لم يكن الدكتور عبد العظيم وزير واحدًا من أولئك الذين عبروا المناصب مرورًا عابرًا، ولا كان من صنّاع الاستعراض السياسي الذين يبرعون في تزيين الأقوال أكثر مما يتقنون صناعة الأفعال. كان رجلًا يعرف قيمة العمل، ويؤمن بأن العدل ليس شعارًا يُرفع في المؤتمرات، بل ممارسة يومية تُختبر عند أول ضغط، وأول إغراء، وأول خطوة خارج المكاتب المغلقة. عرفته مبكرًا حين كان عميدًا لكلية الحقوق في المنصورة، وكان حضوره الهادئ يخفي صرامة عقل حريص على القانون، وعلى ألّا يتحول النص إلى عباءة تستر بها السلطة ما تريد، أو عصا تلوّح بها في وجه من تريد. وحين اختير ضمن اللجنة التي شُكّلت بأمر من الرئيس الأسبق حسني مبارك لوضع مشروع قانون الصحافة، بديلا للقانون 93 المعروف بقانون اغتيال الصحافة وجدته شريكًا صابرًا، يعمل معنا على مدى عام كامل في صمت وبنزاهة ومصداقية واحترام لحرية الكلمة ومكانة الصحافة، لا يرفع صوته، لكنه يرفع معيار النزاهة في كل نقاش.. ويُصرّ على أن تخرج القوانين منسجمة مع روح الحرية لا مع مزاج السلطة، وهو ما تحقق في النهاية وانتصرت حرية الرأي والتعبير والصحافة، وجرى إسقاط القانون إياه واستبداله بقانون آخر جرى التوافق حوله مع الجماعة الصحفية، ممثلة في نقابتها العريقة التى شرفت بمنصب سكرتيرها العام في تلك الفترة المهمة. وحين عُيّنتُ رئيسًا لمجلس إدارة دار التحرير للطبع والنشر (جريدة الجمهورية)، كان من أوائل من دخلوا مكتبي مهنئًا. لم يأتِ مدفوعًا ببروتوكول مجاملات ولا بطلب منفعة، بل جاء بوجه رجل يعرف أن الصحافة شريك في بناء الوعي لا تابعًا للمسؤول. جلس أمامي يحكي، بلا تردد، عن العجائب المُرّة التي رأى تفاصيلها خلال عمله محافظًا لدمياط ثم للقاهرة.. فساد يتخفى وراء ملفات الأراضي، وضغوط هائلة من شخصيات نافذة تريد تمرير مخالفات صريحة لتمكين رجال أعمال وسياسيين من التهام ما لا يخصهم. كان يعرف حجم التعتيم، لكنه ظل يقاوم ما استطاع، يرفض أن يكون مجرد ترس في ماكينة فساد تعرف جيدًا كيف تُسكت وتُرهب وتُغري. في حديثه معي يومها، لم يكن يهدف إلى الشكوى. كان يتحدث بصفته رجل دولة يعرف حجم الانحدار، ويرى الخطر في الصمت أكثر من الخطر في الإعلان. ربما لهذا بقيت كلماته حاضرة في ذهني كلما تأملت الفارق بين مسؤول وآخر. فهناك من يرى المنصب فرصة للهيمنة والبطش واستعراض النفوذ، وهناك من يراه امتحانًا ثقيلًا لضميره قبل أن يكون امتيازًا. وعبد العظيم وزير كان من القلائل الذين لم يتغيروا بتغير الكرسي، بل ظلّوا كما عرفتهم أول مرة، يضعون المصلحة العامة فوق مصالح الصفوة، ويحمون القانون حتى لو بدا أنهم يقفون وحدهم. وحين أقارن تلك الروح بما نراه اليوم، يصعب أن أتجاهل كيف تبدّل موقف كثير من المسؤولين من الصحافة، وكيف تراجع احترام النقد إلى مجرد كلمات ديكور تُقال في لقاءات رسمية ثم يُنسف معناها في أول اختبار. صار بعض المسؤولين يتعاملون مع الصحفي بوصفه خصمًا محتملًا، لا شريكًا في كشف الحقيقة. تتسع المسافة بين مكتب الوزير وقلم الصحفي، وتضيق مساحة الأسئلة المسموح بها، وتتراجع رغبة المسؤول في التقاط ما تقوله الصحافة بوصفه تنبيهًا نافعًا، ليتعامل معه كما لو كان تهديدًا ينبغي احتواؤه أو إسكاته. في زمن عبد العظيم وزير لم يكن المسؤول يخشى النقد، ربما لأنه لم يكن يخشى مواجهة نفسه. واليوم، صار النقد مرآة ثقيلة يتجنبها كثير من الوزراء، كأنهم يخشون أن يرى الناس ما لا يريدون هم الاعتراف به. وهذا الفارق وحده يكفي لتقدير قيمة رجال من طراز نادر، عرفوا أن احترام الصحافة ليس منحة، بل شرط لأي دولة تريد أن تقاوم التدهور، وأن الفساد لا ينمو إلا حين يصمت الشرفاء، أو حين يُطلَب منهم الصمت. التعهيد.. حكاية نجاح من سنين! الشغف بالعلم والتفاؤل! ولعلَّ استعادة مواقف هذا الرجل هو تذكير بأن المسؤول لا يُقاس بما يملكه من صلاحيات، بل بما يمتلكه من ضمير. وأن ما يحدث اليوم لن يتغير إلا حين يولد في مؤسسات الدولة رجال يشبهون عبدالعظيم وزير، يعرفون هيبة المنصب، لكنهم يعرفون أكثر أن هيبة الدولة تُبنى من احترام الكلمة، والحق، والنقد، لا من الخوف ولا من التهديد. رحم الله الراحل العظيم عبد العظيم وزير! ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا