في السنة الجامعية الأولى درسنا كتابًا عن علم الاجتماع العام تناول التشكيلة الطبقية في المجتمع المصري، وتعرض الكتاب لثلاث حقب تاريخية هي الناصرية والساداتية والمباركية.. كان الحديث عن الحقبة الناصرية مثيرًا؛ مما دفعني إلى البحث في شخصية هذا الزعيم المثيرة أيضًا للجدل.. ولحسن الحظ وقعت بيدي دراسة أمريكية تتحدث عن كاريزمية هذا الرجل، المتمثلة في تأثيره العابر للبلدان والقارات والمتعدي للأعراق والجنسيات. تلك الشخصية الفريدة التي جعلته قادرا بامتياز على أن يكون عابرًا للأزمان والأجيال، لدرجة أنه حين مات نعاه نزار قباني قائلا: قتلناك يا آخر الأنبياء.. قتلناكَ.. ليسَ جديدًا علينا اغتيالُ الصحابةِ والأولياءْ وأكملَ نزار إمعانه في قداسة عبد الناصر، وكأنه يقول على لسان ناصر: "احمدوا ربنا إني بينكم"! قتلناكَ.. يا جبلَ الكبرياءْ وآخرَ قنديلِ زيتٍ.. يضيءُ لنا فى ليالى الشتاءْ *** وآخرَ سيفٍ من القادسيهْ قتلناكَ نحنُ بكلتا يدينا وقُلنا المنيَّهْ لماذا قبلتَ المجيءَ إلينا؟ فمثلُكَ كانَ كثيرًا علينا! وربما تلك القداسة التي أضفاها نزار في قصيدته على ناصر كانت تعبيرًا عن القدسية التي نالها عبد الناصر في بيوت العرب والعجم. فكانت صورته على جدران كل البيوت العربية، ووقف تمثاله شامخًا في معظم ميادين العالم. إذ كان ناصر في نظر الشعوب المغبونة أيقونة للاستقلال والتحرر، وكانت خطبه تحتشد لها الميادين.. تمنح الأمل للبسطاء والحالمين.. هذه الكاريزما الفريدة التي جعلت المثقفين يلتفون حوله ويعتبرونه مشروعا قوميا بل وإقليميا وعالميا للحرية والاستقلال والكرامة والتنمية، ويعتبرهم الناس في ذات الوقت دراويش للناصرية الذين نجحوا في نقل عقيدتهم الناصرية من جيل إلى جيل بنجاح. ورغم إعجابي الكبير بشخصية عبد الناصر وبقدرته العالية على التأثير، إلا أن دراستي للتشكيلة الطبقية آنذاك جعلتني أضع يدي على بعض مساوئ حقبته.. لكنني خرجت بخلاصة مفادها: أن عبد الناصر ليس نبيًا منزهًا عن العيوب لكنه إنسان وزعيم من طراز فريد، ساهم في تشكيل وعى الأمة، حلم بأن يكون للعرب صوتًا واحدًا، وقضية واحدة.. إذ كان قادرًا على قراءة المستقبل ببراعة. وأن ما دعا إليه عبد الناصر وكافح من أجله ولم يتحقق، هو ذاته الذي يموت جراء غيابه يوميًا آلاف الأطفال والمدنيين عربيًا وعالميًا، ولعل فلسطين وسوريا واليمن والسودان دلائل كافية على صدق مشروع عبد الناصر وقراءته الاستباقية للمستقبل. وبالنهاية علينا دائمًا أن نفرق بين عبد الناصر القائد والإنسان والمشروع وبين الحقبة الناصرية ذاتها وما تضمنته من سياسات واصلاحات ونجاحات واخفاقات وانتصارات وانتكاسات.. وإذا كان عبد الناصر قد مات فإن أثار مشروعه الاصلاحي النهضوي لا تزال حاضرة بإيجابياتها وسلبياتها. لا تحتاج لرؤيتها سوى إلى عقلٍ منصف، ورؤية موضوعية عادلة، بعيدة عن التخوين والتطبيل.. فقد مات عبد الناصر لكن حلمه لم يمت، ودراويشه لا ينتهون.. وكما أنني أعتبر أن عبد الناصر من بناة القيم الوطنية والسياسية المعاصرة، فإنه لا يمكنني بحالٍ أن أنكر دور الشيخ متولي الشعراوي في بناء القيم الدينية والاجتماعية التي تتصالح مع معطيات العصر دون إفراط أو تفريط. الشعراوي.. الإمام المُلهَم لا أستطيع أن أنكر أنني من المعجبين جدا بالشيخ محمد متولي الشعراوي رحمة الله عليه، وأعتبره من المجددين الحقيقيين في الإسلام، وصاحب مدرسة خاصة في الإسلام الوسطي المعتدل.. وقد قدم للأمة الإسلامية عديدًا من الأفكار التي عملت على درء الفكر المتطرف والتكفيري، ومثلت علاقته بالبابا شنودة قدس الله روحه نموذجًا للوحدة الوطنية الرائعة، وفي أوقات صعبة من عمر الوطن الحبيب.. وأعتبر خواطره حول القرآن بمثابة مدرسة فكرية متجددة؛ فتحت آفاقًا جديدة لعلاقة الإنسان بالإنسان وعلاقة الإنسان بالله.. كما أعتبر أن التطاول على هذه النماذج الدينية المعتدلة هو في ذاته ميلًا للتطرف، خاصة إذا كان المتطاولون من غير المتخصصين في علوم الدين ولا سيما الفقه واللغة.. الشيخ الشعراوى رمزًا مصريًا ودينيًا ووطنيًا وإنسانيًا فريدًا، وأرى أن الطعن في ذمته جريمة يجب أن يحاسب عليها القانون.. وعلى الدولة أن تحفظ كرامة العلماء والمفكرين والمبدعين وبُناة دولة القيم. منظومة الفن البطال! المثلث ناقص ضلع فسمعة العلماء كلحومهم مسمومة، ومحاولات التشكيك في بناة القيم هي في ذاتها محاولات لهدمها.. فلا يجوز لمبدع بحالٍ أن يقيَّم رجل دين.. فللدين كما للفن والسياسة وغيرها رجالٌ، نحترم أفكارهم دون أن نخوض في ذممهم أو أعراضهم.. فأعراض العلماء وبناة القيم خط أحمر.. وعينا أن نترك للشباب ثوابت قيمية رصينة ومحصنة يرجعون إليها، حتى وإن كانت تحفاظاتنا على الشخوص.. فالحفاظ على الثوابت القيمية مهما كانت بلغت الملاحظات حولها خيرٌ للوطن والشباب من التشكيك فيها أو هدمها.. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا