من نيويورك ل باريس وبيروت، خاضت حكومات مختلفة معارك تشريعية مع الإيجار القديم، ومرات نجحت في الوصول لحلول عادلة، ومرات أخرى انفجرت الأزمة سياسيًا أو اجتماعيًا قبل الوصول إلى نقطة توازن. وفي ظل الجدل المشتعل تحت قبة البرلمان اليوم حول مشروع قانون تعديل الإيجارات القديمة، تتجدد الأسئلة حول كيفية تحقيق التوازن بين حقوق الملاك واحتياجات المستأجرين، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، إذ بينما ترى الحكومة ضرورة تحرير العلاقة الإيجارية، يطالب نواب بضرورة مراعاة الأبعاد الاجتماعية والأمنية، وتقديم حلول تراعي الفئات الأضعف. والسؤال: كيف تعامل العالم مع هذه العقدة التاريخية التي مرت بها دول كثيرة، وحاولت تفكيكها بسياسات تراوحت بين التدريج، والتعويض، وتقديم البدائل. من أين بدأ نظام الإيجار القديم؟ نظام الإيجار القديم أو ما يعرف عالميًا ب rent control، بدأ لأول مرة بشكل منظم بعد الحرب العالمية الأولى في أوروبا، خصوصًا في دول مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، كاستجابة لأزمة سكن حادة. والفكرة كانت ببساطة حماية المستأجرين من الاستغلال وقت الاضطرابات الاقتصادية وارتفاع الطلب على السكن، والأسباب كانت واضحة عودة الجنود من الجبهة، ونقص المعروض العقاري مع انهيار اقتصادي وغلاء معيشة. أما في مصر، فالإيجار القديم ظهر لأول مرة في عشرينات القرن الماضي، لكن التطبيق الفعلي والصارم بدأ مع قانون 121 لسنة 1947، ثم تطور مع قوانين لاحقة، خاصة في الستينيات بعد المد الاشتراكي وكانت الدولة تهدف لتثبيت الإيجارات بشكل دائم لحماية المستأجرين، خاصة من الطبقة المتوسطة والفقيرة، واعتبرت أن السكن حق اجتماعي. لكن مع مرور الوقت، ظلت الإيجارات ثابتة رغم التضخم وارتفاع الأسعار، ما تسبب في إشكالية كبيرة بين مستأجر يدفع 5 أو 10 جنيهات في شقة ب وسط البلد وأرقى مناطق مصر، ومالك لا يستطيع التصرف في ممتلكاته أو تحصيل عائد مناسب، مما جعل القانون القديم عبئًا على السلم الاجتماعي نفسه، لأن الوضع بات مجحفًا للطرفين، فالمستأجر يعيش أحيانًا في ظروف سكنية متردية والمالك لا يستفيد من ممتلكاته ولا يقدر على الترميم أو البيع، ولذلك يعاد فتح الملف حاليًا لمحاولة تحقيق عدالة انتقالية بين المالك والمستأجر. كيف تعاملت دول العالم مع أزمات الإيجار القديم؟ في أوروبا وخصوصًا في ألمانيا وفرنسا، ورثت الحكومات ما بعد الحرب العالمية الثانية قوانين إيجار مشددة تهدف إلى حماية السكان من التهجير، وظلت هذه القوانين لعقود، إلى أن بدأت عمليات تحرير ذكي منذ السبعينيات والثمانينيات، بالاستعانة بثلاث أدوات رئيسية ترصدها فيتو كالتالي: تحرير تدريجي لا يتم إنهاء العقود القديمة بشكل فوري، بل يجري رفع الإيجارات على مراحل، أحيانًا خلال 10 سنوات أو أكثر. الدعم الحكومي تخصص الدولة إعانات مالية للمستأجرين المتأثرين من ذوي الدخل المنخفض، لضمان قدرتهم على الاستمرار في السكن أو الانتقال بسلاسة. الرقابة على السوق ضبط أسعار الإيجارات الجديدة بقوانين تمنع الجشع وتحدد زيادات سنوية لا تتجاوز معدلات التضخم. تجربة أمريكا في الإيجار القديم في الولاياتالمتحدة وخاصة مدينة نيويورك التي تعد من أشهر النماذج المعالجة جاءت مختلفة، حيث لا تزال عقود الإيجار المستقر سارية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، لكنها تحدّث دوريًا من خلال لجان مختصة تقر زيادات محسوبة سنويًا، وتحظر طرد المستأجرين دون مبرر، وهنا النموذج الأميركي لم يلغ الحماية تمامًا، بل جعلها أكثر واقعية ومرتبطة ببيانات الدخل والحي السكني. التجربة اللبنانية في الإيجار القديم لبنان يعتبر من أقرب النماذج في المنطقة إلى الحالة المصرية، سواء من حيث الإرث القانوني أو الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فقانون الإيجارات اللبناني ظل ثابتًا لعقود، خصوصًا في العقارات المؤجرة قبل عام 1992، وهو ما خلق طبقة من المستأجرين يدفعون مبالغ رمزية مقابل السكن في أحياء راقية. في عام 2014، أقر البرلمان اللبناني قانونًا جديدًا لتحرير الإيجارات تدريجيًا خلال فترة تمتد ل9 سنوات، وكان القانون نص على زيادة تدريجية في الإيجار بنسبة 15% سنويًا من قيمة عادلة تحددها لجان متخصصة، مع إنشاء صندوق دعم للمستأجرين القدامى ذوي الدخل المحدود، لكن غياب التمويل الفعلي لهذا الصندوق، وتعقيدات المحاكم، تسببا في تعطيل التنفيذ وعودة الخلافات بين الملاك والمستأجرين. وحتى اليوم، لم ينفذ القانون اللبناني بالكامل، والملف لا يزال مفتوحًا في المحاكم والشارع، مع تحذيرات من تدهور السلم الأهلي في حال الإصرار على التحرير دون ضمانات حقيقية. دروس أزمة الإيجار القديم سواء في أمريكا وأوروبا أو لبنان، كان التحرير دائمًا مشروطًا ومرحليًا ومدعومًا، أما في مصر، فالقضية أكثر حساسية، نظرًا لأن عدد الوحدات المتأثرة يقدر بالملايين، وكثير منها يعيش فيها مستأجرون مسنون أو محدودو الدخل. وبينما تتصاعد الأصوات المطالبة بإنهاء الظلم التاريخي الذي وقع على الملاك، فإن المشرع المصري أمام اختبار بالغ الصعوبة، لتجنب تكرار تجارب فشلت حين غابت عنها العدالة الاجتماعية، والانصراف عن الحلول العنيفة التي قد تخلخل استقرار المجتمع. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا