كنت أوثر ألا يفض اعتصام رابعة والنهضة على هذا النحو الذي جرى، من منطلق الحرص على عدم إراقة دماء.. وما حدث يستوجب الدعاء بأن يتقبل الله جميع الضحايا بواسع رحمته، وأن ينزلهم منازل الشهداء، وأن يفرغ على أهلهم وأولادهم وذويهم صبرا وثباتا.. لكن هكذا جرت أقدار الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون. على مدى يوم الأربعاء 14 أغسطس، كانت حصيلة الضحايا - حسب آخر تقدير لوزارة الصحة - في القاهرة والجيزة وبقية المحافظات 421 قتلا وأكثر من 3500 مصاب، بعضهم من المعتصمين وبعضهم الآخر من المشتبكين مع الأجهزة الأمنية والأهالي.. منهم أيضا 43 قتيلا و211 مصابا من ضباط وجنود الشرطة.. ومن العجيب أن عدد الضحايا في مذبحة دار الحرس الجمهوري كان 92، وفى مذبحة النصب التذكاري 90، بينما كان عدد الضحايا الذين سقطوا في فض اعتصام رابعة 113 قتيلا، والنهضة 21 قتيلا، وبالرغم من المصاب الفادح، إلا أن الرقمين أقل بكثير مما كان متوقعا. من الإنصاف أن نقول أن الحكومة والأجهزة الأمنية أعطت للإخوان ومن معهم، فرصا كثيرة لفض الاعتصامين بشكل يحفظ الدماء والأرواح.. لكن الإخوان لم تقرأ - كالعادة - تلك الرسائل.. بل زادها ذلك كبرا وغطرسة وغرورا.. تصوروا في لحظة أنهم يمثلون الطرف الأقوى، وأن عروض المصالحة والوساطات التي جرت، خاصة على يد الوفود الأجنبية تعبر عن ضعف مؤسسات الدولة، وهو ما جعلهم يرفعون شروطهم.. بعضهم طالب بعودة مرسي لسدة الحكم، وإلغاء قرار تعطيل دستور 2012، وعودة مجلس الشورى المنحل.. وقد ذهب بأحدهم الشطط أن صرح بأنه في اللحظة التي يعود فيها مرسي للرئاسة، سوف تتوقف أعمال العنف في سيناء (!!).. وفى مرحلة أخرى تلخصت طلباتهم في الإفراج عن مرسي، دون عودته إلى الحكم، والإفراج عن القيادات المحبوسة على ذمة قضايا، وعدم ملاحقة القيادات الأخرى أمنيا وقضائيا..إلخ..غير أن هذه الطلبات تم رفضها جميعا، من قبل عشرات الملايين الذين خرجوا في 30 يونيو، و3 يوليو، 26 يوليو.. من المؤكد أن الإخوان ومن معهم كانوا يعولون بشكل رئيسي على دعم الغرب، خاصة الإدارة الأمريكية، لهم، وأن الغرب سوف يقوم بالضغط على مؤسسات الدولة، على اعتبار أن مصلحة الغرب مع عودتهم.. نسوا أن هذا الغرب يتعامل مع الأقوى.. نسوا أن الغرب حين تعامل معهم في البداية كان معهم الشعب، والجيش، والشرطة.. أما الآن فليس معهم أحد.. خسروا كل شيء بفشلهم وسوء تقديرهم وعدم إدراكهم لما يحدث حولهم.. لقد كانت أخطاء الإخوان قاتلة.. فشلوا في تحقيق الاستقرار السياسي، وفشلوا في إيجاد الحد الأدنى من التعافي الأمني، وفشلوا في التوصل إلى حلول للأزمة الاقتصادية الطاحنة.. بل أدى إعلانهم الدستورى المشؤوم إلى الانقسام والتشرذم، والاحتراب الأهلي، والعنف المجتمعى، علاوة على انهيار دولة القانون.. مع عملية فض اعتصام رابعة والنهضة، جرت أعمال اقتحام لأقسام شرطة، وحرق لكنائس..إلخ، في عديد من المحافظات. وكان هناك تخطيطا لتصبح مصر سوريا ثانية.. وإذا ثبت أن الإخوان ومن معهم قاموا بذلك، فقد كتبوا نهايتهم بأيديهم، سياسيا ودعويا وتاريخيا..أن الإخوان لم يخسروا الحكم فقط، لكنهم خسروا ما هو أهم من الحكم.. خسروا ثقة الناس بهم وتعاطفهم معهم، بل أنهم نالوا سخطهم وغضبهم وحنقهم.. حتى أن البعض الآن ينادي بجعل الإخوان منظمة إرهابية، يجب حلها، وحل الحزب التابع لها..