في فترة لم تجاوز العامين والنصف، اختلف الإعلام المصرى بين أشكال عديدة في المراحل الانتقالية التي مرت بها مصر منذ ثورة 25 يناير وحتى ما بعد 30 يونيو مرورا بالحكم العسكري ثم حكم الإخوان، وفرضت سمات كل مرحلة تأثيرها عليه.. حول دور الإعلام في إشعال الثورات وأثره على المراحل الانتقالية المختلفة التي مرت بها مصر والدور المنوط به خلال المرحلة المقبلة التقت "فيتو" بعدد من كبار الإعلاميين والمتخصصين. الإعلامي وائل الإبراشى أكد على أهمية الدور الذي لعبه الإعلام في إشعال ثورة 25 يناير قائلا:" بدأت بثورة إنترنت، حيث كان هو المحرك الأساسى الذي انطلقت منه هذه الثورة الشعبية والتي ما زلنا نتمسك بأهدافها، بينما 30 يونيو كانت ثورة إعلام كون الإعلام الخاص هو البوابة التى انطلقت منها الثورة، ولعب دورا في كشف خطايا واستبداد وفساد جماعة الإخوان المسلمين، مما مهد لتلك الثورة الشعبية، إضافة إلى حملة تمرد وكافة جهود القوى الثورية والسياسية، الأمر الذي كان سببا في مهاجمة الرئيس المعزول محمد مرسي للإعلام في خطاباته، واستهدافه بتهديدات وإجراءات كثيرة ". وأضاف أن الجماعة بأكملها تكره الإعلام لأنه يفضح بالصوت والصورة خطاياهم وممارسات ميليشياتهم، لافتا إلى أن هناك قطاعا كبيرا من الإعلام يتعامل خطأ مع 30 يونيو على أنها الثورة الأم وليس ثورة يناير التي اختطفتها جماعة الإخوان، ولكن هناك أيضا الإعلام المنتمى لبقايا الإخوان المسلمين والذي صفها بالانقلاب في محاولة للتقليل من الثورة، إلا أن صوته انخفض وأصبح ضعيفا أمام الحشود الجماهيرية الضخمة. اتهام الإعلام بأنه لم يكن حياديا في مرحلة ما بعد ثورة يناير لم يره الإبراشى عيبا، بل واعتبر الحياد في مثل تلك الأوقات خيانة، قائلا " في اللحظات المصيرية والثورية لا يصح الحياد مع الاستبداد أو الفساد، فالإعلام ولاؤه للناس، وبالتالى عندما تكون السلطة في مواجهة الشعب يجب أن ينحاز الإعلام للشعب وهو بالفعل ما انتهجناه ". واقترح بخصوص المرحلة المقبلة وضع ميثاق شرف إعلامي من خلال أصحاب المهنة، بعيدا عن البراشوتات مثل التي كانت تهبط في السابق، ويتضمن مواد للعقاب، مشددا على ضرورة تطبيق القواعد المهنية والأخلاقية في الظروف العادية، وهذا لا يعنى التخلى عنها في حالة الثورات، وإنما التمسك بها ماعدا قاعدة الحياد، إضافة إلى أنه لا يوجد إعلام محايد بنسبة 100%، فكل وسيلة إعلامية لديها من الأفكار الخاصة ما تؤمن به ولكن عليها إعلاء القواعد المهنية، ويمكن الجزم بأن الإعلام الخاص هو البطل الحقيقى في القضاء على جماعة الإخوان المسلمين، أما الإعلام الحكومى فيحتاج إلى ثورة خاصة نابعة من داخل القائمين عليه، وإتاحة الحرية للعاملين فيه ليكون ولاؤهم للجمهور وليس للسلطة، وهو ما يزيد من فرص نجاحه إذا تم توفير له حالة مادية مستقرة. الإعلامية سناء منصور أكدت أن الإعلام يتحمل العبء الأكبر في إشعال الحماسة واستنهاض الهمم، ولابد أن يتميز بالشفافية والموضوعية وتقديم الحقائق في المرحلة الانتقالية، مشيرة إلى أن العالم أجمع بات يعلم من الذي يرغب في النهوض بمصر ومن يرغب في ضرها، مشيدة بالسماح لمراسلى قنوات "cnn " وغيرها بالصعود في الطائرات التي تحلق في الجو للاطلاع على حقيقة الأمر بدلا من ضياع الوقت في التوضيح. وشددت على ضرورة أن يعمل الإعلام على بناء المواطن المصرى من جديد والتركيز على اخلاقيات وفكر جديد، كما لابد من ثورة حقيقية على النفس وإلا تصبح الصورة أشبه بمشاهدة فيلم هندى. فيما أكدت الكاتبة الصحفية والإعلامية فريدة الشوباشى على أن الإعلام الخاص لعب دور الشاهد على الحقيقة وقاد الشعب لثورة تطهير، في ظل المرحلة السيئة التي مر بها الإعلام الحكومى قبل ثورة 30 يونيو، مع منع الوزير الإخوانى صلاح عبدالمقصود تمرير الأخبار الفاضحة لسياسات الجماعة وحجب الشاشة عن طوابير العيش والسولار وأزمة انقطاع الكهرباء. وشددت الشوباشى على أهمية القضاء على الإعلام الدينى الذي خرج بشيوخ كفروا الناس ونصبوا أنفسهم آلهة على الشعب، مستدركة: الإعلام الحكومى تحسن كثيرا في الفترة الأخيرة وبدأ يعلن عن الحقائق، وأنا كمواطنة من حقى أن أطلب من المسئولين التعبير عن رأيى وعقيدتى بحرية كاملة، ويجب غلق أية قناة خائنة كما حدث من قناة الجزيرة تجاه سوريا، وكانت ترغب في أن تلعب نفس الدور في مصر إلا أنها لم تكتشف أن مصر غير سوريا، فالإعلام الكاذب يفقد نفسه ذاتيا، ونحن منذ الستينيات لدينا إعلامنا المتميز والمحترم والذي يمثل قدوة للإعلام العربى. غير أن الدكتور صفوت العالم - أستاذ الإعلام الدولي بجامعة القاهرة - يرى أن الصورة لم تتغير وإنما اختلفت آلية التوصيل التي يتم من خلالها توظيف الإعلام، ففى عهد الرئيس المعزول محمد مرسي وتحديدا عقب الإعلان الدستورى في 21 نوفمبر 2012 ونتيجة لسياسات كثيرة أخرى كان الإعلام منقسما ما بين مؤيد للرئيس حرصا منه على بناء المشروع الإسلامي، وآخر رفض الإعلان وشن هجوما شرسا ضد الدكتور مرسي بحجة أن القرار متسرع. أما بعد 30 يونيو - والكلام على لسان العالم - وقف الإعلام الرسمى موقف المرتبك أمام خارطة الطريق التي قدمها الجيش، وأصبحت هي نقطة التحول التي يلعب عليها الإعلام، وارتبطت مرحلة التحول بإغلاق القنوات المؤيدة لمرسى، وهو ما يعد إجراء احترازيا رغم أنه لا يتوافق مع حرية الرأى والتعبير. وطالب الدكتور العالم بفتح القنوات التي تم غلقها والتخلص من الانتقادات التي توجه للفصيل الإسلامي والسعى لنبذ العنف وتأكيد المصالحة الوطنية، على أن يكون الإعلام للجميع دون إقصاء لأحد ويؤكد على مفهوم المواطنة.