فى أقل من يوم تبدد الوهم الكبير الذى صدرته جماعة الإخوان المسلمين إلى جماهيرها التى كانت تتبعها بلا عقل ولا منطق ولا حسابات للقوة على الأرض.
منذ أيام وعندما أعلن وزير الداخلية محمد إبراهيم أنه جاهز لفض اعتصام رابعة العدوية، خرج صفوت حجازى بغرور ليس جديدا عليه ليقول: لو كان محمد إبراهيم رجلا فليأت إلى رابعة العدوية.. ولا أدرى على وجه التحديد ماذا كان شعور صفوت وهو يرى رجال الأمن يقتربون من الاعتصام وهم مصرون على فضه بعد أن أطلق الإخوان أسلحتهم ونارهم وحقدهم.. هل أيقن لحظتها أن وزير الداخلية رجل ويستطيع أن ينفذ كلمته، هل أدرك أن الوزير لم يكن يمثل نفسه لكنه كان يمثل ملايين المصريين الذين رأوا فيما فعله الإخوان حالة من البجاحة الكاملة والبلطجة التامة والإطاحة بكل القيم والأخلاق التى يعرفها المصريون.
ظلت جماعة الإخوان المسلمين تستعرض قوتها من على منصة رابعة العدوية مرة، ومن على منصة ميدان النهضة مرة أخرى، خطب نارية وكلمات حادة وساخنة من قادة يشعلون نار الحماس فى قلوب اتباعهم.. خادعين إياهم بأنهم قادرون على النصر على دولة بكاملها، فقراء المصريين وبسطاؤهم الذين ذهبوا مخدوعين بالإخوان كانوا يعتقدون إلى اللحظة الأخيرة أن محمد مرسى يمكن أن يعود مرة أخرى، أن يدخل قصر الاتحادية مرة أخرى.. أن يحكم ويتحكم الإخوان مرة أخرى.. وهو ما كان يعتقده قادة الإخوان بالمناسبة.. رغم أن بعضهم كان يعرف جيدا أن هذا ليس إلا وهما كبيرا تعيش فيه الجماعة.
هذا كان تحديدا وهم الجماعة الكبير الذى عاشته منذ 30 يونيو.. دخلت مفاوضات كثيرة، أوشكت على عقد صفقات كثيرة.. وفى ذهنها أن كل الأمور يمكن أن تعود إلى الوراء مرة أخرى.. صحيح أنهم حاولوا أن يحافظوا على أموالهم.. أن يخرجوا قادتهم من السجون.. أن يحافظوا على الجماعة بكيانها والحزب بتشكيله تمهيدا للعودة إلى الحياة السياسية مرة أخرى.. وصحيح أنهم كانوا على قناعة بأن محمد مرسى انتهى إلى الأبد.. لكن الوهم كان يراودهم بأنهم يمكن أن يعودوا مرة أخرى إلى ما تمتعوا به من أبهة الحكم ووجاهته.
هذا الوهم كان بنفس قوة الوهم الذى رسمته الجماعة لنفسها وحاولت أن تصدره للمصريين جميعا.. بأنها الجماعة الأقوى فى مصر القادرة على تنفيذ كل ما تريده دون عناء.. وليس على الآخرين إلا أن يسمعوا ويطيعوا.. فحتى الجيش لم يقدر على الجماعة التى أطاحت بطنطاوى وعنان من الحكم وفككت المجلس العسكرى القديم.
ولأن الجماعة كانت تعيش وهم أنها الأقوى والأقدر.. فقد كان لافتًا للنظر أن محمد مرسى صوّر أمر إحالته طنطاوى وعنان إنه استطاع أن ينهى الحكم العسكرى الذى استمر لأكثر من 60 عاما، وهو ما احتفلت به الجماعة بشكل صاخب، رغم أن مرسى لم يفعل أكثر من إخراج مسئول من منصبه.. وأعتقد أن الجماعة صدقت نفسه.. وأعتقد أيضا أنها لم تسترد وعيها إلا بعد أن وجدت نفسها مطاردة وملقاة على الرصيف فى الشارع، لا تملك إلا ميدانًا تعلن من خلاله الاعتصام.
الأوهام الكثيرة التى عاشتها الجماعة كانت سببا فى كتابة كلمة النهاية لتاريخ الجماعة التى ظلت طوال ثمانين عاما تسعى إلى الحكم، ولما وصلت إليه لم تستمر فيه أكثر من عام واحد، مارست فيه كل ألوان الفشل مرة واحدة.
لقد انتهت جماعة الإخوان المسلمين تحديدا يوم 30 يونيو، اليوم الذى خرجت فيه جموع الشعب المصرى تطالب بعزل رئيسها الإخوانى الذى كان يعمل من أجل الأهل والعشيرة فقط.. لكنها لم تدفن إلا يوم 14 أغسطس.. اليوم الذى تم فيه فض اعتصامها وسط حالة من الترحيب والتهليل من قوى الشعب المختلفة.
أعرف أننا شعب رقيق الحال تفزعه الدماء ولا يصبر عليها مطلقا، لكنه وفى الوقت نفسه ورغم قسوة بعض مشاهد الفض إلا أن المصريين باركوا ما جرى، لأنهم أدركوا ومبكرا جدا أن الجماعة لو تمكنت فلن تتورع عن ذبح كل معارضيها والتمثيل بجثثهم.. وهو تقريبا ما جرى يوم الفض، فقد خرجت الجماعة فى الشوارع مثل الثور الهائج تقتل وتذبح وتحرق وتمثل بالجثث.. وكأنهم يقولون للمصريين جميعا لن نكون وحدنا من سيخرج من المشهد.. بل سيخرج الجميع.
لقد خرجت جماعة الإخوان المسلمين تماما من وجدان الشعب المصرى خلال العام الذى حكم فيه محمد مرسى، وأثبت فيه فشلا كبيرا، أدرك المصريون أن هؤلاء يتاجرون بدين الله بعد ما ظلوا طويلا يصورون أنفسهم على أنهم حماة الدين الذين يرفعون شعار الإسلام هو الحل.. وفجأة رأوا أمامهم مجموعة من اللصوص والطغاة والمستبدين الذين يريدون فقط أن يحكموا باسم الله دون أن يؤدوا حقه.
كان المصريون يتعاملون مع الإخوان على أنهم مظلومون ومضطهدون.. ينحازون إليهم لأنهم الأضعف.. لكن وفجأة سقط هذا القناع تماما، فالجماعة التى كانت مستضعفة تريد أن تسرق الأرض بما عليها، أن تقتل كل من يعترض طريقها.. فكان طبيعيا أن يلفظها المصريون بعد أن تم كشفهم.. ولذلك فإن الإخوان لا مستقبل لهم فى مصر.
كانت هناك محاولات لإدماجهم مرة أخرى فى الحياة السياسية، وألا يخرجوا من المشهد.. لكنهم أعلنوا من اللحظة الأولى: إما أن نحكمكم وإما أن نقتلكم.. لكن المصريين رفضوا الاختيارين.. أخرجوا الإخوان من الحكم ووقفوا داعمين لفض اعتصامهم.. فى إعلان واضح إلى أن مصير الجماعة لن يكون إلا مزبلة التاريخ التى ستستقر فيها إلى الأبد.
كيف استطاعت قوات الأمن أن تفض اعتصامات الجماعة بكل هذه الاحترافية؟
أسرار خطة ال6 ساعات لفض اعتصامات الإخوان فى رابعة والنهضة
■ المرحلة الثانية من الخطة الأمنية تم تنفيذها قبل المرحلة الأولى بسبب فتح المعتصمين النار على رجال الأمن ■ الأوامر صدرت بضبط النفس مهما كانت الاستفزازات لكن بعد سقوط 18 شهيدًا من رجال الشرطة بدأ الاشتباك قبل وصول أوامر جديدة من وزير الداخلية
قبل دقائق قليلة من فض اعتصام رابعة العدوية، كان صفوت حجازى يقف على المنصة يحاول أن يثبت المعتصمين ويدفع فى قلوبهم الحماس، موجهًا رسالة إلى رجال الأمن.. يسأل عنهم ويقول لهم أين أنتم.. سوف ندفنكم مكانكم إذا جئتم إلى هنا، فلدينا أسود الله فى الأرض.
كان حجازى يظن أن الأخبار التى وصلت إلى معتصمى رابعة حول فض الاعتصام مجرد تسريبات أمنية، حدث مثلها الكثير، وأن شيئا لن يحدث على الإطلاق.. فقد مرت على المعتصمين أخبار كهذه كثيرة ولم يتحرك أحد من قوات الأمن.. لكن المفاجأة التى زلزلت الجميع كانت أن الفض هذه المرة جاد.. وأن مرحلته الأولى ستبدأ بعد قليل.
لم يكن خبر فض الاعتصام سرا.. لكنه كان غامضًا.. ونحن نجهز هذا العدد للطبع -مفروض أننا ننتهى منه مساء الثلاثاء – توافدت علينا الأخبار بأن فض الاعتصام سيتم خلال ساعات، انتظرنا طويلا، مرت ساعات الليل بطيئة فى انتظار ما ستسفر عنه الأحداث، لكن شيئا لم يحدث على الإطلاق، بعض المصادر أكدت أن الفض نهائى.. بعضها شكك فى الأمر.. أحدهم نصحنا بأن نؤجل الطبع كثيرا، فهو يعرف أن خبر فض الاعتصام ليس هينا، وسيكون من الخسارة أن نخرج بدونه.
أنهينا العدد وقررنا إذا ما بدأ الفض أن نعود مرة أخرى لنفتح العدد من جديد.. وهو ما جرى بالفعل.
المرحلة الثانية قبل الأولى فى فض الاعتصام
كان المشهد فى أوله صعبًا.. خاف البعض أن تفشل محاولة فض الاعتصام.. فالفشل معناه هذه المرة أن يزداد المعتصمون قوة، وأن يثقوا فى أنفسهم أكثر من اللازم، وأن يعتقدوا أنه لا أحد يقدر عليهم على الإطلاق.. وهو أثر كان يمكن أن ندفع ثمنه جميعا.
كانت الخطة التى وضعتها الداخلية وحظيت بموافقة مجلس الوزراء وأقرتها الرئاسة، أن يتم فض الاعتصام على مراحل، وأن تكون المرحلة الأولى هى حصار الاعتصامين فى رابعة العدوية وميدان النهضة، كان من المفروض أن يستمر هذا الحصار على الأقل 48 ساعة، لتبدأ بعده الاشتباكات لإخلاء الميادين.. لكن يبدو أن المعتصمين أدركوا أن كل هذه القوات لن تنزل إلى الاعتصام من أجل حصاره فقط، بل ستشتبك على الفور، وهو ما جعلهم يبدءون بضرب النار على القوات فى رابعة العدوية أو فى النهضة.
حرص وزير الداخلية وهو يمرر خطته لرجاله أن يؤكد عليهم بضرورة ضبط النفس، كانت هناك تعليمات مشددة بألا يطلق أحد النار تحت أى ظرف من الظروف حتى لو بدأ المعتصمون ضرب النار، ورغم أن هذا كان تصورا خياليا إلا أن هذه كانت التعليمات تماما.
من الدقائق الأولى بدا أن رجال الداخلية يلتزمون بضبط النفس تماما، وبدا أيضا أن هناك تعليمات بحسن التعامل مع المعتصمين وإخراجهم برفق، وهو ما شاهده الناس فى اعتصام النهضة وبعض الوقت فى اعتصام رابعة.. فلم يتم القبض إلا على المعتصمين المسلحين أو المعتصمين الذين أبدوا مقاومة لقوات فض الاعتصام.
لكن حدث ما جعل رجال الداخلية يخرجون عن التزامهم بضبط النفس، فقد قتل فى البداية ما يقرب من 18 ضابطًا وعسكريًا بوحشية، ويبدو أن هذا أغرى المعتصمين فى رابعة والنهضة بمواصلة الهجوم.. ورغم أن الأوامر لم تصدر من وزير الداخلية بضرب النار، إلا أن مصادر ميدانية أشارت إلى أن الضباط بدءوا الاشتباك بعد أن رأوا رصاص المعتصمين وهو يحصد أرواح زملائهم، وأنهم لو تأخروا فى التعامل مع المعتصمين فإنهم سيتحولون فى دقائق إلى ضحايا.
هذا الاشتباك جعل أحد المصادر الأمنية تشير إلى أن المرحلة الثانية من الاعتصام بدأت قبل المرحلة الأولى.. التى كان يجب أن تمتد ولو قليلا، إلا أن إطلاق النار على رجال الداخلية من المعتصمين عجّل بالاشتباك، الذى كان فعليا له دور كبير فى فض الاعتصامين على وجه السرعة.
أخطاء الخطة الأمنية فى الأقسام والكنائس
لقد تردد عدد كبير من السياسيين سواء الذين يعملون مع النظام الجديد أو الذين يتعاونون معه من الخارج فى فض الاعتصام، وكان من بين أسبابهم التى يستندون إليها خوفهم من عدم احترافية رجال الأمن المصريين، كانوا يقولون أن رجل الأمن المصرى يشتبك مباشرة مع المعتصمين ويضرب فى الصدر أو الرأس دون أن يتبع الخطوات القانونية فى فض الاعتصامات.. وقد اعتقد البعض أن فض الاعتصام بالقوة يمكن أن يخلف أكثر من مليون ضحية، ورغم أن الرقم كان يعبر عن مبالغة كبيرة للغاية، إلا أن هذا الكلام كان يتم تريدده كثيرا، وهو ما كان حائلا ضخما أمام فض الاعتصام.
التجربة وحدها أكدت أن قوات الأمن المصرية تعاملت مع الأمر بمنتهى الاحترافية، وأنها كانت على قدر المسئولية، ورغم أن الضحايا وصلوا طبقا لإحصائيات رسمية إلى ما يقرب من 235 قتيلا من بينهم 43 رجل شرطة وحوالى 2001 مصاب وجريح، إلا أن حجم الاعتصام والرغبة فى التحدى لدى الإخوان تجعلنا نقول إن هذه فى النهاية خسارة هينة ويمكن تقبلها إذا ما قورنت بالفوائد الإيجابية التى يمكن أن يجنيها المصريون جميعا من وراء فض الاعتصامات التى كان الإخوان يريدون أن يستردوا الحكم بها.
لكن هذه الاحترافية لم تمنع أن يكون هناك بعض الأخطاء فى الخطة الأمنية من البداية، وقد اعترف وزير الداخلية بأن هناك أخطاء بالفعل.. لكننا يمكن أن نرصد خطئين أساسيين فى الخطة:
الأول: هو عدم تأمين أقسام ومديريات الشرطة بالعدد الكافى من قوات الأمن.. وكان طبيعيا أن يقع بعض الأحداث أشهرها حادثة قسم شرطة كرداسة حيث تم قتل المأمور ونائبه وطاقم القسم والتمثيل بجثثهم، كما تم إحراق بعض الأقسام وإخراج المساجين منها، ورغم أن هذا السلوك فى النهاية يضع أيدينا على المتهمين فى فتح السجون وحرق أقسام الشرطة واختراقها فى ثورة يناير 2011.. فالإخوان فعلوا فى 14 أغسطس ما سبق وفعلوه 28 يناير.. الفارق أن العدو هذه المرة كان واضحا ومعروفا.. وهو ما أعتقد أنه سيغير كثيرا فى القضايا التى لا تزال منظورة أمام القضاء فيما يخص فتح السجون وقتل المتظاهرين فى ثورة يناير.
الثانى: عدم تأمين الكنائس بشكل كاف.. فالذين قاموا على وضع الخطة الأمنية لفض الاعتصامات يعرفون جيدا أن الكنائس والأقباط جميعا مستهدفون، فالإخوان لن ينسوا أبدا للبابا تواضروس أنه كان واحدا ممن أعلنوا خارطة الطريق التى أطاحت بهم من الحكم، ومن فوق منصة رابعة العدوية كان التحريض على الأقباط مباشرا لا لبس فيه، بل كان الإخوان ومحمد البلتاجى تحديدا يدعو إلى الانتقام من الأقباط.
لقد تم الاعتداء على الكنائس بلا رحمة، تم حرقها وسرقتها ونهب كل ما فيها بغل وتشفٍ وحقد شديد.. وهناك يمكن أن نتوقف عند رغبة الإخوان السوداء فى الانتقام من كل من كان سببا فى إبعادهم عن السلطة، لكن رد الفعل لدى الأقباط كان مشرفا، خاصة ما قاله الأنبا تواضروس، فهو لا يضن بالكنائس على الوطن، وإذا كان إحراق الكنائس فداءً للوطن فلتحرق كل الكنائس، بل قال الرجل فى بلاغة وحكمة، إذا أحرق الإخوان المسلمون الكنائس فإن الأقباط سوف يصلون فى الجوامع.
كان يمكن أن تتفادى الخطة الأمنية هذه الأخطاء، لكن يبدو أن وزير الداخلية اعتقد أن الإخوان لن تصل دناءتهم ولا حقارتهم إلى درجة الاعتداء على الكنائس فلم يهتم بتأمينها التأمين اللازم، وهو ما حدث أيضا مع أقسام الشرطة فكانت النتيجة مؤسفة جدا.
لماذا تأخر فض اعتصام رابعة؟
كانت السهولة التى تم بها فض اعتصام ميدان نهضة مصر لافتة للانتباه، فقد كنا نعتقد أن ميدان النهضة أصعب، وذلك بسبب ما أشيع عن تواجد العناصر الجهادية التى أتت من سيناء أمام جامعة القاهرة، بما يعنى أن المواجهة ستكون أكثر دموية فى النهضة، لكن ما جرى كان هو العكس تماما، فقد استغرق اعتصام رابعة العدوية وقتا أطول فى فضه، وخلف وراءه ضحايا كثيرين فى الوقت الذى لم يكن هناك ضحايا فى النهضة اللهم إلا سقوط ضحية واحدة وبعض الإصابات.
وهو ما يجعلنا نسأل: لماذا تأخر فض اعتصام رابعة العدوية، ولماذا حرصت الجهات الأمنية المختلفة على أن تبعد الصحفيين والإعلاميين عن مكان الاعتصام فى البداية للدرجة التى تمت مصادرة كاميرات بعض القنوات الفضائية والصحف والمواقع الإلكترونية.
اعتقد الإعلاميون فى البداية أن الأجهزة الأمنية مقدمة على مجزرة، لكن رجال الأمن أدركوا أن هناك مخاطر كثيرة لو تم الاشتباك مع الاعتصام بشكل مباشر، فقد كان هناك تخوف من قناصة حماس المنتشرين على أسطح العمارات المحيطة برابعة العدوية وتحديدا على المقابلة لمدينة التوفيق.
وعندما أمنت الأجهزة الأمنية دخولها إلى اعتصام رابعة بدأت أجهزة الإعلام المختلفة تنقل فض الاعتصام على الهواء، فقد تم التعامل مع القناصة بعد أن استطاع بعض أفرادها قنص عدد من رجال الشرطة.. وهو ما جعل التدخل ملحًا لإنهاء هذه المهزلة.
أثناء فض اعتصام رابعة العدوية، وبعد أن خرج مئات المعتصمين من الميدان فى حالة استسلام تام، سرت شائعة بأن هذا الخروج الكبير من الاعتصام تم بالتنسيق بين الأجهزة الأمنية وقيادات مكتب الإرشاد، وأنه لولا هذا التنسيق ما استطاعت القوات الأمنية أن تفض الاعتصام، لكن الشائعة تم وأدها على الفور لعدة أسباب منها أن قيادات مكتب الإرشاد اختفوا تماما من المشهد وتركوا المعتصمين يواجهون مصيرهم، والثانى أن الأجهزة الأمنية كانت قد وصلت إلى قناعة كاملة بأنها ستنجح فى فض الاعتصام دون الحاجة إلى تنسيق مع قيادات الجماعة.. ثم إن وقت التفاوض كان قد انتهى بالفعل.
أسرار الساعات الأخيرة قبل فض الاعتصام
ما جرى يوم 14 أغسطس فى النهاية لم يكن مجهود يوم.. بل يمكن أن نقول أن هناك من حاول تعطيل الفض بكل السبل لأسباب واهية.. ويمكن برصد دقيق لما جرى أن نعرف من كان يتحمل المسئولية ومن كان يحاول أن تظل مصر فى مرحلة متوترة ومرتبكة.
وهنا أعتمد على تقرير أعده العميد صبرى ياسين عن محاولات فض الاعتصام، وهو بالمناسبة واحد ممن ساعدوا فى الحشد ليوم 30 يونيو، وهو عسكرى سابق له مصادره وقدرته الفائقة على التحليل.. وقد نشر تقريره على صفحته الخاصة على فيس بوك، وهذا بعض ما جاء فى هذا التقرير.
كان من المقرر تنفيذ خطة «الساعات الست» لفض الاعتصامين قبل عيد الفطر المبارك، وبالتحديد فقد كانت ساعة الصفر للبدء فى التنفيذ هى الثالثة من فجر يوم الأربعاء الموافق 7/8/2013، وفجأة وبدون سابق انذار وقبل بدء التنفيذ ب 5 ساعات، تدخل الدكتور محمد البرادعى وقال: مستحيل أن يحدث ذلك.. انتو كده بتحطونى فى موقف صعب وحرج جدا أمام شخصيات عالمية وعربية اتفاوض معها من أجل أنهاء المشكلة سلميا ودون إراقة قطرة واحدة من الدماء.
ثار جزء من الحضور وصمت جزء آخر وكأنه غير موجود ولا يعنيه الأمر فى شىء، ولمعت وظهرت على الساحة شخصيتان اتفقا مع البرادعى فى الرأى وقاما بتدعيم موقفه وبصمتا له بالعشرة، وهما: وزير الداخلية والسيد زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء.
استمرت عمليات الشد والجذب بين الداعمين لموقف الرجل وبين الرافضين للتأجيل، وفى نهاية الأمر رضخ الجميع لرأيه وسألوه عن المهلة التى يراها كافية من وجهة نظره للانتهاء من هذا التفاوض، فقال لهم وبالنص «انا عاوز 72 ساعة فقط» واذ لم يحدث أى تقدم فعليكم تنفيذ ما شئتم من أعمال، وانفض اللقاء بعد ان اتفقوا على اللقاء ثانى أيام عيد الفطر الموافق الجمعة 9/8، وبالتحديد فى تمام العاشرة مساء نفس توقيت نهاية مهلة التفاوض.
لم يكن الفريق أول عبد الفتاح السيسى موجودا فى هذا الاجتماع، لأنه لم يكن راضيا عما يدور من خلف الستار، وقال لهم فى إحدى الجلسات، قبل يوم واحد من هذا الاجتماع وبالحرف الواحد: السيد الرئيس قام بتفويض رئيس الوزراء فى اتخاذ ما يراه بخصوص فض الاعتصامات، ثم قام السيد رئيس الوزراء بتفويض وزير الداخلية وأمره بتنفيذ خطط فض الاعتصامين فى أقرب وقت، ثم توجه إلى شخصى وطالبنى بالجاهزية للتدخل والمساعدة إذا لزم الأمر، وبصفتى رجلاً عسكريًا ومنضبطًا، فإننى أعلن أمامكم عن جاهزيتنا من الآن للعمل تحت أى ظرف.
هذا ما قاله لهم السيسى ثم استأذن من الجميع وخرج من الاجتماع متوجها إلى غرفة العمليات لمتابعة ما يدور فى سيناء.
يوم الجمعة 9/8/2013 وفى تمام العاشرة مساءً، جرت عدة اتصالات بين عدد من المسئولين تحدثوا مع البرادعى عن نتائج مفاوضاته، فرد : من الواضح أن هناك مستجدات كثيرة حالت بينى وبين انهاء عملية التفاوض خلال هذه المهلة البسيطة، ولكننى أعدكم بالعمل ليل نهار من أجل ايجاد مخرج للأزمة.
كان من رأى الدكتور الببلاوى أنه من المستحيل الانتظار إلى ما لا نهاية، فالأمر خطير ويرتبط بمصالح الوطن العليا ولابد من اتخاذ ما يلزم وفورا حتى لا يكون النظام عرضة للعنات الشعب والتاريخ.
لم يتفق البرادعى مع هذا المنطق فهو يرى أن العمل الدبلوماسى يحتاج للصبر والحكمة والتعقل، وقال: نحن أمام مشهد يتطلب من الجميع التحلى بالدبلوماسية والصبر والحكمة، وعلى العموم انا غير معترض على ما ترونه الآن وموافق على اى اجراءات تتفقون عليها بخصوص فض الاعتصامين ولكن بشرط أن يكون العمل غير مصحوب بنقطة دماء واحدة وأن يتم على مراحل طويلة الأجل ولا داعى للاستعجال «كان البرادعى يعرف أن هذا مستحيل، ولذلك سارع بتقديم استقالته بعد إعلان الموقف الأمريكى من فض الاعتصام ليغسل يديه مما جرى».
استمرت هذه المحادثات حوالى نصف ساعة فقط وتم الاتفاق بعدها على:
أولا: البدء فورا فى تجهيز أرض العمليات، وأوكل الأمر كله لرجال القوات المسلحة «قوات جوية ومخابرات واستطلاع».
ثانيا: تم تحديد ساعة الصفر لبدء تنفيذ خطة «ال 6 ساعات» فى تمام الثالثة من فجر يوم الأحد الموافق 11/8/2013، على أن يقوم رجال الشرطة وفرق مكافحة الإرهاب بفض الاعتصامين فى توقيت واحد، مع جاهزية الفرقة 777 وتسكينها فى الخطوط الخلفية وتدخلها السريع إذا لزم الأمر.
لكن وقبل ساعة الصفر بساعات جرى اتصال بين البرادعى وحازم الببلاوى أخبره فيه بأن هناك انفراجة فى الموقف، وأن هناك دبلوماسيين عربًا وأجانب تدخلوا وتوصلوا إلى حل رضى به الإخوان فى مقابل فض الاعتصام وهو أن يتم الإفراج عن جميع قادة الإخوان الموجودين فى السجون باستثناء مرسى والشاطر، وتأجيل الإفراج عنهم إلى ما بعد استقرار الأمور وهدوء الشارع، كما قبل الإخوان بالأمر الواقع بشرط عدم ملاحقتهم جنائيا واسقاط جميع الاتهامات المنسوبة إليهم، مع حصولهم على ضمانات دولية تقضى باستمرار أنشطة الجماعة وحزب الحرية والعدالة مع موافقتهم على تعديل الدستور وحصولهم على ضمانات بعدم إلغائه.
الاتفاق كان يتضمن أيضا ما توصل إليه الدبلوماسيون الأجانب وهو أن تقوم أجهزة الأمن بتمثيلية فض الاعتصامات وقيامهم بهجوم سينمائى على المعتصمين فى رابعة والنهضة واستخدام المياه وقنابل الغاز المسيلة للدموع وذلك للحفاظ على ماء وجه الجماعة أمام المعتصمين.
توقف هذا السيناريو تماما لاعتراض جهات سيادية عليه لأنه يمنح الإخوان أكثر مما يستحقون.. وهو ما جعل من فض الاعتصام أشبه بعملية الولادة المتعثرة.. وهو ما جعل الفريق عبد الفتاح السيسى يقول أنه لن ينتظر دقيقة واحدة بعد الآن.