في مثل هذه الأيام قبل نحو 3 عقود انتفضت الجماعة الصحفية ممثلة في جمعيتها العمومية ومجلس نقابة الصحفيين ضد القانون 93، المعروف بقانون اغتيال الصحافة حتى تم إسقاطه بفضل وحدة الصحفيين واستنارة قيادتهم في ذلك الوقت. نضال الجماعة الصحفية لإسقاط القانون إياه درس في الصمود والتجرد ينبغي لأجيال اليوم أن تتعلمه، لتستخلص منه العبرة لتعرف كيف كانت صلابة المجلس 39 لنقابة الصحفيين، ومساندة الجمعية العمومية التي ظلت في حالة استنفار واجتماع دائم حتى انتصرت في معركتها لإسقاط هذا القانون خلال عام واحد. ومن باب الإنصاف فقد تجاوب الرئيس مبارك وقتها مع مطالب الصحفيين، واجتمع بمجلسهم مرتين وأبدى تفهمًا ومرونة كبيرين لولاهما ما تغير شيء، فلم يجد الرئيس غضاضة في مراجعة القانون الذي أغضب الجماعة الصحفية وإلغائه إذا تطلب الأمر ذلك، ووضع قانون جديد يلبي المطالب المشروعة للجماعة الصحفية، ولا أنسى ما قاله في اجتماعه مع مجلس النقابة وقتها: لم أتصور بنود القانون التي تحبس الصحفيين بهذه الشدة. ولا أنسى أيضًا ما جرى في أحد اجتماعات الجمعية العمومية للصحفيين حين تشاجر أحد الصحفيين بمؤسسة قومية مع زميله بصحيفة حزبية بعدما تطاول الأخير على الرئيس مبارك، فما كان من الأول إلا أن اعتدى عليه بالضرب وحرر له محضرًا بأحد أقسام الشرطة، فقام مجلس النقابة بإحالة الصحفي "القومى" للجنة تأديب.. فلما علم الرئيس بذلك اتصل بالنقيب الراحل إبراهيم نافع وقال له: "كيف تشتمونني في الجمعية العمومية وعندما يدافع عني أحد الصحفيين تريدون فصله من النقابة".. فما كان من النقيب إلا أن اتصل بي قائلًا "أرجوك حاول تحتوى الموقف؛ لأن الرئيس مستاء جدًا مما حدث وهو محق فعلًا".. وبالفعل بذلت أقصى جهدى لوقف التصعيد ضد الزميل الذى اعتدى على زميله. وهنا لابد أن أسجل للتاريخ جملة أمور مهمة، أولها أن الجماعة الصحفية حين استشعرت خطرًا حقيقيًا على المهنة واجهت الموقف بصلابة على قلب رجل واحد، ولم تسمح بشق الصف ولا باستغلال الانتماءات الأيديولوجية ولا الحزبية، بل خلعت كل الانتماءات خارج النقابة.. وأدارت أكبر حوار حضاري رشيد مثمر نجح في إقناع المسئولين وعاد بالفائدة على الجميع، صحافة وحكومة ومجتمعًا. أما السلطة فقد اتسع صدرها لتقبل الاختلاف والنقد وتراجعت عن موقفها رغم إقرار القانون إياه وانحازت للمصلحة العامة، ولم تعاند أو تأخذها العزة بالإثم، ولم تمض وراء من يحاولون افتعال أزمات وهم يظنون أنهم يحسنون صنعًا. لقد كان الراحل الكبير إبراهيم نافع مثالا للقيادة الرشيدة، إذ انتصر لقيم الصحافة على حساب المصالح الشخصية، لدرجة أنه هدد بتقديم استقالته من منصبه في الأهرام والعودة لصفوف الجمعية العمومية لكنه قوبل بالرفض من الدولة.. وهنا لابد من الاعتراف بفضل هذا الرجل وفضل جريدة الأهرام المحسوبة بقوة على النظام، وكانت تتمتع وقتها بعلاقات خاصة مع الرئيس مبارك، لكن ذلك لم يمنعها من خوض المعركة بقوة حتى أسقطت ذلك القانون البغيض، وهى معركة بدت للبعض أيامها وكأنها ضد الرئيس وأفكاره وما يريده! انتفضت الجماعة الصحفية ضد القانون وظلت جمعيتها العمومية في حالة انعقاد دائم رغم مصادقة رئيس الجمهورية وقتئذ على ذلك القانون الذي لقى رفضًا غير مسبوق، وتلقت النقابة في رفضه دعمًا كبيرًا من الاتحاد الدولى للصحفيين.. ولا أنسى رسالة الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل للنقابة، بعنوان "السلطة شاخت".. والتى جرى نشرها وقتها كاملة ودون إبطاء أو مواءمات أو حسابات خاصة. مجلس النقابة تحرك بوعى وموضوعية وفهم عميق لأبعاد أزمة القانون وتداعياتها، دون إثارة أو تهييج أو استعداء للسلطة أو دخول في معارك جانبية بشعارات أيديولوجية، فاستحق الدعم والتأييد من كل مكان، ولم تجد السلطة غضاضة في مراجعة موقفها.. فلم تكن المعركة صفرية ولا تحديًا بل مجرد دفاع قوى عن مهنة كانت في خطر.. وهذا درس مهم في العمل النقابي ينبغى ألا ننسى، فالمطالبة بالحق حرفة، وليس حماسًا أجوف.. المجلس أدار حوارًا مع الدولة وقابل وزير الداخلية وقتها اللواء حسن الألفى، وشرح له مبررات رفض القانون بأسلوب عقلاني، لكن يبدو أنه لم يستوعب حجم المخاطر ولا أبعاد الموقف.. ولم ييأس المجلس بل أصر على مقابلة وزير الإعلام وقتئذ صفوت الشريف الذي وإحقًاقًا للحق تفهم الموقف وأدرك بحسه السياسي خطورة ما يحتويه القانون من قيود على حرية الصحافة، ومن ثم فقد ضرب يومها الترابيزة بيده قائلًا: "لم يبق إلا أن نطلب مقابلة الرئيس مبارك".. وهو ما تحقق في نهاية المطاف. نقيب الصحفيين كلفنى بالاتصال بالصحف لتكتب خبرًا عما دار في اجتماعنا مع صفوت الشريف، واقتراحه طلب لقاء رئيس الجمهورية لشرح وجهة نظرنا، وبالفعل استجاب الرئيس مبارك فورًا لهذا المطلب.. وبالفعل ذهب مجلس النقابة بكامل هيئته ليلتقي الرئيس في مبنى الرئاسة.. ودار حوار هاديء استمع خلاله مبارك لأعضاء المجلس، ثم أبدى اندهاشه من ملاحظاتنا على القانون، وقال إنه لم يكن يتصور أن يكون القانون بكل هذا السوء، وكلف على الفور بتشكيل لجنة برئاسة الدكتور مصطفى كمال حلمى رئيس مجلس الشورى وقتها، وتضم 6 من أعضاء مجلس النقابة بالإضافة إلى شخصيات عامة وسياسية وقانونية لهم ثقلهم ومكانتهم.. وأذكر منهم الدكتور مفيد شهاب رئيس جامعة القاهرة وقتها.. لإعداد قانون جديد يضمن حرية الصحافة والرأي والتعبير وعدم حبس الصحفيين في قضايا النشر.. وهو ما تحقق بالفعل. لقد خاض مجلس نقابة الصحفيين رقم 39 برئاسة النقيب الراحل الكاتب الصحفي الكبير إبراهيم نافع رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة الأهرام، والراحل جلال عيسى وكيلًا أول للمجلس، والوكيل الثاني محمد عبد القدوس، ونحن كنا الأمين العام، والراحل مجدى مهنا أمين الصندوق، وعضوية كلٍ من يحيى قلاش وأمينة شفيق وصلاح عبدالمقصود وحاتم زكريا.. والراحلين حسن الرشيدى وعبدالعزيز خاطر ورجاء الميرغنى وإبراهيم حجازي.. خاض هؤلاء معركة كبيرة وانتصروا للمهنة والحرية.. رحم الله من رحل منهم.. ومتع الأحياء بالصحة والعافية.. ولنا أن نتساءل: ماذا لو أن هذا القانون لم يسقط.. ترى هل كانت هناك صحافة أو حرية رأي؟! الصحافة.. كيف تستعيد الهيبة؟! ما نحتاجه من العلم (1) سيذكر التاريخ أن هذا المجلس برئاسة إبراهيم نافع دافع بجدارة وقوة عن حرية الرأي، وكان يمكن لنافع أن يفقد منصبه كرئيس لمؤسسة الأهرام بسبب انحيازه للجماعة الصحفية ضد هذا القانون المشبوه لتكميم الصحافة والإعلام، لكن كان هناك مجلس قوي هو المجلس 39! ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا