أو الحلفاء، وهنا يأتى الدور الفرنسى، فرنسا بعد انحسار دورها فى إفريقيا بعد انحسار الاستعمار، لم يعد لها نفوذ إلا فى تلك المنطقة من الغرب الإفريقى، مشيرًا إلى أن تحركها وإدخالها 2000 جندى، صادف مشكلة داخلية تواجه هولاند وكذا قضية النفوذ. وأوضح أن التدخل الفرنسى فى مالى توافرت له عديد من العناصر، منها نجاحات هولاند المتعثرة فى الداخل، ففضَّل الخروج إلى الأمام، والانشغال بقضية خارجية، للهروب من عديد من المشكلات الداخلية، وأهمها مشكلات التقشف الداخلى، بدعم من الولاياتالمتحدة وبريطانيا، واستطاع توظيف زيارة الجزائر فى ديسمبر، والتى اعترف فيها بالجرائم التى نفذت من الاحتلال الفرنسى للجزائر، إلا أنه لم يعتذر، وحاول الفوز بعدد من الصفقات، كان من بينها تدعيم التدخل الفرنسى، لكن (لوجيستيًّا) عبر فتح المجال الجوى الجزائرى لها. ومن بين العناصر التى توافرت لفرنسا أن دول غرب إفريقيا لها مصلحة من عدم تمكين متشددين فى دولة كمالى، خصوصًا حدودها الكبيرة مع عدد من الدول، وهناك جاء تحرك دول الغرب. من جانبه، يقول الدكتور صلاح سالم أستاذ العلوم السياسية، أن الموقف الحالى للإدارة الأمريكية يتحسّب من أى تدخل خارجى، مشيرًا إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لن تتدخل فى الصراع الدائر فى مالى. وأكد أن الولاياتالمتحدة وَعَت الدرس فى أفغانستان وغيرها من الدول التى تدخلت فيها، وبطبيعة الحال فإن الموقف الحالى من مالى هو تأكيد لاتجاه جديد للإدارة فى التحسب من التدخل الخارجى، والذى كانت له آثار وخيمة على الإدارة الأمريكية. وأضاف سالم "الإدارة الأمريكية تحاول عدم التدخل، والتدخل العسكرى مرفوض تمامًا، بل وبأى تدخل ولو بالوسائل السياسية فى أى مكان آخر، هذا إضافة إلى أن مالى لا تعنى كثيرًا للولايات المتحدة، لكن فرنسا هى المعنية بالوضع فى مالى والغرب عامة، فهى معنية بنشر الفرانكوفونية، وبالحفاظ على مصالحها، لكن إفريقيا عامة ومالى خصوصًا لا تعنى كثيرًا بالنسبة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية". وأوضح أن الموقف الأمريكى من مالى هو جزء من عدم التدخل الخارجى الذى تنتهجه الإدارة الأمريكية الحالية، وذلك للمعاناة من التدخل الخارجى التى جنت ثماره من ناحية وواقع اقتصادى شبه متأزم لا يسمح لها بالتدخل من ناحية أخرى. ويقول الدكتور أحمد عبد الدايم الخبير بمعهد الدراسات الإفريقية وأستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المساعد، إن الولاياتالمتحدة لا تتبنى فكرة الحرب على مالى بشكل مباشر، وإن فرنسا التى تقود المسألة تريد توريطها فى الأمر، وبدأت فى طلبها المساعدات من الناتو، وذلك بالأساس لإحداث بعد دولى فى مالى. ويضيف "الولاياتالمتحدة لها قراءة أشمل للتنظيمات الإسلامية وعلاقتها بالقاعدة، ومن ثَم هى متخوّفة من أى تورط لها فى مالى والغرب الإفريقى، خصوصًا أنها بنت علاقات جيدة فى هذه المنطقة عبر إدارة أوباما". ويشير عبد الدايم إلى أن التنظيم الحالى هناك وهو "التوحيد والجهاد" له علاقة بالقاعدة بشكل أو آخر، ويتبنى وحدة إسلامية، وفرنسا الآن تقود حربًا مختلفة يصعب تحديد معالم نجاحها من عدمه، والولاياتالمتحدة تعلم عديدًا من المحددات فى الغرب الإفريقى، بحكم علاقاتها التى بنتها مؤخرًا فى المنطقة، ومن ثَم فإن الحذر سيحكم أى حركة تُقدم عليها الولاياتالمتحدة فى ما يخص مالى.